الدين العام تعدى حدوده الآمنة ويبحث عن وسيلة إنقاذ
وتستمر أزمة تفاقم الدين العام الذى بلغ 1880.3 مليار جنيه نهاية ديسمبر الماضى مقابل 1578.4 مليار جنيه فى نفس الشهر من العام السابق، حيث ارتفع الدين الداخلى إلى 1546 مليار جنيه مقابل 1294 مليار جنيه نهاية ديسمبر 2013 نتيجة زيادة إصدار أذون الخزانة بقيمة 433 مليار جنيه إلى 512،5 مليار جنيه ولا شك أن استمرار الحكومة فى طرح أذون الخزانة وسندات الخزانة يمثل عائقا أمام حل مشكلة الدين العام على المستوى الداخلى، فضلا عن إصدار سند جديد لصندوق المعاشات بقيمة 14.2 مليار جنيه، بالإضافة إلى ارتفاع الدين الخارجى إلى 45.8 مليار دولار نهاية ديسمبر 2013 مقارنة مع 38.8 مليار دولار ديسمبر 2012، فضلا أيضا عن ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع معدلات النموالاقتصادى، واستمرار عجز الموازنة ما كان له الأثر السلبى على الوضع الاقتصادى عامة، مما يجعلنا نطرح المزيد من الأسئلة حول أسباب ارتفاع الدين العام باستمرار، وكيف يمكن مواجهة مشكلة ارتفاع معدلات التضخم، وماذا ستفعل الحكومة القادمة أمام هذه المشكلات هل ستستمر فى طرح مزيد من الأذونات والسندات فى محاولة منها لسد احتياجات الدولة فى النواحى المادية أم أنها ستلجأ لحلول واقعية يمكن بها التغلب على تفاقم الدين العام وغيره من المشكلات الاقتصادية التى تقف عائقا أمام حركة الاقتصاد المصرى؟
يجيب عن هذه التساؤلات خبراء الاقتصاد ويطرحون مزيدا من الحلول التى يمكن اللجوء إليها لمواجهة هذه الأزمات.
فى البداية أكد دكتور حسن الحيوان أستاذ التجارة بجامعة حلوان أن الدين العام قد تخطى حدوده الآمنة بالفعل حيث وصل الدين الخارجى إلى 45 مليون جنيه، بينما تعدى الدين الداخلى التريليون، وهذا يؤكد أن ما تقوم به بعض الفئات من اعتصامات وإضرابات ومطالب فئوية مثل عمال شركات الغزل والنسيج وعمال مصانع الحديد والصلب وإضرابات موظفى مكاتب البريد والشهر العقارى وغيرهم يضغط على الحومة ويدفعها للاقتراض من الداخل مما ينعكس على الدين العام وارتفاعه باستمرار، وأضاف أنه للخروج من هذه الأزمة ومواجهتها مستقبلا فلا بد من العمل والإنتاج وتسديد الضرائب وعقد مصالحات مع رجال الأعمال حتى يكون ذلك بمثابة رسالة اطمئنان للمواطنين من ناحية وللمستثمرين من ناحية أخرى وتشجيعهم على الاستثمار مما يكون له الأثر الإيجابى على الوضع الاقتصادى.
وأكد دكتور محسن الخضيرى خبير مصرفى أن تقرير وزارة المالية الذى تعلق بارتفاع الدين العام لشهر ديسمبر الماضى مقارنة له بنفس الشهر من العام السابق له، يحتاج إلى تحليل كل رقم من الأرقام المذكورة مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا التحليل قد يحتمل الخطأ، لذلك فلا شك أن لجوء الحكومة لطرح سندات وأذون خزانة فى الفترة الأخيرة بصورة كبيرة ما هوإلا وسيلة للسيطرة على حالة الغضب لدى المواطنين فى الشارع المصرى ومحاولة لحل الأوضاع القائمة التى تضغط بشدة على جميع الأطراف رغم انعكاس ذلك السلبى على تفاقم الدين العام، وأضاف الخضيرى أن الحكومة لا يجب أن تنظر للمشاكل نظرة المعالج الجرىء الذى اكتشف طريقة جديدة للعلاج، ويجب أن نبتعد عن الجهل والعشوائية والارتجالية فلا يمكن أن تتقدم مصر إلا من خلال العلم، وأوضح الخضيرى أن هناك حزمة ارتباطية كبيرة لا بد أن تقوم على برنامج استثمارى مناسب قائم على عمليات التمويل بدون نقود من خلال الصفقات المتكافئة وأشياء أخرى، لافتا إلى أنه يجب ألا تتجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة، ولكن يجب أن تستخدم كل ما هومتاح لديها أفضل استخدام ممكن، لذلك من الضرورى للخروج من هذه الأزمات الاقتصادية أن يكون هناك حلول ابتكارية وغير تقليدية فى الاقتصاد أوالرأسمالية المتوحشة لأنها ضارة جدا بالاقتصاد المصرى، وأن تقوم سياستنا على إيجاد المشروعات التى تحتاج إليها مصر بمعيار الوعى الإدراكى الشامل والتى بلغت بعد حصرها ما يزيد على 50 ألف مشروع، مع الاعتماد على المشروعات القومية التى تعالج الاختلالات القائمة مثل مشروع سد بنى سويف على سبيل المثال، والذى يقام فى بنى سويف حيث يعطى طاقة كهربائية تصل إلى 20 ضعف طاقة السد العالى والذى يمكن أن يحقق 7 تريليونات جنيه عائدا سنوىا أى أنه يمكن تحقيق فائض سنوى حوالى 1.4 تريليون فى الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى وجود قناة نهرية لمنخفض القطارة حيث تقام هناك محطات للكهرباء يمكن أيضا أن تعطى طاقة كهربائية تصل إلى 20 ضعف طاقة السد العالى أيضا، وأوضح الخضيرى أن مثل هذه المشاريع ستنعكس بما تحققه من عائد إنتاجى كبير على ميزان المدفوعات وتؤدى أيضا لانتعاش الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى أن تلك المشاريع لا تكلف الدولة شيئا لأنها تقوم على فكرة الصفقات المتكافئة، وأكد الخضيرى أيضا أهمية العمل والإنتاج حتى تنخفض معدلات التضخم وترتفع قيمة الجنيه المصرى، فالاقتصاد عبارة عن مجموعة حقائق لا بد أن يعيها أولا متخذ القرار، وأضاف أيضا أنه لا بد من تشغيل الأفراد من خلال مشروعات البنية الجديدة التى يمكن من خلالها توفير 50 مليون فرصة عمل أى يمكن من خلالها القضاء تماما على البطالة، فلا بد أن يكون هناك تعديل جوهرى وفورى يتم عن طريق تشغيل الـ20 مليون عاطل عن العمل مع أهمية عودة الاقتصاد بقواعده المثلى المتمثلة فى القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع التعاونى من أجل بناء الاقتصاد من جميع جوانبه والوصول لغد أفضل.
واتفق مع فى الرأى جمال بيومى الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب حيث أكد أنه لا شك أن الدين الداخلى زاد بشكل كبير نتيجة ما تتعرض له الحكومات من ضغوط من جانب مئات الآلاف من العمال وإضراباتهم المستمرة ومطالبهم الفئوية خاصة التى تتعلق بوجود حد أدنى وأقصى للأجور وكل ذلك دفع الحكومة للاقتراض وطرح أذونات وسندات خزانة من أجل الإيفاء بهذه الالتزامات، مما أدى إلى ارتفاع الدين العام، وأضاف بيومى أن استمرار العجز فى الموازنة يجعل الحكومة ليس لديها أى وسيلة للسداد سوى اللجوء للاقتراض من الداخل، أوالاقتراض من الخارج، أوطبع مزيد من الأموال وهذا سيؤدى لزيادة التضخم بشكل كبير، وأكد بيومى أنه لا سبيل لمواجهة تفاقم الدين العام إلا عن طريق عودة الإنتاج وزيادة الأجور وتوظيف الشباب وتوقف المطالب الفئوية والإضرابات وتسديد الضرائب وتقليل الفجوة بين الإيرادات والنفقات.
كما أكد فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا أن الفترة الحالية التى نشهدها لا أحد يفكر فى جوانب الاقتصاد عامة بقدر اهتمامه بتحقيق الأمن والاستقرار السياسى، بغض النظر عن الطريقة التى سيتم بها ذلك، حيث أكد أهمية استقرار القطاع الصناعى وتشغيل العمالة وتنشيط القطاع السياحى أولا، وأضاف شاكر أن تلك الفترة لا بد أن نمر منها مبررا أن ما يحدث الآن من إضرابات واعتصامات ومطالب فئوية ما هوإلا محاولات أغلبها مخطط له لإعاقة الحكومة فى تحقيق الاستقرار والوصول للهدف المطلوب، لذلك فالحكومة تلجأ لطرح سندات الخزانة وأذون الخزانة لحل مثل هذه المشكلات، بالإضافة إلى أنه لمواجهة هذه المشاكل فلا بد من توظيف الأفراد التى لا تعمل أولا، وأكد شاكر أيضا أن استقرار الأوضاع سنشهده بعد انتخابات مجلس النواب، فالحلول التى تتخذها الحكومة حاليا هى حلول جذرية من خلال الاقتراض الذى يؤدى لزيادة الدين العام لكن مع الفارق، حيث إن الحكومات الماضية كانت تقترض من أجل سداد الأجور أوالدعم أوالتزامات الدولة الأخرى التى لا تحقق عائدا، أما الآن فهى تقترض من اجل تشغيل المصانع أوللإنفاق على المشروعات التى توقفت مثل الخاصة بالطرق أوالمياه، وهذا يساعد على دوران عجلة الإنتاج وبالتالى يمكن أن تقل الواردات وتزيد الصادرات مرة أخرى، وهذا يوضح أن الاقتراض فى هذه الحالة لا يكون عبئا على الدين العام لأنه يأتى من ورائه عائد يمكن به تسديده وفائض أيضا، كما أكد أيضا أنه هناك فرق بين الاقتراض من أجل إعطاء العامل مكافآت مقابل فترة لم يعمل فيها من قبل ولم يحقق عائد ربح للدولة، وبين الاقتراض من أجل تسديد جزء من المرتبات المتأخرة من ناحية والاستفادة من الجزء الآخر لإعادة تشغيل الماكينات وعودة العمل والإنتاج.
وأشار شاكر إلى أن الاعتصامات من وجهة نظره تنقسم لثلاثة أنواع تتمثل فى إما اعتصامات مأجورة، أوأفراد تطالب بحقوقها بالفعل، أووقفات لإثبات الذات، وفى كل الأحوال فى تلك الفترة لا نطلب من الحكومة أكثر من ذلك لأنها حكومة واقعية وتسير على الطريق الصحيح وتعتمد على مواجهة المشاكل، أما الأفراد فلا بد أن يكون لديها وعى وإدراك جيد فى الفترة الحالية.