نحن والبحر والصيف
البحر مصدر رزق الأجداد والآباء أيام الغوص على محار اللؤلؤ، وصيد السمك وحبانا الله سبحانه وتعالى بالبحر يحيط مدننا وقرآنا، فتعلق الجميع بالبحر ومن لا يكون قريبًا منه يحرص على أن لا يكون بعيدًا عنه في سكناه. من البحر أهلنا في البحرين تعلموا الصبر، وتعلموا أن يتعاونوا مع بعضهم بعضًا في تقاسم خيراته، وفطنوا إلى تقلب مزاجه صيفًا وشتاء فتعاملوا معه بخبرة وتجربة وعلم أهل البحر، وعرفوا كيف يجارونه في غضبه وحلمه، كانت عندهم مع البحر حكايات محزنة ومفرحة ودروس وعبر منها تعلموا السماحة والرضا، وعرفوا كيف يعاملون جيرانهم وضيوفهم ويمدوا لهم يد العون والمساعدة إن احتاجوا إليها، المرافئ على شواطئهم لم تكن حكرًا عليهم، فقد يحتاج الآخرون إلى المساعدة، فكانت أخلاق البحارة تحتم عليهم أن يكونوا نعم النصير والمؤازر ومن يقدم للآخرين المساعدة إن طلبوها، كونوا صداقات ومعارف، وتبادلوا المنافع والسلع، كما فتحوا أبواب الرزق للآخرين لمشاركتهم في رحلات الغوص على اللؤلؤ وتجارة القطاعة، فطلبوا الرزق الحلال أينما يكون. كان البحر مدرسة لأجيال أتت بعد هؤلاء الرواد وتعلموا من خلاله السباحة وصيد السمك وطلب الرزق مما يفيض به البحر من خيرات على السواحل والشواطئ شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا، البعض اتخذ من البحر مهنة وحرفه دائمة، والبعض اتخذ منه هواية وقضاء وقت بما يفيد، كان البحر ولا يزال وسيلة للتواصل بين البشر ونقل البضائع والأمتعة وإن تغيرت الوسائل وتطورت، فالنقل البحري هو الأرخص وإن تغيرت تكلفته بناء على ظروف اقتصادية أو سياسية أو طبيعية، وتطورت الموانئ وخدماتها ومملكة البحرين والحمد لله بوعي قيادتها الرشيدة حرصت على هذا التطوير الدائم لموانئها وتقديم كافة التسهيلات والخدمات البحرية لأبنائها ولمن يطلبون الخدمة المتطورة والمأمونة من دول العالم المختلفة. كان الصيف بالنسبة لنا نحن الصبية فرصة لأن نمارس هواياتنا بعد أشهر الدراسة في البحر سباحة وصيدًا للسمك ومساعدة أسرنا التي امتهنت حرف البحر وتقديم يد العون لهم، فقد أدركوا بخبرتهم وتجربتهم أن البحر يعلم الناس الكثير... في الصيف ولحرارة درجة البحر بعض الأسماك تلجأ إلى البحر العميق حيث حرارة البحر أقل ولذا فيضطر الصيادون إلى الإبحار إلى أعماق أكثر، أما نحن الصبية فقد اتخذنا وسيلة بدائية اسميناها «الزراقة» وهي عبارة عن آنية المشخال تغطى بالقماش مع فتحة وتطلى ويوضع بداخلها الطحين وهي صالحة للأسماك الصغيرة «كالميد» وغيره، لأن هذه الأسماك مع حرارة البحر تبقى موجودة بالقرب من السواحل بخلاف الأسماك الأخرى، فكانت هواية تعارف عليها الصبية وتعودهم على صيد الأسماك منذ الصغر.. كان الناس قديمًا في بلادي يستخدمون «الصبان» وهو عبارة عن قواقع صغيرة تقذف بها الأمواج إلى الشواطئ والسواحل، فيتم تنظيفها ووضعها في حوش البيت أيام كانت الحيشان من التراب فيكون الصبان حاميًا للحوش ومنظره جميلاً خاصة بعد نزول المطر وكانت الأسرة تتعاون في جلب الصبان إلى البيوت. البحر بما كان يحمله من صعاب ومشقة إلا أنه أيضًا كان مصدرًا للخير والسعادة، فسنة الطبعة لازالت عالقة في أذهان الناس في البحرين والتي يعود تاريخها إلى 1343هـ 1923م، وفقدت فيها أرواح من رجال البحر وهي إرادة إلهية ولا راد لقضاء الله وقدره، مثواهم الجنة ورضوان النعيم. يصف الشعراء الإنسان الكريم الجواد بأنه كالبحر في عطائه، وهذا ليس بغريب فالبحارة عندما يكون الصيد وفيرًا كانوا يقولون: «جاد البحر علينا بعطائه»... كانت السواحل مكانًا يجد فيه الناس حاجتهم من الأخشاب التي تقذف بها الأمواج فتعددت استخداماتها... البحر منظره يشرح النفس والخاطر ومد البحر وجزره فيه الكثير من المعاني والعبر. يعرف الناس في بلادي قيمة البحر ولا عجب إذا ما وجدناهم في إجازاتهم يلجأون إلى السواحل ويمتعون أنظارهم بالبحر وأمواجه اضطرتنا ظروف جائحة كورونا كوفيد 19 بالحذر من الاقتراب من السواحل كمجموعات، ولكن الله سبحانه وتعالى بقدرته ومشيئته ستزول الغمة، ونعود إلى أماكننا المفضلة عند البحرينيين جميعًا السواحل والنظر بتمعن إلى البحر وبما فيه من عبر ومثل وقيم، فسيظل البحر معطاء بين مد وجزر. وعلى الخير والمحبة نلتقي،،،