السوق العربية المشتركة | الدنيا تغيرت وإلاحنا تغيرنا؟!

السوق العربية المشتركة

الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 13:17
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
الدنيا تغيرت وإلاحنا تغيرنا؟!

الدنيا تغيرت وإلاحنا تغيرنا؟!

 
لا تستغرب عندما تسمع في أحد مجالسنا بمملكة البحرين من أحد رواد المجلس من كبار السن وهو يقول في تأوه وحسرة «الدنيا تغيرت وإلاحنا تغيرنا؟!» سيدي العم يا من أطلقت هذه العبارة أنت محق في تساؤلك، وسيتبرع الكثير من رواد المجلس للإجابة عنك، ولن يختلف اثنان حول ذلك، أيها العم، نحن لسنا من جيلكم ولكننا سمعنا الكثير عن الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية التي مررتم بها وعايشتموها، وأصبحت بالنسبة لنا خيالاً خصبًا، وكنا في الوقت الذي نرأف لحالكم فقد شعرنا بالفخر والاعتزاز بما بذلتموه من جهود مضنية للتغلب على كل ما واجهكم في تلك الحياة الصعبة.
أيها العم دعني أحدثك عن تجربتي وأنا أصغر منك سنا وعشت في زمن يختلف عن زمانك، وإن تشابهت بعض الظروف أو اختلفت في المقدار أو الدرجة حديثي عن بداية العام 1972 عندما تخرجت من جامعة الكويت وعدت إلى الوطن بحثًا عن وظيفة ووفقني الله بعد صبر وبعد عدة وظائف مؤقتة للالتحاق بوزارة الإعلام ليبدأ مشوار الحياة بعد ذلك.
كان خريج الجامعة يعين في الوظائف الحكومية على الدرجة السابعة بمربوط 95 دينارًا شهريًا وبهذا الراتب ولله الحمد كنت أصرف على تنقلي اليومي بحافلة النقل العام والمشترك من بيتنا في قرية البديع إلى مقر وظيفتي بالمنامة وبهذا المبلغ أيضا بنيت لي غرفة في منزل الوالد يرحمه الله، واستطعت أن أشتري سيارة خاصة تويوتا بالأقساط من الحاج إبراهيم كانو وأن أتزوج من أم عيالي وأدفع لها مهرا مقداره ستمائة دينار فقط لا غير مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة»، واستطعت أيضًا أن أدرس بناتي في مدارس الحكومة بمختلف المراحل الدراسية وحالي هذا ينطبق على الكثير من أبناء جيلي ومن أولئك الذين كانوا يتقاضون أقل من راتبي..
القناعة والرضا والحمد لله كانت موجودة والمرء منا أقل انشغالاً بما نحن اليوم عليه فلا تخزين لمواد الغذاء، ولا ثلاجات تضيق بما فيها مع تعددها وتنوعها في كل بيت والخبز يؤكل طازجًا من الخباز والكهرباء تكفينا للإضاءة في الليل، والهواتف الثابتة نبحث عنها في الفريج للضرورة.
ومن طرائف الهواتف أنه في يوم من الأيام طرق بابنا في البديع أحد الشرطة وكان صديقا لوالدي وطلبني فأوجست في نفسي خيفة، وقلت له: «خير فقال: هون عليك، أنت مطلوب على التليفون من دولة الكويت، والمكالمة جاءت إلى مركز الشرطة»، فذهبت مسرعًا خصوصًا وأن المسافة بين بيت الوالد ومركز الشرطة قريبة جدًا وإذا بخالي حسن يرحمه الله على الخط من الكويت ويخبرني بمجيئه هو والأولاد إلينا لزيارتنا، فشكرت رجال الأمن والشرطة على صنيعهم وشعرت فعلاً «إن الشرطة في خدمة الشعب».
كان التكافل موجودًا، وكانت مواد الغذاء تؤخذ بالسلف من الباعة الذين ترسخت الثقة بينهم وبين المشترين، حتى عندما بنى الوالد بيتنا في البديع كان يأخذ مواد البناء من سوق المحرق وتحديدًا من دكان حسين الشوملي بالسلف.
وتيرة الحياة عندنا وتدبير المعيشة كان مرتبطا بأشهر السنة، خصوصًا في الصيف والشتاء فلهذين الفصلين التميز في حياة معظم العائلات البحرينية باختلاف الظروف والمهن والحرف، والبيئة الزراعية والبيئة البحرية وتتكاتف هذه البيئات في تسيير أمور الحياة بين بني البشر في الأرض الواحدة والآمال والأهداف المتوخاة في العيش المشترك والوئام والانسجام وحاجة الجار إلى جاره والأخ لأخيه، والصديق لصديقه، وهذا الشعور ولله الحمد لازال يعيش بيننا، وإن اختلفت درجاته مع تطور الحياة وتعقدها.
 في مصادفة جمعتني مع صديق دراسة إعدادية وثانوية، وفرقت بيننا الحياة ورغبة في فتح موضوع معه قلت له يقال في فصول السنة وطوالع النجوم: «إنه إذا جاء سهيل بالشمال فالجو يكون لطيفا أما إذا جاء سهيل غربي «كوس» فابشر بالرطوبة فقال لي في جواب حاسم: يا صديقي لم نعد نعبأ بذلك فقد شغلتنا أمور البورصة والأسهم وانخفاض العملة وسعر الذهب»!! فهو لا يلام لأن وظيفته التي امتهنها حتمت عليه هذا الاهتمام، أما أنا وغيري من أمثالي وشاكلتي فهي أمور نسمع عنها ونتابعها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لكنها لا تشغل كل بالنا والمرء يحار في ذلك بين من يرى حتمية وأهمية هذا الاهتمام ومن يرى خلاف ذلك.. وقديما قال الشاعر
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال
بطبيعة الأمور لا يمكننا تجاهل كل ذلك، فالمرء طالما هو يعيش بكل جوارحه وأحاسيسه في مجتمعه لابد أن يتأثر تفكيره واهتمامه بما يحيط به، ونتباين بطبيعة الحال فيما بيننا.
خلاصة القول إننا لا نستطيع أن نعيد عقارب الزمن إلى الوراء، فذاك وطر مضى وانقضى بما فيه من مثالب وعيوب وبما فيه من فضائل ومحاسن وقيم أصيلة..
علينا أن نؤمن بأن الدنيا تغيرت وليس سهلاً أن نتغير نحن بنفس السرعة والمقدار، فالمراجعة في مواقفنا ضرورية ونحن على ثقة بقدراتنا على التكيف وكل ما نحتاج إليه هو التفكير العميق وإعمال الفكر مع العمل والإيمان بقدراتنا الذاتية وتكيفنا مع معطيات العصر وما تفرضه من ظروف مع عدم التنازل عن كل ما يسيء لمجتمعنا ويزعزع أركانه، فشعب صاحب حضارة حري به أن يتجاوز السلبيات ويبني على الإيجابيات ويأخذ من الحياة ما يناسبه ويتوافق مع تطلعاته وآماله وأهدافه.
 
وعلى الخير والمحبة نلتقي