«السوق العربية» تبحث أسباب ارتفاع أسعار الدواء
تحقيق- سميرة سالم
محيى حافظ: لا يوجد «زيادة غير مبررة» بأسعار الأدوية وتحريك الأسعار لم يقابل الدولار وأنصح بالمثيل المحلى
محمد الشيخ: الأزمة التى تهم الصيادلة عدم استطاعتهم ملاحقة ارتفاع أسعار الأدوية المتتابع
عادل عبدالمقصود: نحن بحاجة لمدققين فنيين فى حساب عناصر تكلفة الدواء بالكامل لإعادة أسعار الأدوية إلى مستواها الطبيعى
سمير صديق: اقتصار استيراد المواد الخام على الدولة فقط سيسهم فى خفض الأسعار بنسبة كبيرة
يستمر تطبيق زيادات أسعار الدواء مجموعة تلو الأخرى على فترات متلاحقة، الأمر الذى بات واضحًا فى ظل شكاوى المواطنين من غلاء أسعاره خاصة بعدما كان الدواء فى متناول الجميع، مما ترتب عليه تغير الثقافة الاستهلاكية للمرضى بما يمكن أن يؤثر على قدراتهم فى توفير الدواء وبالتالى يؤثر على صحتهم.
صرح دكتور محيى حافظ، رئيس شعبة صناعة الدواء وعضو مجلس الشيوخ، بأن لا يوجد ما يسمى بـ "زيادة غير مبررة" فى أسعار الدواء، موضحًا بأن منذ بدء التعويم نهاية عام 2016 حيث وصل الدولار إلى 20 جنيه ثم الزيادة الأخيرة التى وصل فيها الدولار إلى 31 جنيه، لم تتحرك أسعار الدواء فى مصر سوى ثلاث مرات، الزيادة الأولى كانت تحريك جماعى لكل المستحضرات فى أول تعويم، فيما تضمنت الزيادة الثانية نسبة 20% من المستحضرات حسب طلب كل شركة، ثم الزيادة الثالثة لما لا يتعدى حوالى 5% من عدد المستحضرات المتداولة خلال التعويم الأخير.
وأوضح رئيس شعبة صناعة الدواء بأن تحريك أسعار الدواء الذى حدث لم يقابل الدولار، فلم يتم تطبيق زيادة مماثلة لارتفاع الدولار بنسبة 100%، بل بنسبة أقل بكثير بما لا يزيد عن 20 إلى 30% عن سعر البيع للجمهور.
وأشار حافظ إلى أن تطبيق بعض الزيادات التى تمت بشكل فردى بسيط خلال الفترة السابقة كان سببها أن بعض المستحضرات كانت تعانى من مشكلة ارتفاع سعر الخامات عالميًا، وبالتالى كان القطاع بأكمله يعانى منها وليس شركة واحدة.
وقال بأن نظرًا لأن الدواء يمس حياة الناس ولأنه كان سعره منخفضًا، عندما زادت أسعاره استشعر الجميع ذلك، مشيرًا إلى أن الزيادات الملحوظة تم تطبيقها بالشركات الأجنبية لأنها قبل التعويم كانت أسعارها مرتفعة وعندما تحركت أسعارها أصبحت مرتفعة جدًا، فى ظل إصرار بعض الأطباء على كتابة بعض الأصناف باسم تجارى معين يجهد المريض لارتفاع سعره، بينما إذا تم استشاره الصيدلى عن أدوية مثيلة بنفس المادة الفعالة والتركيز وحاصلة على موافقة من هيئة الدواء المصرية وهيئة الرقابة الدوائية المصرية بأسعار أقل سيجدها.
وتابع بأن تمسك البعض بأسماء تجارية معينة جعل الناس تشعر بالزيادات التى أطلق عليها البعض أنها غير مبررة، مؤكدًا على وجود الأدوية المحلية المثيلة التى لم ترتفع أسعارها مشيرًا إلى أن تحرك أسعار بعض الأدوية المحلية لم يكن بشكل مماثل للأجنبى.
وبشأن "البونص" أوضح حافظ بأنه لا يُمنح للصيدليات بل يُمنح لشركات التوزيع وهو اداة من أدوات الدعاية لشركات الدواء التى تعطيه دواء بدلًا من الخصم النقدى، وبالتالى لا تنعكس على المريض، موضحًا بأن حصول الصيدلى على "بونص" أمر خاطئ لأن البضاعة ستتعرض عنده لانتهاء صلاحيتها ولن يستطيع بيعها، وانا اعتبر "البونص" سياسة بيعية فاشلة لا تؤدى سوى لمزيد من ركود الأدوية وتكدسها وارجاعها منتهية الصلاحية.
فيما يرى دكتور عادل عبدالمقصود، رئيس سابق شعبة الصيادلة بالقاهرة، بأن مجموعة كبيرة من الشركات للخروج من تحت طائلة مظلة هيئة الدواء المصرية وتسجيل منتجاتهم فى وقت قصير لدى هيئة الغذاء بهدف رئيسى أن يكونوا خارج التسعيرة.
وأشار إلى أن التسجيل لدى هيئة الدواء المصرية يستغرق فترة زمنية ويتم تجديده كل عدة سنوات، وهو ما تتهرب منه بعض الشركات إلى تصنع منتجاتها لدى مصانع أخرى، مشيرًا إلى أن ما يدل على أن تسعير بعض الأدوية مغالى فيه هو منح 120 علبة بدون قيمة "بونص" نظير شراء 100 علبة؟!، وهو ما يعنى أن تكلفة الدواء أقل من سعر بيعه.
وقال عبدالمقصود إن ارتفاع سعر الدولار بالطبع يؤثر على الأسعار وهو مالا نختلف حوله، ولكن ليس بالنسب الكبيرة التى تم تطبيقها بشكل لا يتناسب مع بعض الأدوية، مؤكدًا بأن نسبة المادة الفعالة للدواء والتى يتم استيرادها ليست كبيرة بل قد تصل إلى 5.% من المادة الحاملة.
وتابع: "نحن بحاجة لمدققين فنيين فى حساب عناصر تكلفة الدواء بالكامل، وذلك بعد الرجوع إلى المصادر الرئيسية لإمداد هذه الشركات بما تحتاجه سواء من خامات أو مواد مساعدة فى الإنتاج وحساب عنصر التكلفة يليها وضع العناصر الأخرى ما بين ربح المصنع والصيدلى والموزع، لإعادة أسعار الأدوية إلى مستواها الطبيعي".
وحذر من أن الارتفاعات الكبيرة فى أسعار الأدوية تهدر جزء كبير من رأس مال الصيدليات بما يؤدى فى النهاية لتقلصه ونتيجة لذلك يحدث نقص فى الأصناف الدوائية لعدم امكانية الصيدليات توفيرها، مضيفًا إلى أن تلك الارتفاعات يتبعها نقص فى عمليات الشراء؛ لعدم استطاعة بعض المرضى شراء الكمية المحددة من الدواء للقضاء على المرض.
ونوه "عبدالمقصود" إلى أن زيادة الأسعار فى بعض الأصناف المستوردة يؤدى لوجود مافيا لمحاولة الحصول على الدواء من الخارج أو تقليده فى مصانع "تحت بير السلم"، وهى ظاهرة فى منتهى الخطورة فى الشارع المصرى، ومنها ما يؤدى إلى الموت، مؤكدًا على ضرورة تغليظ عقوبة غش الدواء الذى يؤدى إلى الوفاة على اعتباره قتل عمد مع سبق الإصرار وتكون عقوبته الإعدام.
فيما ارجع دكتور سمير صديق، رئيس سابق شعبة الصيادلة بالغرفة التجارية بالإسكندرية، ارتفاع أسعار الأدوية إلى عدم تحكم الدولة وحدها فى عملية استيراد المواد الخام للدواء من مصادرها الاساسية، وبالتالى تستطيع الحصول على أسعار منخفضة لتلك المواد وخفض سعر الدواء، بخلاف الشركات التى تستوردها بأسعار مرتفعة.
ويرى صديق بأن الارتفاعات التى حدثت فى بعض أسعار الأدوية عشوائية وغير مبررة بالمرة، مشيرًا إلى أن بعضها ارتفع بنسبة 300%، مضيفًا بأنه اصبح يتم تجاهل كون الدواء سلعة استراتيجية خدمية للمواطنين مع مراعاة البعد الانسانى، بل يتم التعامل معه حاليًا باعتباره سلعة تجارية تهدف لأرباح خيالية.
وطالب صديق بضرورة بحث تسعير كل دواء على حدى، حسب متطلبات زيادته، مشيرًا إلى أن بعض الأدوية كانت بحاجة للزيادة وهو أمر نتفق عليه جميعا، بخلاف البعض الآخر الذى تم تطبيق زيادة دون حاجته إلى تلك الزيادة.
كما طالب صديق بضرورة تدخل الدولة لحل أزمة ارتفاع أسعار الدواء، عن طريق قصر استيراد المواد الخام عليها، وتفعيل الدور الرقابى على زيادة الأسعار، مشيرًا إلى أن فى حال تمكن الدولة من زمام الأمر ستنخفض أسعار الأدوية بنسبة كبيرة تصل إلى 50% من الأسعار الحالية.
وارجع ميزة تولى الدولة عملية استيراد المواد الخام إلى ضمان الحصول على مواد خام فى أنقى صورة من مصادرها، بدلًا من استيراد الشركات مواد مغشوشة أو بها شوائب تؤدى للوفاة من بعض دول شرق أسيا.
وأشار صديق إلى ضرورة تشغيل مصانع التغليف والورق والزجاج والبلاستيك المصرية وتشجيعها والاستفادة من فرق السعر بدلًا من استيرادها بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى تشغيل شركات القطاع العام فى حال انقطاع احدى شركات تصنيع الدواء عن العمل، مشيرًا إلى ضرورة إلزام أى شركة بعدم انقطاعها عن إنتاج الدواء إلا بعد إخطار الدولة قبلها بستة أشهر.
وقال صديق بأن من الآثار السلبية لارتفاع أسعار الدواء على المواطنين، قيام البعض من محدودى الدخل بشراء نصف ما يحتاجه المريض أو أقل، حسب ما يستطيع شرائه الأمر الذى يؤدى لتأخر علاجه.
واتفق صديق وعبدالمقصود على تراجع الدور الذى كان واضحًا للجنة تسعير الدواء، حيث يوجد ممثل بتلك اللجنة من كل الوزارات المعنية ويتم فحص كل زيادة يتم تطبيقها بدقة.
كما اتفقا على أن ارتفاع أسعار الدواء بالتزامن مع ارتفاع قيمة الكشف عند الأطباء يؤدى فى النهاية إلى تراجع صحة المواطنين وبالتالى تراجع الإنتاج، فالمريض الذى لا يستطيع توفير الدواء اللازم لعلاجه لا يستطيع العمل أو الإنتاج وبالتالى تراجع الناتج القومى.
وصرح دكتور محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة وعضو مجلس الشيوخ، إلى أن تغير سعر صرف العملة بالتأكيد سيحدث تعديل فى الأسعار، مشيرًا إلى أن المكملات الغذائية والمستحضرات التى يتم تسجيلها لدى هيئة الغذاء لا يوجد تسعيرة جبرية تحددها بل حسب رؤية كل شركة، ومن هنا يمكن أن يشعر المواطن أو الصيدلى بتغيرات كبيرة فى الأسعار.
وتابع بأن الأزمة التى تهم الصيادلة هى عدم استطاعتهم ملاحقة ارتفاع أسعار الأدوية المتتابع فى ظل سياسة التسعيرتين، مما يسبب لهم خسائر نتيجة حالة الإرباك التى يسببها ارتفاع سعر صنف واحد عدة مرات على فترات متقاربة.
وأشار إلى ضرورة تحديد أولوية للأدوية الأساسية التى يتم استيرادها فى ظل أزمة الدولار، مؤكدًا على أهمية توفير الدولار لها بخلاف المكملات الغذائية غير الاساسية والأدوية التى لها بدائل محلية.