خبراء التعليم والتشغيل والقانون يضعون خطة لإصلاح التعليم فى مصر
بعد تسريب امتحانات الثانوية العامة هذا العام وفشل الوزارة فى ضمان الحيادية للطلاب هل يتم إلغاء مكتب التنسيق العام المقبل؟
التعليم هو القضايا الأولى والاهم فى العالم فهو يمثل حجر الزاوية فى العملية التنموية، فالتعليم هو العمود الفقرى للدول التى تريد ان تنهض اقتصاديا بل والدول التى نهضت بالفعل ورغم ان هذه الحقيقة يعلمها جميع المسئولين فى مصر عن التعليم الا ان النظام التعليمى فى مصر مازال يعانى من مشكلات لا حصر لها وهو ما وضح جليا هذا العام الذى شهد العديد من الظواهر الغريبة على التعليم والمجتمع معا فقد تم تسريب امتحانات الثانوية العامة وهو ما اضاع على عدد كبير من الطلاب مبدأ تكافؤ الفرص وهو ما نتج عنه شكوى عامة من ارتفاع التنسيق فقد فشل كل الطلاب الذين لم يستطيعوا الحصول على مجموع 95% من الالتحاق بأى من كليات القمة فى قسم علمى علوم وهو ما يظهر الخلال الكبير فى المنظومة التعليمية فى مصر والتى تتكون من ابنية تعليمية لا تنطبق عليها المواصفات القياسية ومناهج عقيمة محتواها يعتمد على الحشو وطرق تدريس تقليدية ووسائل تعليمية قاصرة واساليب تقويم تقيس الحفظ والاستظهار. والطلاب الذين يحملون بداخلهم طموحات غالبا لا تتفق مع قدراتهم وامكاناتهم ويبحثون عن وظيفة من خلال التعليم فكل طالب يحلم بالجلوس خلف مكتب بعد التخرج دون التفكير فى الاعمال الحرفية واليدوية التى يستطيع التعليم توفيرها.
اما عن المعلم فيدخل ضمن تلك المنظومة بإمكانياته القاصرة واعداده غير الكفء ليشكل عقبة اخرى فى سبيل النهوض بالتعليم، فهم يتخاذلون عن اداء مهمتهم على افضل وجه زاعمين بعدم جدوى ذلك ما دام الطالب قد درس المقرر خارج المدرسة فيتبعون طرق تعتمد فى المقام الاول على الالقاء والتلقين غافلين دور المناقشة وطرق الاكتشاف وهو ما يكشف عن مدى، قصور الامكانات المادية داخل المدرسة، والتى تمثل احد العراقيل امام حصول الطلاب على مستوى مميز من التعليم.
وبجانب هذا المشكلات تأتى المعضلة الكبرى فى ادارة العملية التعليمية وهى اتسام الادارة التعليمية بالمركزية لتكون التعليمات فيها شكل هرمى تبدأ من قمة الهرم حتى تصل إلى قاعدته مارة بالتعقيدات والبيروقراطية والروتين. رغم أن هناك دولا مثل استراليا والولايات المتحدة وهونج كونج تقوم بتطبيق الإدارة الذاتية ليس فقط للإدارة التعليمية للمنطقة بل أيضا للمدرسة.
فكل هذه المشاكل وغيرها دفعت «السوق العربية» لمناقشة العملية التعليمية فى مصر من كل جوانبها التعليمية والدستورية والاقتصادية للوقوف على سبل العلاج حتى يساهم التعليم فى بناء مصر الجديدة.
فى البداية يقول الدكتور محمد حسن المهدى نائب رئيس مركز تطوير المناهج الدراسية الأسبق: إن مشكلة التعليم فى مصر تتلخص فى كلمة واحدة هى سوء التخطيط والذى يتمثل فى عدم الاستعانة باهل الخبرة والكفاءة والانتماء لتراب هذا البلد ففى الماض كانت الدول تقصى هؤلاء وتكتفى بالاستعانة باهل الثقة وليس الكفاءة، ويقول حسن ان القوات المسلحة المصرية مدرسة الوطنية الشامخة فمنذ أكثر من 70 سنة كانت تقوم بتوقيع الكشف الطبى على المجندين مع إجراء اختبارات حتى تضع الجندى المناسب فى السلاح المناسب وهو ما نحتاجه الان فى كل المجالات فيجب علينا ان نقوم بتطبيق ذلك فى الثانوية العامة على الطلاب فابسط إجراءات التخطيط فى التعليم هى عدم اهمال قدرات ورغبات وامكانيات الطالب ويأتى ذلك من خلال مشاركة الطلاب فى انشطة ترتبط بالمجموع.
ويفجر الدكتور محمد حسن مفاجأة من العيار الثقيل بقوله ان من يدير التعليم ما قبل الجامعى فى مصر ليس الوزير ولا الوزارة انما هناك 3 جهات تدير بشكل منفصل وهى مركز تخطيط المناهج ومركز وضع الامتحانات ومركز البحوث التعليمية ولكل مركز ان يعمل ما يراه دون تنسيق أو تواصل مع المركزين الاخيرين بجانب جهة رابعة أيضا وهى ادارة التعليم الفنى والذى يطالب البعض بإنشاء وزارة لها وهنا يكمن الخطر فيجب دمج جميع المراكز تحت قيادة واحدة ومركز تخطيط واحد حتى تنجح العملية التعليمية فى مصر ويطالب حسن بإلغاء مكتب التنسيق من العام القادم والمدن الجامعية وعمل تنسيق جغرافى يدخل فيه الطلاب النوابغ الجامعة ويقوم من حصل على مجموع درجات صغيرة بإعادة اكتشاف نفسه من خلال التوجيه والتدريب وخلق كوادر مدربة لسوق العمل وهو ما سيقضى على ما فى الدروس الخصوصية التى تجهد ميزانية البيوت المصرية التى بلغ اجمالى المنصرف علية أكثر من 2 مليار جنيه طبقا لعدد من الاحصائيات.
فى حين يرى الدكتور جمال فخرالدين استاذ المناهج وطرق التدريس والباحث بالمركز القومى للتعليم ان النظام التعليمى الحالى فى المرحلة الثانوية بها عيوب كثيرة تتمثل فى الاعتماد الكلى على المجموع الذى يحصل عليه الطالب بغض النظر عن ميل ورغبات الطلاب فى الالتحاق وبالتالى فهو يحطم آمال الطلاب غير القادر على الحفظ بل يجعل الكثير من الطلاب يتجهون للانضمام إلى جماعات متطرفة بسبب الملل وإفراغ وعدم اشباع الرغبة الدراسية وفقا للميول والرغبات التى يرغب الطالب فى دراستها وهو ما يأخذنا للحديث عن المنهج الذى لا يلبى الاحتياجات اللازمة للطلاب ولا لسوق العمل.
بالنسبة للطالب فالمنهج لا يراعى البعد النفسى ولا البدنى ولا الاجتماعى ولا البيئى ولا العقلى، وهو ما يقتل الإبداع داخل الطلاب، فالتعليم فى المرحلة الثانوية يعتمد على الحفظ والاستذكار والتلقين، فبقدر قدرة الطالب على الحفظ يأتى المجموع وهو ما يزيد من البطالة بعد ذلك لأن المنهج قاصر على تأهيل الطالب للحياة العملية والتعامل مع الاخرين.
ويطالب جمال فخرالدين بأن تكون المرحلة الثانوية قائمة على الفهم والتحليل والتركيز والتقويم بدلا من الحفظ الذى جعل من العملية التعليمية تجارة رائجة فى المراكز الخاصة غير الحكومية التى أنهت دور المدرسة بشكل كامل وجعلت الطلاب يرتبطون بها بحثا عن المجموع، وهو ما أرهق الميزانية العامة للدولة منن خلال نفقات الأسر المصرية على الدروس الخصوصية.
ويضيف فخرالدين ان العملية التعليمية تحتاج إلى اعادة تقييم بنظرة مختلفة تعتمد على الإبداع وعودة الطلاب إلى المدارس وعودة المدرس كذلك إلى العملية التعليمية من خلال وضع آلية جديدة تتمثل فى ربط درجات الطلاب بسلوكياتهم دخل للمدارس ويكون هناك20 % من مجموع الدرجات للالتزام العلمى السلوكى والتفوق الرياضى والتعامل مع الزملاء والإدارة والمعلم تضاف إلى المجموع الكلى للطالب، وهذا الامر يحتاج إلى اعادة تأهيل الطلاب والمدرسين والقائمين على العملية التعليمية فى كل مراحلها من خلال خلق نظام التعليم المستمر والمتطور ويرتبط ترقية المدرسين فيه بما حصل عليه من دورات تدريبية وتقديم ابحاث علمية كل فى مجاله بجانب بناء مدارس بشكل جديد بها معامل كمبيوتر وعلوم وملاعب رياضية وتخفيف كثافة الفصول بحيث لا تزيد على 35 طالبا للصف الواحد.
اما عن خسائر الاقتصاد المصرى من خلال الانفاق الخطاء على العملية التعليمية فيقول المهندس صفوت صلاح خبير التدريب من أجل التشغيل بوزارة التربية والتعليم ان الاقتصاد المصرى يخسر مليارات الجنيهات سنويا بسبب النظام التعليمى الحالى والذى لا يعرف شيئا عن سوق العمل واحتياجاته فكل عام ينضم عشرات الالاف إلى طابور البطالة والتى تمثل13 % من الخريجين ويرجع ذلك إلى نظام التنسيق العقيم فهناك تخصصات كثيرة ليست مطلوبة فى سوق العمل وليس لها مجال مثل خريجى كلية التجارة والتى تتركز الدراسة فيها على قسمين محاسبة وادارة اعمال رغم ان المطلوب لسوق العمل اقسام اخرى وهو نفس الحال بالنسبة لكليات الصيدلة فقد رفضت النقابة ضم خريجى كليات الصيدلة من الجامعات الخاصة لعدم حاجة سوق العمل إليهم فى حين نرى ان هناك كليات لابد من انشائها لحاجة سوق العمل اليها مثل كلية التربية شعبة تجارية وكلية لتعليم ذوى الاحتياجات الخاصة.
ويؤكد صلاح ان الدولة تنفق 4% من الميزانية على التعليم فى الدستور يهدر منها 2% بسبب تخريج خريج غير كفؤ وليس مطلوبا فى سوق العمل الذى يعانى من تخمة حكومية تتمثل فى ان 30% من موظفى الدولة بلا عمل اى بطالة مقنعة فيذهبون إلى مكاتبهم دون انجاز اى عمل.
وعن حل هذه المشكلة يقول المهندس صفوت انه يجب التنسيق بين الكليات وسوق العمل من خلال انشاء نظام التعليم المستمر واعادة التأهيل ومراكز التدريب بجانب انشاء مراكز لتغيير التخصص ولا يعمل فى اى مهنة الامن يحصل على شهادة مهنية مثلما يحدث مع الاطباء فى بريطانيا فلابد على اى دكتور يريد ممارسة الجراحة ان يحصل على شهادة كلية الجراحين الملكية وهى نظام يقوم الطبيب بالدراسة فيها 4 سنوات بعد التخرج.
وعن وضع التعليم فى الدستور الجديد يقول الاستاذ الدكتور محمد المغازى رئيس قسم القانون العام واستاذ القانون الدستورى بجامعة الأزهر: إن الدستور اعتنى عناية فائقة بالتعليم وفقا للمادة 19 من الدستور التى تنص على: "التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية والروحية وارساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التميز وتلتزم الدولة بمراعاة اهدافه فى مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية. التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية وفقا للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الانفاق الحكومة للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعادلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها"، وهذا النص الدستور يضع مبدا الالزام لأول مرة فى تاريخ القانون المصرى خاصة فيما يتعلق بتحديد نسبة من الانفاق الحكومى على التعليم، وهو ما يظهر أهمية التعليم لدى الحكومة الحالية والرئيس السيسى، وهو ما وضح جليا فى باقى النص ان الامر لن يتعلق بالإنفاق فقط انما الانفاق يتم وفقا لمعايير تتلخص فى معايير الجودة العالمية، والتصاعد التدريجى فى نسبة الانفاق حتى تصل إلى المعدلات العالمية. وبما ان هذه المادة جاءت فى باب المقومات الاجتماعية فإن التعليم قد اصبح حقا ومقوما اساسيا للدولة وهذا يتطلب وضع قواعد دستورية وقانونية لازمة لتطبيق هذه المادة.
ويؤكد المغازى ان الدستور اعطى عناية كبيرة للمعلم أيضا من خلال نص المادة 22 من الدستور، ولم يقتصر وضع التعليم فى الدستور على هذا وفقط بل حث الدستور فى المادة 20 على الاهتمام بالتعليم الفنى وربطه بسوق العمل، وكذا طلب فى المادة 25 بوضع آلية للقضاء على الامية بالمشاركة مع المجتمع المدنى، وذلك وفقا لمعايير وخطة زمنية محددة وهو ما سينهض بمصر نهضة علمية كبيرة فى حال نجاح أعضاء البرلمان فى وضع قوانين وتشريعات لتنفيذ ما نص عليه الدستور.