كسرة عصى
في لهجتنا البحرينية يحلو للبعض أن يصف القرارات المتسرعة «بكسرة عصى»، فالمعروف أن العصى المفردة يسهل كسرها، ولذلك فإن الإجراءات أو القرارات المصيرية وغيرها عندما تؤخذ بشكل مفاجئ ودون تمهيد معقول ولازم فيوصف هذا بمثل سهولة كسر العصى، ولكننا قد لا ندرك تبعاتها، وربما من اتخذ مثل هذا القرارات لا يدرك تبعاتها أيضًا ومدى استعداد من يعنيهم الأمر لتقبل مثل هذه القرارات وتنفيذها.. تمر في حياتنا ظروف تستلزم أخذ الحيطة والحذر والانفتاح على المعنيين بالأمر والتمهيد لهم، والآن طبعًا وسائل التبليغ متعددة من وسائل الإعلام التقليدية، إذاعة وتليفزيون وصحافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة في أشكالها وصفاتها ومميزاتها..
فدائمًا الانفتاح والمكاشفة تجعل من الأمور التي تخدم المجتمع ككل أو الفرد سهلة وممكن تنفيذها بالتعاون الإيجابي الواعي المدرك للأمور من جميع جوانبها..
والناس في تعاملهم مع الإجراءات مختلفين بحكم الثقافة والعلم والإدراك والتجربة لكنهم في البدء والنهاية معنيون بتنفيذ ما صدر، وقديمًا قيل: «الناس أعداء ما جهلوا» فردود الأفعال بالتأكيد ستكون متباينة من فرد إلى آخر، ولذلك فإن الحري بنا أن نتيح المجال أكثر ليستعد الكل لاتباع التعليمات والإجراءات بيسر وسهولة وإحساس مشترك بالمسؤولية..
إن إتاحة الوقت الكافي لترتيب الناس أوضاعهم مسألة في غاية الأهمية فقد ورد في القرآن الكريم [مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا] سورة الإسراء الآية (15).
ولعلّ جائحة كورونا بكل سلبياتها وإيجابياتها تنهض دليلاً على ما يمكن أن يمر في حياتنا من ظروف نكون متيقظين لها وملمين بكل تفاصيلها لكي نأخذ استعدادنا اللازم، والحمد لله أنه بذلت في دولنا جهود لا يستهان بها، وأن كانت تبعات هذه الجائحة كانت صعبة علينا وقاسية، وربما يعيد المنظرون والعلماء في دول العالم دراسة انتشار كورونا «كوفيد-19» من أول انطلاقتها بمدينة ووهان الصينية إلى انتشارها كالنار في الهشيم إلى دول العالم قاطبة.
البعض اتخذ قرارات تأثيرها إيجابي، والبعض تعامل مع الجائحة بطول النفس والتريث حتى إذا ما استفحل الأمر بدأت إجراءات أشد تبرز في بلدان كانت تراهن على خدماتها العلاجية بلا مثيل لها وإذا بها تفاجئ بأن بلغ السيل الزبا، وبدأت تستنجد بالحلول التي قد تكون مفيدة وتلبي الطلب.
كان الأجداد والآباء يحذرون بأهمية الإستعداد لكل شيء قد نصادفه في حياتنا، فعلى سبيل المثال عندما يقترب الشتاء يتأكدون من سلامة منازلهم، وبفطرتهم كانوا حريصين على أن يكون عندهم البديل، وكيف يواجهون شدة الأمطار بل يجيرونها لصالحهم وصالح مزروعاتهم، كذلك كانت استعداداتهم للصيف وحرارة القيض عندما لم تكن لديهم أية وسيلة تكييف، ابتداء من تبريد الماء من خلال «الحب» أي «الزير» وما شابه إلى اللباس الصيفي «كالإيزار» إلى الانتقال إلى العرشان من جريد وخوص النخل التي يدخل منها الهواء من كل جانب إلى الحرص على زيارة برك السباحة العمومية التي وجدت أيامها بالطبيعة وكانت مشاعة للناس مع خصوصية الحرص على تلبية حاجات الرجال والنساء؛ فالحياة كانت لديهم مبنية على التعاون والتكاتف واحترام حاجة الناس للمعيشة بأمن وسلام.
نحن في زمن نحتاج فيه إلى التراحم ونقل تجاربنا إلى بعضنا بعضًا، ومهما تعقدت الحياة فإن الصبر والاحتمال وأخذ زمام الأمور بما يحفظ علينا أوطاننا من أوجب الواجبات التي علينا التمسك بها وتشجيع أبنائنا على المُضي قُدمًا لما فيه خير الأوطان والمواطنين...
علمتنا المدارس في كل مراحلها التعليمية أن نستعد للامتحانات الفصلية أو النهائية، بل إن بعض المدرسين جزاهم الله خيرًا يعطوننا نماذج من الأسئلة التي ربما ترد علينا وأن نجتهد في الإجابة عليها كبروفة للامتحان الحقيقي، وقد لمست ذلك أيضًا في المرحلة الجامعية عندما كان بعض الدكاترة يدربوننا على الإجابة الصحيحة والمثالية، فقد كانوا حريصين على أن يحقق تلاميذهم أعلى الدرجات ويتدربوا للمستقبل عندما يتقلدون وظائف قد تعتمد على إعداد التقارير الموثقة والعلمية، وكانت مدرستي في الأدب العربي بجامعة الكويت في السبعينيات الدكتورة وديعة طه النجم من العراق الشقيق جزاها الله خيرًا تعلمنا كيف نُعد التقارير العلمية الموثقة والمدروسة عند تحليل نص أدبي نثري أو شعري، وكذلك كان أستاذنا في التاريخ العربي الدكتور شاكر مصطفى (1921-1997م) الباحث والمؤرخ والمترجم والمؤلف السوري يرحمه الله، علمنا كيف نقرأ تاريخنا العربي في كل مراحله، وكيف نُعد التقارير التي لا تأخذ الأمور على عواهنها، وإنما الرؤية التحليلية المبنية على الوقائع ومقارنتها، فالتاريخ عنده كان ملهمًا والنظرة الإبداعية له تزيده بهاءً ورونقًا خصوصًا إذا كان التحليل مبني على الحيادية والموضوعية واكتشاف الأبعاد وربطها بما يحفظ للتاريخ مكانته، كون تاريخنا جزء أساسي في حياتنا المعاصرة.
لا زلنا نتعلم، وسنظل نتعلم من الحياة وممن لديهم الخبرة والعلم، وستظل حاجتنا إلى من يأخذ بأيدينا ويرشدنا إلى الصواب، ويجعل همه تبسيط الأمور لمن لا يستوعبها مع الحرص على الإتقان في العمل وتذليل العقبات، ومن المهم أن نضع المعنيين بالتنفيذ في الصورة حفاظًا على الإنجاز المتقن والسريع، فالخير إن شاء الله للجميع ونبتعد ما استطعنا عن إجراءات «كسر العصى»..
وعلى الخير والمحبة نلتقي..