السوق العربية المشتركة | بعد إقرار مشروع قانون الموازنة الجديد للعام المالى 2014-2015: هل يمكن استعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى؟

السوق العربية المشتركة

الإثنين 18 نوفمبر 2024 - 18:47
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

بعد إقرار مشروع قانون الموازنة الجديد للعام المالى 2014-2015: هل يمكن استعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى؟

فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا

شهدت الفترة الماضية مشكلات اقتصادية كبيرة تأتى فى مقدمتها مشكلة زيادة العجز فى الموازنة العامة للدولة وارتفاع الدين العام، فضلا عن مشكلات التضخم وانخفاض معدلات النمو الاقتصادى، وارتفاع معدلات نسبة الفقر والبطالة، كل هذه المشكلات كانت سببا فى أن تغير الحكومة من سياستها وخطتها الهيكلية فى مشروع قانون الموازنة العامة للدولة الجديدة والتى تتعلق بالعام المالى الجديد 2014-2015، حيث يبلغ حجم الإنفاق المالى 807 مليارات جنيه إجمالى الإنفاق العام بزيادة 65 مليارا عن العام الحالى، ما يمثل خطوة أولى لمواجهة اختلالات الاقتصاد والاستجابة لمطالب المجتمع فى تحسين الخدمات العامة، بالإضافة إلى تحقيق الانضباط المالى بما يحقق استقرار اقتصادى على المدى المتوسط وبما يسمح بتوفير موارد للإنفاق على الخدمات العامة التى تؤدى إلى تحسين معيشة المواطنين،فالموازنة الجديدة تبدأ بمواجهة عدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية مثل توفير موارد أكبر لتطوير المدارس والمستشفيات، ورفع كفاءة استغلال موارد الطاقة، كما أنها تشمل على إصلاحات بقوانين الضرائب و دعم الطاقة تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، بالإضافة إلى أن الموازنة الجديدة تستهدف 33% نموا فى مساهمة الخزانة العامة فى صناديق التأمينات والمعاشات، فضلا عن 11% زيادة فى دعم سلع بطاقات التموين، و9.5 مليار جنيه لمشروعات الإسكان الاجتماعى، و12 مليار جنيه لمعاش الضمان بزيادة 266% لاستيعاب مضاعفة أعداد المستفيدين إلى 3 ملايين أسرة، بالإضافة إلى استمرار برامج دعم المرأة المعيلة و إنشاء ألف مدرسة و إعادة الحياة إلى النقل النهرى و ميكنة مكاتب الشهر العقارى بالمشاركة مع القطاع الخاص، فضلا أيضا عن تخصيص 1.5 مليار جنيه كمرحلة أولى لتطوير وتنمية 1153 قرية من الأكثر فقرا بمصر و24 منطقة عشوائية، و35 مليار جنيه لدعم الكهرباء، و1,9 مليار جنيه للإسراع فى توصيل الغاز للمنازل، كل هذه المخصصات المالية التى تضمنتها الموازنة العامة الجديدة تستهدف فى النهاية الحد من الدين العام من خلال الحد من عجز الموازنة العامة الكلية لينخفض إلى نحو 288 مليار جنيه أو ما يعادل 12% من الناتج المحلى الإجمالى بدلا من 342,3 مليار جنيه أو ما يعادل 14%، وأدى ذلك لوجود العديد من التساؤلات المتعلقة بإمكانية تنفيذ ذلك على أرض الواقع، وهل يمكن أن تواجه كل المشكلات الاقتصادية التى شهدتها البلاد الفترة الماضية والتى كان لها تأثير واضح اقتصادى على مستوى القطاعات المختلفة ومختلف الفئات، وهل تستطيع الموازنة الجديدة تغيير مسار حركة التنمية الاقتصادية وتدفعها للأمام وتحدث مزيد من الإصلاحات فى كافة الأنشطة والقطاعات وتنجح فى استعادة الثقة فى الاقتصاد المصرى مرة أخرى والوصول به إلى بر الأمان.



يجيب عن هذه التساؤلات خبراء الاقتصاد والمستثمرون.

بداية أكد فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا أن الثلاث سنوات الماضية شهدت توقفا عن العمل ما يتطلب أن يكون الإنفاق الفترة القادمة على الاستثمارات خاصة التى تتعلق بمشروعات البنية التحتية، وأضاف أن الموازنة الجديدة يجب أن تهتم بالاستثمارات أكثر من الإنفاق على الدعم لأن الهدف هو خفض الدعم فالفترة القادمة لا يمكن مثلا أن تشهد زيادة فى الأجور، وأوضح شاكر أنه إذا تم ضغط الإنفاق فالمشكلة ستتفاقم؛ لكن يمكن زيادة الإنفاق مع تغيير مكوناته فبدلا من أن ننفق على دعم الأجور مثلا نوجهه للاستثمار، وأشار أيضا إلى أنه لا شك أن نجاح مرحلة الانتخابات الرئاسية سيكون لها تأثيرها الواضح على استقرار الأوضاع السياسية الفترة القادمة والتى ستشهد مزيدا من الاستقرار بعد الانتخابات البرلمانية والتى ستنعكس بطبيعتها على تحقيق الأهداف المرجوة اقتصاديا.

واتفق معه فى الرأى عمر الشنيطى خبير اقتصادى حيث أكد أن المشكلات الاقتصادية الموجودة فى مصر متراكمة وهيكلية، لذلك فليس من المنطقى أن يكون هناك حلول فورية لتلك المشكلات، وأضاف الشنيطى أن العجز فى الموازنة كان مرتفعا لدرجة كبيرة والخيارات المتاحة محدودة جدا، موضحا أن هذا الارتفاع فى عجز الموازنة فى ظل الواقع السياسى والمشكلات الهيكلية يجعل تصورى عن الموازنة الجديدة أنها تتسم بالجرأة وتحتوى على مزيد من التغيرات، حيث إن موازنة العام المالى الجديد تستهدف خفض الدعم وزيادة الإنفاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى توفير مخصصات للدعم النقدى وكلها تعتبر قرارات جريئة خاصة التى تتعلق بإلغاء الدعم من الغير مستحقين لإعطائه لمستحقيه، لذلك فهذا التصور الجديد جيد ويتناسب مع الوضع القائم، وأوضح الشنيطى أن هذا لا يمنع من وجود بعض السلبيات التى قد تواجه تطبيق ذلك على أرض الواقع وعلى سبيل المثال ارتفاع التضخم نتيجة لارتفاع الأسعار التى قد تنتج نتيجة تقليل بعض أشكال الدعم، فضلا عن حجم الاستثمارات ليست كبيرة بالدرجة التى تمكنها من تحريك السوق المصرى، وهى نتيجة متوقعة تتمثل فى استمرار الركود التضخمى واستمرار عجز الموازنة، مبررا أن تلك المشكلات متراكمة منذ ثلاثين عاما والثلاث سنوات الماضية كان لهم تأثير كبير على الوضع الاقتصادى، كما أشار إلى أنه فى المجمل طبقا للموازنة الجديدة فالحكومة تحاول الحد من ارتفاع عجز الموازنة حتى لا يتعدى 300 مليار جنيه، بالإضافة إلى إعادة هيكلة المصروفات ليكون حجم الإنفاق على الجوانب الاجتماعية أكثر، كما أشار إلى أهمية تبنى نمو موجه ليؤدى لنمو مستديم ومتوائم مع السياسة التقشفية من خلال توجيه الاستثمار الأجنبى للقطاعات ذات القيمة المضافة والبعد عن الاستثمار العقارى والتجارة فى الأراضى التى لا تضيف قيمة كبيرة للاقتصاد، وإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال من أجل الحفاظ على فرص العمل وتوفير المزيد منها وكذلك ضبط الأسعار فى الأسواق، بالإضافة إلى ربط الدعم المقدم للأسر باستكمال أولادهم للتعليم أو المتابعة الصحية لضمان حصولهم على الفرص المناسبة للنمو والترقى فى المجتمع، وأضاف أيضا أنه من ناحية على توزيع الدخل، فإن توسيع القاعدة الضريبية واستخدام الضرائب كأداة لتوجيه النشاط الاقتصادى من استهلاك واستثمار وليس فقط كمصدر للإيرادات الحكومية تعد من الأهداف الرئيسية التى يجب تبنيها فى هذا الصدد.

وأكد فخرى الفقى خبير اقتصادى أن الموازنة العامة الجديدة تشتمل على 62 مليار جنيه لتمويل الاستثمارات العامة وهو مبلغ أقل من استثمارات هذا العام، وأضاف انه لا بد أن يكون هناك حزمة تحفيزية أخرى تعتمد على تمويل من الدول العربية الإمارات والبحرين والكويت موضحا أنه من المتوقع أن يكون هناك استثمارات أخرى من تلك الدولة سيتم الإعلان عنها الفترة القادمة بعد تولى المشير عبدالفتاح السيسى منصب الرئيس رسميا، وأضاف أن الحكومة من المفترض أن تقوم باستثمار 340 مليار جنيه مصرى تتحمل الحكومة 120 مليار جنيه والقطاع الخاص 220 مليار جنيه، وأشار إلى أن الحكومة يمكن أن تحقق ذلك ولكن القطاع الخاص يتوقف مشاركته على استقرار الأوضاع الأمنية خاصة بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتى ستساعد على تنفيذ العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين وإعادة النشاط للقطاع الاقتصادى مرة أخرى.

واتفق معه أيضا السفير جمال بيومى الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب حيث أكد أن وجود 62 مليار جنيه للاستثمارات العامة ما يؤكد أن تلك الحكومة واعية وتحسن التصرف، وأضاف بيومى أن هذا لا يمنع وجود بعض القلق من تعامل الحكومة تجاه هذا العجز خاصة فى ظل مقاومة السوق لتغطية هذا العجز، موضحا أن الحكومة فى تلك الحالة قد تضطر لفرض الضرائب وقد تبالغ فيها مما يمثل ضغطا على المستثمر، وأوضح أن وجود استثمارات تتعلق بالبنية الأساسية هو شىء مهم لأنها ستخلق مزيدا من فرص العمل.

ومن ناحية أخرى أكد الدكتور مختار الشريف خبير اقتصادى أن الموازنة العامة تعتبر مؤشرا من مؤشرات الاقتصاد القومى، كما تدل على أن الاقتصاد المصرى فى أزمة موضحا أن ذلك يرجع إلى زيادة العجز فى الموازنة والذى قد يصل مع بداية السنة المالية إلى أكثر من 300 مليار جنيه، حتى إن كانت الوازنة الجديدة تستهدف أن يصل عجز الموازنة إلى 280 مليار جنيه فهذا يعتبر بداية لزيادة العجز، فالمشكلة تكمن فى حجم الإيرادات والنفقات التى تقابلها إمكانيات محدودة لدى الحكومة تمثل حائلا أمام حلها، وأضاف الشريف أن مشكلة الدعم والأجور والدين العام من المشكلات التى لم يتم حلها حتى الآن بل على العكس فهى مستمرة فى التزايد، وأشار إلى أن مشروع قانون تلك الموازنة فى رأيه لا تعتبر موازنة عامة مثل الموازنة الحالية مبررا ذلك بأن هناك العديد من المشكلات التى يجب حلها أولا، فضلا عن عودة الأمن والاستقرار وعودة الاستثمار وفتح المصانع المغلقة، فتلك الموازنة تتسم بأن أرقامها متوازنة لكن مشاكلها الداخلية كثيرة، وأوضح الشريف أنه لا بد من عودة العمل والإنتاج الفترة القادمة لتنشيط القطاع الاقتصادى مرة أخرى.

واتفق معه فى الرأى الدكتور محسن الخضيرى خبير مصرفى حيث أكد أن تلك الموازنة ما هى إلا مشروع لعدم الإنفاق، موضحا أننا فى حاجة لوزير اقتصادى يعى ويدرك حقائق الاقتصاد المصرى ويستطيع أن يتفاعل مع هذه الحقائق خاصة أن هناك الكثير الذى يمكن عمله فى هذا الإطار ومن أهم ذلك تفعيل الموارد المتعطلة فعلى سبيل المثال هناك ما يزيد على خمس أضعاف الناتج القومى الإجمالى الذى يمكن إنتاجه، وأضاف أن هذا يعنى أن هناك طاقات فاقدة فى الاقتصاد القومى تصل إلى 80% من هذا الاقتصاد، بالإضافة إلى القضاء على الفساد الذى يصل عائده السنوى إلى 20 تريليون جنيه مصرى وكلاهما يستطيع تمويل جميع الاستثمارات التى يمكن تفعيلها فى هذا الإطار، وفى تلك الموازنة أوضح الخضيرى أنها لم تتضمن استثمارات تتعلق بإضافة مشروعات لتشغيل الأيدى العاملة، لذلك فتلك الموازنة تحتاج لمزيد من الفكر وليس البحث عن أى مصدر آخر نضع عليه أعباء ضريبية إضافية مرهقة على المستثمرين، مؤكدا أهمية إيجاد بدائل ارتكازية لعودة الدولة مستثمرة فى مشروعاتها على مستوى القطاع العام والخاص والتعاونى باعتبارها فاعلا مؤثرا يجب الاهتمام بها.