إزيكــــــم كيفنكـــــــم
تأخذنا الغربة، ويشتط بنا المزار فنتغرب عن الأهل والأوطان والأصحاب فيزداد الحنين إلى أيام الصبا ومرابع الشباب وتعود بنا الذكرى إلى أولئك الذين كنا نقضي معهم الساعات الطوال في حديث لا ينقطع إلا عندما ننوي الرحيل المؤقت على أمل اللقاء في يوم جديد....
كانت ملتقيات أهل البحرين يومها في المقاهي، أو المجالس، أو الأسياف وأحيانا في الأسواق المتعددة، حتى عندما كنا ندرس في جامعات متعددة في بلدان مختلفة كان ملتقى الطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج هي مقاهي المنامة والسوق المسقف عند باب البحرين أحيانا كنا نعرف بعضنا بعضا وأحيانا يشار إلينا بأن هؤلاء هم طلبة القاهرة أو الإسكندرية، وهؤلاء هم طلبة بغداد أو البصرة وهؤلاء هم طلبة دمشق، وهؤلاء هم طلبة الكويت، وهؤلاء هم طلبة بيروت.
كانت تجمعنا المنامة وتوحد قلوبنا وأحلامنا وتطلعاتنا البحرين الوطن العزيز الذي نأمل بعد الدراسة أن نسهم في البناء والنماء والتعمير... لا أحد يعرف بالضبط المهنة التي يلتحق بها، فالوظائف في أواخر الستينات أوائل السبعينيات لم تكن متاحة مثلما كانت في السنوات التي تلت ذلك، غير أن طلبة الهندسة والطب والزراعة وربما القانون كانوا يعرفون وجهتهم. أما التخصصات الأخرى فأكثر الوظائف متاحة هي التربية والتعليم. ورغم ذلك فأفواج من الطلبة والطالبات البحرينيين والبحرينيات كانوا يحلمون بالدراسات الجامعية خارج الوطن، وظل الحنين إلى البحرين ملازما لكل طالب وطالبة ويتحينون الفرص لزيارة الوطن والالتقاء بالأهل والأصدقاء والجيران وقرناء الدراسة... أيام كانت جميلة مليئة بالحنين والشوق، والشعور بالاعتزاز والفخر ولا تخلو من الذكريات والمواقف الطريفة.
المشاعر الإنسانية رغم تقادم الزمن تظل الأثيرة إلى النفس، ويظل تذكرها عالقا في الوجدان، كنا وما نزال نتمثل بقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وإذا بلحظات تأمل تقفز إلى الذاكرة أغنية ابن السودان سيد محمد الخليفة الأمين 1931م-2001م وهو المعروف بسيد خليفة اكتسب ابن الخرطوم شهرة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشرق أفريقيا ومصر، وكان سيد خليفة مطربا وملحنا سودانيا «قدم ألوانا جديدة من الموسيقى السودانية تمثلت في أنماط موسيقى السامبا الأمريكية اللاتينية» وكانت من أشهر أغانيه أغنية «المامبو السوداني» من كلمات الشاعر السوداني عبدالمنعم عبدالحي.
«نشأ سيد خليفة في بيئة دينية تعنى بالإنشاد الديني والمدائح النبوية، وكان والده من المشهورين بإجادة مدائح رسول الله صلى الله عليه وسلم».
سيد خليفة بلهجة سودانية بسيطة استطاع أن يلمس مشاعر أبناء وطنه وكل إنسان اضطرته ظروف الحياة للابتعاد عن الوطن والأهل والأحبة فيقول:
إزيكم كيفنكم
أنا لي زمان ما شفتكم
مشتاق كتير
كتير كتير لي حيكم
يا ناس حرام
ردوا علي
أنا ما غريب
أنا منكم
وككل زائر ومبتعد عن الوطن يشده الحنين إلى العودة إلى الأماكن القديمة، عندها تكون الفرحة باللقاء لا تعادلها أية فرحة.
فيقول سيد خليفة:
يا فرحتي بي عودتي
أجد الهنا في قربكم
في بعدكم لقيت عذاب
يا ريتكم قراب قراب قراب
كنتوا تشوفوا حبكم
يوم شفتكم شفت السرور
ويصل بسيد خليفة الشعور المعهود لدى كل إنسان شعر في الوقت المناسب بضرورة إلقاء عصا الترحال والركون إلى الوطن الأم، فيقول:
أنا قلبي قال إزيكم
كيفنكم بعد بكاي
يا ناس كفاي
كفاي كفاي
أنا ما بفارق حيكم
أليس جميلا أن نعود إلى المشاعر الإنسانية فنرتبط بالأرض والوطن، وأن نعيش أياما كنا نحلم فيها رغم البساطة بالأمن والاستقرار والدعة والقناعة تظللنا المحبة، نفرح حينما يكون الفرح واجبا، ونحزن عندما يكون الحزن لازما، متطلعين إلى البناء والتعمير..
فالصداقة عنوان للسعادة، ومديد العون للمحتاج، واجب وطني مقدس.
قد يقول قائل: وكيف لنا أن نعود إلى تلك الأيام ونحن نشاهد ما حولنا ونعيش الغربة الروحية حتى في أوطاننا؟!
ربما لا يكون الجواب سهلاً، ولكن الإيمان بقدرة الشعوب على تجاوز الظروف والمحن والإصرار على النجاح رغم التحديات كفيلان بتغيير الحال من حال إلى حال.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..