حديث في الشأن الاقتصادي
01:04 ص - الأربعاء 13 مارس 2019
قال: «مللت من الأسفار والترحال وأصبحت الطائرات بكل أنواعها لا تروق لي والانتظار في المطارات لساعات بات يأخذ من عمري الكثير، وتمنيت أن أستريح وأبقى في وطني آمناً، أزور أصدقائي وأصطحب أسرتي زوجتي وأولادي ونذهب للأماكن التي نرتاح لها، ولكن عيشتي أصبحت مرتبطة بهذه الأسفار، فأنا مكره أخاك لا بطل».
تذكرت ذلك الرجل العصامي من الدمام بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة رجل الأعمال الذي كوَّن ثروته بعرق جبينه، بدأ من الصفر، ولكن بجده واجتهاده وإيمانه بتحقيق ذاته وبناء مستقبله تحمل الكثير من أجل أن يعيش آمنًا على رزقه وقوت عياله، وأن يكون له اسمٌ في صفوف رجال الأعمال.
التقيته في صيف بيروت منتصف السبعينيات وعرَّفني عليه صديق رجل أعمال من البحرين، وتحدثا طويلاً عن سنوات كدهما وتعبهما وحمدًا الله على النعمة التي أسبغها عليهما الله جلَّت قدرته رحمهما الله وغفر لهما وأسكنهما الجنة.
ذكر الرجال أمثالهما فيها قصص وعبِر لمن يعتبر، فكم من الرجال ما كانوا يملكون قوت يومهم وإذا بهم بعد التوكل على الله يشقون طريقهم إلى الحياة بكل صعوبتها وبما تحمله من مشاق وتعب فيضعون بصمتهم على كثير من الأعمال التي سجلت باسمهم، تاريخنا الاقتصادي والتجاري في مملكة البحرين ناصع بهؤلاء الرجال الذين نفتخر بهم، ويفتخر بهم اقتصادنا الوطني.. شيم هؤلاء التواضع وشعورهم الإنساني بقيمة الوطن وما تحمله المواطنة من تبعات ومسؤوليات، أقاموا صروحًا تجارية واقتصادية وبالمقابل أقاموا مشاريع خيرية وفاءً وعرفانًا وإيمانًا بانتمائهم لمجتمعهم والناس الذين يعيشون بينهم، فجزاهم الله خيرًا هم وأبناءهم من بعدهم.
سألني أحد الأخوة العرب يومًا لماذا لا نرى اسم هؤلاء الرجال الذين عرفنا عنهم الكثير في بلدكم من أنهم تجار ورجال أعمال اشتهروا في وقت كانت التجارة في كثير من بلداننا العربية غير معروفة، لماذا لا نرى لهم مشاريع كبيرة في أهم بلداننا العربية الواعدة بالاستثمار؟! وهو سؤال مشروع وقد قيل على أكثر من لسان لرجال نعرفهم ورجال لا نعرفهم، بل إن البعض يصف رجال أعمالنا بعدم حبهم للمغامرة، والتجارة فيها مخاطرة أو ما يسمى باللغة الإنجليزية Risk بل ربما High Risk، وهذا ربما يعود إلى بداية كل إنسان بنى نفسه بالتعب والعرق والمعاناة، فمن الطبيعي أن يحسب كل خطواته ويتأكد من كل شيء قبل الإقدام عليه، ثم إن هؤلاء الرجال الذين يعيشون بيننا ويملكون تجارة رائجة هم ورثة رجال نذروا أنفسهم لتطوير تجارتهم والمحافظة عليها وبناء علاقات وثيقة قائمة على الثقة والصدق في المعاملة مع أشقائهم في دول الخليج العربي، والوطن العربي وأصدقائهم في الخارج، وكان هدفهم بناء الوطن واستقرار تجارته واقتصاده والثقة فيه، فلا غرو أن وجدنا غرفة للتجارة والصناعة عريقة في تاريخها ووجدنا أهم البنوك العالمية تفتح أبوابها منذ مطالع القرن الماضي وتؤسس للبنوك الوطنية والتي لازالت لها سمعتها ورسوخ أقدامها، ولذا فليس من المستغرب أن نرى أولاد وأحفاد هؤلاء الرجال يقتحمون المجال التجاري والاقتصادي بكل ثقة معتمدين على إرث حضاري تركه لهم أجدادهم وآباؤهم..
لا يعيب تجارنا ورجال أعمالنا أن يبنوا اقتصاد بلادهم وينشئوا المشاريع الاقتصادية والتجارية على أرض وطنهم ويتعاونون مع غيرهم في الاستثمار الوطني، فالاقتصاد عصب الحياة، والاقتصاد لا يعيش بمعزل عن التطور السياسي والاجتماعي والثقافي والحضاري بل هو رافد من روافد التنمية البشرية المستدامة.
علينا واجب تدريس تجارب تجارنا ورجال أعمالنا في المدارس والجامعات ومسؤوليات إلقاء الضوء على التجارب الناجحة في اقتصاد مملكة البحرين يعود إلى غرفة تجارة وصناعة البحرين ورئيس مجلس إدارتها الشاب الطموح رجل الأعمال السيد سمير عبد الله أحمد ناس، وأعضاء مجلس الإدارة والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، فالاقتصاد ليس شأنًا تجاريًا يعني به أصحاب الاقتصاد ولكنه شأن معني به المجتمع ككل...
ثم إن علينا واجب الأخذ بيد المبتدئين ممن يشقون بداية طريقهم لتنمية اقتصادنا ولذلك جاء الاهتمام العالمي بالمشاريع المتوسطة والصغير والمشاريع المتناهية الصغر والتي تحرص منظمة الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها تحقيقها خصوصاً في البلدان النامية.
يحق لنا نحن أبناء البحرين أن نفخر بالرجال الذين بنوا اقتصاد بلادنا وبذلوا الغالي والنفيس من أجل عزة الوطن ورخائه وازدهاره وأوجدوا، على مر السنين، لهم مكانًا خليجيًا وعربيًا واقليميًا ودوليًا، وأن نحيي جهود العاملين على تحقيق ذلك واستلام الراية ممن سبقهم، وتحمل مسؤولية البناء الاقتصادي والتجاري والسياسي والاجتماعي والثقافي، فنحن أصحاب حضارة لا تكتمل إلا بكل عناصرها ومفرداتها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي