نحن والطبخ
أن لا تجيد - وأنت الرجل - الطبخ فهذا مقبول وإن كان في زماننا أشهر الطهاة هم من الرجال، أما أن لا تجيد المرأة الطبخ فهذا من النادر، بل ربما المعيب، والذي بالتأكيد يُلقى اللوم فيه على الأم التي لم تعلم ابنتها منذ الصغر دخول المطبخ والبدء في طهي أبسط الأشياء، كتحضير الشاي أو القهوة أو سلق البيض، ولا نقول التعمق في إعداد أصناف الأطباق.
لقد شعرت بأهمية أن أُعد الطعام بنفسي عندما كنت والصديق المرحوم أحمد بن سعيد بن عبداللطيف الدوسري طيب الله ثراه في الستينات عندما ذهبت معه للعمل في عطلة الصيف إلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة وسكنا في حي الدواسر بالدمام في بيت «عزوب» وعملنا سويًا في ميناء الملك عبدالعزيز كمسجلي بضائع.
فلا أنا أعرف الطبخ، ولا أحمد يرحمه الله أيضًا يعرفه، وأصبحنا متطفلين على من كان يسكن معنا وهم العراقي فاضل وبحرينيان خميس الدوسري من البديع وعلى العسم بن فريج الفاضل بالمنامة وخجلنا من نفسينا؛ فعندما كان يحين دور العراقي يتفنن في الطبخ ولا يمكنك أن تصرف النظر عن أية وجبة يقوم بإعدادها، بدءًا من الدولما والتمن مع صالونة الباميا وانتهاء بالكبة الموصلية، أما خميس وعلي يرحمهما الله فقد تفننا في «المكبوس» بأنواعه و«المشخول»؛ ووجد أحمد الدوسري نفسه في موقف حرج وحاول بعد تجارب عدة أن يقلد العراقي في عمل «الصالونة» أو «المرق».
أما أنا فقد اجتهدت كثيرًا في عمل المعكرونة وبذلك فقد توافقنا جميعًا أن فن الطبخ علم وخبرة وتجربة واقتحام المجهول وضرورة لا غنى عنها للرجل والمرأة على حد سواء.
كُنا في حديث عن تعلق المرأة بالمطبخ واهتمام ربة البيت بأن يكون المطبخ في البيت متسعًا وبه كل المستلزمات الضرورية وغير الضرورية، واعتناء المرأة بالمطبخ يفوق ربما اعتنائها ببقية مرافق البيت.
وإذا أحد الجلساء يقول لنا: أنكم في الواقع تبالغون، أو أنكم تتحدثون عن المرأة في جيل غير جيلنا الحالي، فالمرأة في زماننا قلما تزور المطبخ، ولا يهمها أن يكون ضيقًا أو متسعًا أو أن لا يكون هناك أصلًا وجود لأي مطبخ، فبعض وسائل الطبخ الحديثة لا تحتاج إلى كل هذا المكان ويكفيها أن تًعد الشاي وربما القهوة وهذه لا تحتاج إلى مبنى أو مرافق متعددة للطبخ، لأن كل شيء ولله الحمد متوفر في المطاعم التي تتفنن في عمل الأطباق الجاهزة علاوة على الوجبات السريعة التحضير «فاست فود» ولم تعد الحاجة ماسة للمطابخ المنزلية، وإذا كان ولا بد لك من أكل وجبة بيتية، فهناك مطابخ منزلية تقوم بإعداد الوجبات التقليدية وبجودة عالية وتُباع حسب الطلب وتشرف عليها أو تقوم بها سيدات أتقن إعداد الأطباق الشعبية لمن يرغب فيها وحسب الطلب والحجز، وهي منتشرة في مدن وقرى مملكة البحرين.
حينها تأملت في الجهد الذي تقوم به أم العيال «أم إبراهيم» وتحملها مشاق التحضير، ابتداء من شراء المستلزمات وتنظيفها والاعتناء بها إلى تحضير الطعام بأنواعه والتأكد من سلامة الطبيخ وإعداده للأكل والاطمئنان إلى رضا واستحسان من قدم إليهم، وعندما سألتها عن هذا الاهتمام قالت: من يوم ونحن أطفال وأمي شريفة يرحمها الله وخالتي لولوة يرحمها الله أدخلانا المطبخ وعلمانا في البداية تحضير الإدام وتقطيع البصل والبطاطس، وتجهيز القدور وأواني الطبخ المختلفة، وتحضير الشاي والقهوة وهي خطوات من أجل إعدادنا عمليًا لتحمل أعباء الحياة الزوجية مستقبلًا.
وهنا أدركت كم نحن بحاجة إلى تعود أطفالنا منذ الصغر على الأعباء المنزلية كالطبخ والغسيل، خصوصًا في صفوف الإناث، لأن المرأة في المستقبل احدى المهارات الضرورية التي يجب أن تكسبها فن الطهي، أما الرجل فمهمته إلى جانب المهمات الأخرى الضرورية تذوق واستحسان ما تقدمه له أم العيال من أطايب الطعام.
ولذلك لم أستغرب عندما قامت أم «إبراهيم» الله يعطيها الصحة والعافية في تدريب بناتها وحفيداتها على الدخول إلى المطبخ والتفنن في إعداد وجبات الطعام الرئيسية والتكميلية والحلويات.
ليس نقيصة أو عيبًا أن تدخل المرأة المطبخ وأن تقوم بنفسها بإعداد الوجبات للعائلة، وليس استهانة بدورها عندما تستغني عن أكل المطاعم والوجبات السريعة، فالخدمة الإنسانية التي تقوم بها المرأة لا تعادلها أية خدمات خارج نطاق الأسرة، ولا مفاضلة أبدًا بين العمل في البيت والعمل خارج البيت، لأن أدوار المرأة في مجتمعاتنا دور أساسي وحرصها على خدمة وطنها ومجتمعها وإثبات وجودها في العمل الوطني يتناغم ويتزامن مع دورها كأم ومربية وموظفة وعاملة في وطنها، وجميل أن تخصص جزءا من وقتها لممارسة هوايتها وأدوارها الطبيعية.
فالتنمية المستدامة في مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى الدور المشترك بين المرأة والرجل والحمد لله أن مجتمعنا بدأ يُدرك قيمة المرأة في المشاركة المجتمعية، والمشاركة في التنمية وتطوير البلاد والسهر على تبوؤ المناصب القيادية كسياسية وبرلمانية واقتصادية واجتماعية إلى جانب اهتمامها بمنزلها وأسرتها، ألم يقل الاجتماعيون: «إن الأسرة هي نواة المجتمع واللبنة الأساسية في بنائه، وكلما زاد وعي أفراد الأسرة زاد تحملهم المسؤوليات المختلفة»؟.
إننا لا نُحمل المرأة كل المسؤولية؛ فالرجل يجب أن يتحمل هو إلى جانب المرأة المسؤولية، وأولى المسؤوليات هو الاهتمام بالبيت، وتوفير الراحة والطمأنينة والاستقرار فيه. وجميل أن تُكرم المرأة سنويًا في عيدها الذي أصبح هو عيدًا وطنيًا تُكرم المرأة في مختلف التخصصات وهو المشروع الرائد الذي تبناه المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله ورعاها قرينة حضرة صاحب الجلالة الملك المُفدى حفظه الله ورعاه.
كما أن الأعمال التطوعية الأهلية كرمت المرأة لأعمالها المختلفة، ومن بينها الاهتمام بأسرتها وأطفالها وخاصة من أصحاب الاحتياجات الخاصة.
نقول للمرأة الله يعطيك الصحة والعافية، ونقول للرجل استعد لذلك اليوم الذي تجد نفسك بحاجة إلى إعداد الطعام بنفسك.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.