35 عاما من «الإجرام» فى حق نهر النيل بـ«مصارف الموت» بالمنيا
65 ألف متر مكعب من الصرف الملوث يتجرعها نهر النيل يومياً
ما أسهله الكلام! وما أصدقه الفعل! ألم تأت لحظة المواجهة؟! ألم تحن لحظة الصدق؟! منذ أن تفتحت أعيننا على أرض مصرنا الحبيبة ونحن نتغنى بعشق نهر النيل وتعظيم فوائده! ولحظة الفعل نرويه بالسموم التى حتما عادت وستعود علينا بمخاطر لا قبل لنا بها! فإذا كان الإناء ينضح بما فيه فبالأحرى أن تلك السموم والملوثات التى أشبعنا بها نهر النيل سنتنضح علينا بمخاطر صحية وبيئية كارثية، فالنهر الخالد تنتهك حرمته من أسوان إلى الإسكندرية فماذا قدمنا له لنحمى أنفسنا لا لنحميه؟! اليوم نركز فقط على جريمة واحدة تحدث فى محافظة المنيا منذ خمس وثلاثين سنة! تعلمها الحكومات المتعاقبة ولم تفعل شيئاً!
حيث أصبح نهر النيل مصباً لمخلفات المصارف، وشهد مجراه موجة تلوث غير مسبوقة، أخطرها مصرف المحيط الذى يصب يومياً أكثر من65 آلف متر مكعب من مياه الصرف الصناعى والصحى والزراعى مباشرة بالنيل، ووصلت الخطورة، لحد أنه يهدد بالقضاء تدريجيا على صحة المواطن كما ظهر ذلك طيلة السنوات الماضية وكذلك على الثروة السمكية والزراعية
ويقول الدكتور أحمد فتحى، الاستاذ بكلية الزراعة جامعة المنيا: إن الآباء والأجداد كانوا يستخدمون مياه النيل فى كل شىء، وكانوا يتذوقون طعم الشاى من مياه النهر، لكن الآن تغير الحال، فمصرف المحيط يطارد الأسماك ويهدد بالقضاء عليها، فهو من أخطر المصارف حيث يخترق آلاف الأفدنة الزراعية والسكنية بالمحافظة ويلقى بكميات هائلة من المياه الملوثة من المصانع والصرف الصحى بالنهر، فضلاً على إلقاء الحيوانات النافقة التى تتعثر فى شباك الصيادين بدلاً من الأسماك ويشتكى الصياد من عدم وجود أسماك فى هذه المنطقة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة، فضلاً على كون الأسماك التى يتم صيدها، إن وجدت، تحمل ميكروبات وأمراضاً قد تنتقل للإنسان فمصرف المحيط يعد كارثة بيئية وصحية تهدد جميع القرى الواقعة غرب محافظة المنيا على امتداد المصرف الذى ينقل المياه المحملة بمخلفات الصرف الزراعى والصناعى والمبيدات والأخطر من ذلك أن مياه المصرف تصب فى نهر النيل مباشرة وعلى بعد مسافات قريبة من المصب تقع محطات لمياه الشرب ومنها عرب الزينة بسمالوط.
ويقول محمد إبراهيم، عمدة القرية: إن المصرف يشكل خطراً كبيراً على صحة أبنائهم ويتسبب فى تدمير مياه الشرب وانتشار الناموس والذباب والأوبئة فى جميع القرى الواقعة على امتداده بطول 150 كيلومتراً تبدأ من مركز ديروط التابع لمحافظة أسيوط جنوباً وينتهى بمركز سمالوط، شمال محافظة المنيا ويمر على مئات القرى الواقعة ما بين الطريق الزراعى مصر- أسوان، والظهير الصحراوى الغربى، كما أن قرية أطسا تحديداً تتعرض لمآسٍ لا حصر لها بسبب هذا المصرف، خاصة أنها تعد النقطة التى يتحول أمامها مجرى المصرف ناحية الشرق ليصب مباشرة فى النيل، ومنذ التسعينيات بدأ أهالى القرية يستشعرون حجم الكارثة التى تحيطهم، فأرسلوا الآلاف من الشكاوى والاستغاثات للمسئولين، ولكن دون جدوى.
ويشير العميد خالد ثابت، أحد أبناء القرية، إلى أن الأمراض والحشرات والذباب والناموس تحيط بالمواطنين، حتى إن سائقى سيارات النقل والميكرباص أصبحوا يتعرفون على القرية بشم الروائح الكريهة التى تنبعث بقوة من المصرف وأضاف أنه بالرغم من إرسال آلاف الاستغاثات لوزارات الزراعة والرى والبيئة، فإن المسئولين يتنصلون من هذه الكارثة بحجة أن تكلفة ردم المصرف باهظة لا تستطيع أن تتحملها وزارة واحدة، وتابع أن بعض المختصين اقترحوا بدائل لحل المشكلة، ومنها تحويل مصب المصرف من النيل شرقاً إلى الظهير الصحراوى غرباً وإنشاء مزرعة غابات شجرية تروى بمياه المصرف، لكن هذه المقترحات لم تؤخذ بجدية، كما أن جميع المحافظين، الذين تعاقبوا على المنيا، فشلوا فى إيجاد حلول لكوارث المصرف، وكان منهم الدكتور أحمد ضياء الدين، المحافظ الأسبق الذى شكل لجنة عليا برئاسته اختصت بمناقشة الحلول العملية وطرح البدائل لحل المشكلة دون فائدة
ويقول أحمد التلاوى، مهندس زراعى، من أبناء قرية تله، المتضررة بالكوارث من المصرف: مع صباح كل يوم تتجد مأساة قرية “تله” بمحافظة المنيا، بإلقاء السموم من محطة مياه الصرف الصحى فى مصرف المحيط الذى يلقى بهذه المخلفات فى مجرى نهر النيل عند قرية إطسا بمركز سمالوط، فيما لا يستطيع أحد من المسئولين وقف هذه الكارثة، حيث يعنى توقف المحطة عن العمل غرق مدينة المنيا بالكامل فى مياه الصرف الصحى، أكثر من 30 عامًا وتعيش قرية بأكملها على رائحة الصرف، أمراض وأوبئة وتلوث وناموس وذباب وحشرات وثعابين، ولا حياة لمن تنادى، 30 عامًا من الشكاوى ولا يوجد حل، وذلك بحسب تصريحات معظم الأهالى، رغم تأكيدهم أنه على مدار الأعوام الماضية، كان للقرية أعضاء بمجلس الشعب.
ويضيف محمد الإطساوى، الخبير بالمعمل البكترولجى، ومنزله أمام المصرف مباشرة، أن القمامة الموجودة بالمصرف هى نتاج نقل مجلس المدينة، لكل قمامة القرية بسيارات نقل وإلقائها فى المحيط وذلك يحدث يوميًا.
وأضاف أيضا: “بعتنا مئات الشكاوى للمحافظين وكل ما محافظ ييجى جديد نشتكى له ومحدش سأل فينا”، وأضاف، أنه قام شخصياً بتحليل عينة من ماء المصرف التى يلقى بها فى نهر النيل وتبين أن نسبة التلوث تخطت 78% وهى نسبة كارثية لا توجد فى أى مجرى مائى فى العالم.
وقال إن المحافظة يوجد بها 11 محطة معالجة، من بينها 4 محطات فيها تصرف على مصرف المحيط مباشرة و6 محطات تصرف على مصارف فرعية، وكذلك محطة واحدة تصرف على الطريق الصحراوى الشرقى بالمنيا الجديدة، ومحطة صرف المنيا وحدها بطاقة 40 ألف متر مكعب تقوم بصرف 65 ألف متر مكعب.
وعلى الرغم من تعدد الجهات التى تقوم بالإشراف على نهر النيل من جهاز حماية النيل إلى إدارة الصرف وإدارة حماية البيئة إلا أن جميع هذه الجهات اكتفت فقط بتحرير محاضر على الورق ضد محطة الصرف الصحى بمدينة المنيا، فيما لا يوجد أى تحرك حتى الآن لحل الأزمة.
طيلة هذه الأعوام والمشكلة تتضاعف مع تشغيل مصنع سكر أبو قرقاص التابع لوزارة الاستثمار أو الشركة القابضة للصناعات التكاملية بصب نواتج صرف المولاس والمياه الزائدة من المصانع البعيدة نسبيا عن نهاية المصرف التى يلتقى عندها بنهر النيل ليهديه السموم التى يحملها المصرف الذى يسير فى 5 مراكز إدارية فى المنيا من ديرمواس جنوبا وحتى مركز سمالوط بطول 85 كم وان بداياته من مدينه ديروط التابعة لمحافظة أسيوط، وأضيف إلى المصرف بدلا من صرف مياه الصرف الصناعى فقط مياه الصرف الصحى والمخلفات البيئية وتصب بمدينة سمالوط، وقد فشل جميع المسئولين فى حل تلك الكارثة بعد تواتر أخبار عن مشروع لتحويل الصرف من النيل إلى صحراء المنيا الغربية والاستفادة من ذلك فى إقامة ما يشبه الغابات الشجرية بمساحات تتخطى 500 فدان، إلا أن جهات مختلفة وقفت ضد تنفيذ المشروع وشاركت معها قيادات محلية سواء فى البيئة أو المحليات بحجة ان تكلفة تحويل المصرف تحتاج إلى أكثر من مليار جنيه. تناسوا ان الثعابين والحشرات والبعوض والرائحة الكريهة التى تهاجم الاهالى كل يوم! لكن حياة البشر لا تساوى شيئا عند اصحاب المصالح. الاغرب من ذلك ان الحكومة ترفض السير بجدية فى طريق حل المشكلة رغم رفع تقرير صادر عن كلية الزراعة بجامعة القاهرة عام 1986 يقول إن الثروة السمكية تموت بسبب التلوث اليومى لمياه النيل وأكدته تقارير مؤسسات حقوقية، أن نسبة الاصابة بالامراض المتوطنة والكبد والاوبئة وصلت إلى أكثر من 60% من تعداد سكان القرى الواقعة على هذه المصارف. التى صدق المواطنون حين لقبوها بمصارف الموت! فهل من مجيب؟!.