بعد إقرار الدولة قانون الموازنة الجديدة للعام المالى 2014/2015: كيف يمكن السيطرة على عجز الموازنة ومواجهة ارتفاع الدين العام؟
تواجه مصر العديد من التحديات الاقتصادية التى تتطلب مواجهة حاسمة وقرارات سريعة الفترة القادمة لإعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى، وتحسين مستوى معيشة المواطن، وبعد إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للدولة الجديدة للعام المالى 2014/2015- التى بلغ حجم الإنفاق المالى فيها 807 مليارات جنيه إجمالى الإنفاق العام بزيادة 65 مليارا عن العام الحالى- رفض المشير عبدالفتاح السيسى التصديق عليها بسبب الارتفاع الكبير فى عجز الموازنة الذى بلغ نحو 240 مليار جنيه بما يعادل 10% من الناتج المحلى الإجمالى الذى سينعكس على زيادة الدين العام الداخلى والخارجى ليتجاوز 2 تريليون جنيه مصرى، وطلب من الحكومة إعادة مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة،لتنتهى المناقشة بقانون الموازنة الجديدة التى تتضمن جملة مصروفات بلغت نحو 789 مليار جنيه، وجملة إيرادات عامة بلغت نحو 549 مليار جنيه، وذلك مقابل عجز متوقع خلال العام المالى الجارى 2013/2014 يبلغ نحو 243 مليار جنيه، بما يعادل نحو 12% من الناتج المحلى، كما تتضمن الموازنة الجديدة تنفيذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المهمة التى تستهدف تنشيط الاقتصاد القومى ومواجهة مشكلاته الهيكلية ولكن يظل هناك العديد من التساؤلات التى تبحث عن إجابة، منها: كيف يمكن مواجهة تلك التحديات وخفض عجز الموازنة خاصة أن الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة دقيقة للغاية منذ يناير 2011 وهو ما يتطلب المكاشفة والمعالجة العميقة للمشاكل والتحديات التى تواجهه ومع الأخذ فى الاعتبار تحقيق الحماية اللازمة لمحدودى الدخل والفئات الأولى بالرعاية، وكيف يمكن مواجهة هذا العجز والسيطرة على الدين العام حتى لا يتفاقم أكثر من ذلك، وهل يمكن أن تساعد مبادرة المشير السيسى التى أطلقها لدعم اقتصاد مصر- والتى بدأها بالتبرع بنصف راتبه وممتلكاته لمصر- فى سد عجز الموازنة العامة للدولة وانتعاش الاقتصاد المصرى.
يجيب عن هذه التساؤلات خبراء الاقتصاد والمستثمرون.
فى البداية أكد الدكتور مختار الشريف خبير اقتصادى أن المشكلة تكمن فى تزايد العجز بشكل كبير جدا وتزايد الدين العام أيضا والذى يترجم فى صورة ارتفاع الأسعار فى الدولة، موضحا أن فوائد الدين العام تمثل ثلث الموازنة العامة بما يعنى أن الأجور والدعم وفوائد الدين العام تمثل حوالى 3/4 الموازنة والربع الأخير ينفق على الاستثمارات والصحة والتعليم وخلافه، حيث أكد الشريف أن الناحية الاقتصادية فى مصر صعبة جدا فآلاف المصانع متوقفة عن العمل، فضلا عن توقف منظومة العمل والإنتاج، وزيادة مشكلة البطالة، ما يمثل عبئا كبيرا على الموازنة والمجتمع ككل، لذلك فلا بد من مساعدة أنفسنا أولا قبل الاعتماد على مساعدة الدول الأخرى والمعونات باتخاذ إجراءات تقشفية الفترة القادمة، ونبدأ بالترشيد حتى نستطيع مواجهة العجز الكبير فى الموازنة الذى نحتاج أن نخفضه إلى 42,5 مليار جنيه وهذا لن يحدث إلا بترشيد الإنفاق ودفع الضرائب مع وجود عقلانية وإدراك لدى أفراد المجتمع بأهمية وخطورة المشكلة، وأشار الشريف إلى أن مبادرة الرئيس السيسى المتعلقة بصندوق دعم اقتصاد مصر فهى تعتبر خطوة جيدة لحل المشكلة، موضحا أن الأهم أيضا من التبرعات على سبيل المثال أن يهتم كل مواطن بتخفيض الكهرباء ولو لمدة ساعة يوميا حتى نساعد الدولة فى الخروج من هذا المأزق الاقتصادى.
وأشار سليمان محمود عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للمستثمرين إلى أهمية أن يكون هناك قرارات قوية وصحيحة، مؤكدا أهمية أن يصل الدعم لمستحقيه وأن يكون نقدىا، حيث إن الدعم يمثل أكثر من نصف ميزانية الدولة، فضلا عن أهمية تفعيل كل الطاقات الإنتاجية، وأن يتخصص كل مستثمر فى العمل المحدد له أفضل كثيرا من العمل فى أكثر من مجال الذى يحتاج للشركات القابضة الكبيرة لكنه يمثل صعوبة كبيرة للأفراد الذين يعملون منفردين، وأضاف سليمان أنه لا بد من التدريب المهنى الشباب على المهن المختلفة، والتدريب الصناعى من خلال المدارس الصناعية، وأن تكون هناك نقابات لهؤلاء الشباب ومنحهم رخصا بممارسة العمل، مشيرا أيضا إلى أهمية أن يكون هناك أفراد لديهم خبرة فى الإنفاق وتوزيع الميزانية على القطاعات المختلفة فى الدولة بالاتفاق فيما بينهم حتى لا تهدر أموال الدولة، بالإضافة إلى أنه لا بد أيضا من تغيير فكرة الفقر وأن يفتح البلد المجال للاستثمار وذلك بعد تدريب الأفراد، وفيما يتعلق بمبادرة الرئيس لدعم مصر فهى خطوة جيدة تعتمد على مشاركة المواطنين الذين يملكون الكثير من الأموال والآن جاء دورهم لمساعدة البلد فى عودة الإنتاج لأن الاعتماد على مساعدات الدول لن تكفى، وأوضح سليمان أن ميزانية الدولة لا تستطيع أن تتحمل الإنفاق على التعليم والصحة فعلى سبيل المثال هناك العديد من الأغنياء الذين يستطيعون المساهمة فى حل تلك المشكلات من خلال التبرع بقطعة أرض مثلا وآخر يتبرع ببناء مستشفى وآخر يتبرع بالأجهزة حتى يكون هناك نوع من المشاركة المجتمعية مع الدولة فى تحمل تلك الأعباء، كما أشار إلى أن هناك فرقا بين اقتراضنا لتقديم الدعم وبالتالى لا يوجد إنتاج فلا يمكن تسديد هذا الدين ما يؤدى لتفاقمه بشكل كبير، وبين اقتراضنا لاستثماره فى خدمات ومشروعات تحقق عائدا ماديا ما يساعد على سداد الدين. ومن ناحية أخرى أكد السفير جمال بيومى الأمين العم لاتحاد المستثمرين العرب أن هناك عدة طرق لحل مشكلة عجز الموازنة منها زيادة الضرائب وتخفيف الأعباء، لكن بشرط عدم المساس بمصالح محدودى الدخل، موضحا أن حكومة المهندس إبراهيم محلب فى دورته الأولى كانت مترددة فى اتخاذ أى قرارات تمس الأسعار، والآن العجز يتفاقم ولا بد من اتخاذ قرارات سريعة للحل ولا يمكن انتظار البرلمان لمناقشة ذلك، فلا بد أن يتنازل كل فرد عن جزء من راتبه وقد بدأ الرئيس بنفسه، وأضاف بيومى أن قرار الحكومة الخاص بتخفيض مخصصات وزارة الخارجية والتمثيل التجارى هو قرار غير حكيم وأحذر منه لما له من تأثير سلبى على حجم الاستثمارات، لذلك فهناك العديد من البدائل ولكن العبرة بالتغيير الشامل الذى لا يمس مصالح الطبقات أو رأس المال الذى نعتمد عليه فى إقامة مشروعات.
كما أكد الدكتور سامى أحمد غنيم، أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولى، أهمية مبادرة دعم اقتصاد مصر التى يجب أن يساهم فيها رجال الأعمال باستثمارات داخل مصر، فضلا عن أهمية التخطيط الضريبى، ومواجهة التلاعب بالقوانين، وفرض ضريبة على الدخل لجميع الأفراد والمقيمين داخل مصر المصريين والأجانب لأن هناك ثغرات فى القانون لا بد من مواجهتها وتغييرها، بالإضافة إلى أهمية أن تكون هناك قوانين حافزة للاستثمار، وتعديل قوانين عدم المساءلة وعدم تحصينها، وتخفيض النفقات الحكومية، وأشار غنيم إلى أهمية تفعيل الرقابة الإدارية، ومفتشى الجهاز المركزى فى هذه الفترة، بالإضافة إلى وجود قرارات مشجعة ومدروسة.
وأكد فؤاد شاكر، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، أن العجز فى الموازنة اقترب من 2 تريليون جنيه وهو ما يعنى أننا نحتاج ثلث الموازنة العامة لسد العجز، وأضاف شاكر أنه لا يوجد حل لتلك المشكلة سوى أن يكون هناك تخفيض جوهرى فى الدعم، مع عدم زيادة الأجور، موضحا أن الثلاث سنوات الماضية كانت سيئة جدا وكان فيها توقف عن العمل ما يتطلب أن يكون حجم الإنفاق الفترة القادمة على الاستثمارات خاصة التى تتعلق بمشروعات البنية التحتية، كما أن الموازنة اشتملت على 100 مليار جنيه مخصصة للأجور والمرتبات نتيجة للمطالب الفئوية ما أدى لتضاعف المرتبات بنسبة 100% والتى لم تقابلها زيادة فى الإنتاج فى الوقت الذى زادت فيه التزامات الحكومة، لذلك فلا بد من عودة العمل والإنتاج، وأشار شاكر إلى أن رجال الأعمال أيضا ليس أمامهم الآن سوى الاستثمار، وأوضح أنه إذا تم ضغط الإنفاق فالمشكلة ستتفاقم، ولكن يمكن زيادة الإنفاق مع تغيير مكوناته فبدلا من أن ننفق على دعم الأجور مثلا نوجهه للاستثمار. وعلى الجانب الآخر أكد الدكتور محسن الخضيرى خبير مصرفى أن الرئيس السيسى برفضه التصديق على تلك الموازنة الجديدة أثبت أنه رجل اقتصادى يعى ويدرك حقائق الاقتصاد المصرى، حيث بدأ بعمليات إعادة النظر فى الموازنة العامة للدولة فمن أعدها اعتقد أنها مؤقتة؛ لكن لأنها غير توازنية فأعادها الرئيس لمجلس الوزراء لإعادة النظر فيها بشكل كامل، وأوضح الخضيرى أن الدعم المقدم للأغنياء مازال يغلب على الموازنة، كما أنها تعتبر مشروعا مالىا قادما يتم تنفيذه عبر خطة زمنية محددة، لافتا إلى أن هذه الموازنة لا تعبر عن إستراتيجية تنموية واضحة المعالم، لذلك آن الأوان لأن تعود الدولة لمشروعات التنمية خاصة مع توافر جميع الموارد ولا داعى لهذا الإرهاق الضريبى القادم، حيث أوضح الخضيرى أنه يمكن عمل موازنة أفضل دون الحاجة لموارد مالية جديدة وسد العجز فى الموازنة، فعلى سبيل المثال الموازنة العامة تشتمل على موردين ضخمين يتمثلان فى معالجة الفاقد الاقتصادى حيث إن الطاقة الإنتاجية الكلية للاقتصاد المصرى يعمل فقط بـ20% أما الـ80% فهم عاطلون وطاقات مهدرة وفاقدة، ويمكن معالجة هذا الفاقد وزيادة الناتج القومى الإجمالى 5 أضعاف بشكل كامل باستغلال الفاقد الاقتصادى، والمورد الثانى يتعلق بمعالجة الفساد الاقتصادى، وبالتالى فإن معالجة هذا الفساد تساعد على التطوير الاقتصادى وتحسينه، وأشار الخضيرى إلى أهمية أن يكون هناك وعى إدراكى شامل بأهمية وجود إستراتيجية تنموية طموحة عملاقة ويتم اعتماد المشروعات التنموية المحركة لتوازنات النمو خاصة مشروع سد بنى سويف الذى يمكن أن يوفر طاقة كهربائية 40 ضعف طاقة السد العالى، مشيرا إلى أن مصر قوية بذاتها وبعلاقاتها التنموية بالقارة الإفريقية، فضلا عن أن هناك جهودا قوية لتفعيل دور الاقتصاد المصرى حيث إن مصر تمتلك جميع عوامل الإنتاج المتمثلة فى: الإنتاج، والأيدى العاملة المتمثلة فى 20 مليون عاطل، ورأس المال، والإدارة، والتى لا بد من استغلالها فى كل المشاريع التنموية، فالسكان فى مصر يتمركزون على 4% من مساحة مصر رغم وجود الموارد والإمكانات الضخمة التى لا بد من تفعيلها مع توقف المطالب الفئوية.
كما أشار عمر الشنيطى خبير اقتصادى إلى أن الارتفاع الكبير فى هذا العجز يتطلب لمواجهته العمل على أحد الجانبين: إما الإيرادات أو التكاليف، مؤكدا أنه لا توجد أمامنا اختيارات أخرى، وأوضح الشنيطى أنه من ناحية التكاليف فالنفقات مرتفعة بشكل كبير، وكذلك مرتبات العاملين فى الدولة مرتفعة جدا.