السوق العربية المشتركة | «بيزنس» المدافن فى مصر.. الثراء على جثث الأموات

السوق العربية المشتركة

الأحد 17 نوفمبر 2024 - 20:20
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

«بيزنس» المدافن فى مصر.. الثراء على جثث الأموات

بيزنس المدافن فى مصر
بيزنس المدافن فى مصر

مفارقة غريبة تحدث فى مصر فى تلك الآونة ففى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة لحل مشكلة الإسكان عن طريق قيام وزارة الإسكان بتقديم وحدات سكانية بصفة منتظمة خاصة لمحدوى ومتوسطى الدخل.. مع تقديم تسهيلات بنكية للدفع ومنها مبادرة البنك المركزى لقرض الإسكان بالإضافة إلى مشروع المليون وحدة سكانية والتى شرعت الحكومة فى تنفيذها على أرض الواقع وطرح العديد من الأراضى السكانية والتجارية فى المجتمعات العمرانية الجديدة مع تسيهلات السداد لسرعة اعمار تلك الأماكن ولكن ما يدعو للدهشة هو ما يحدث فى ذات الوقت من تفاقم أزمة (المدافن) حيث يشهد سوق العقارات بيزنس جديدا ومختلفا له رأس مال خاص به وهو الاستثمار فى بيع وتجهيز المدافن والتى ارتفعت أسعارها بصورة جنونية وصلت إلى 200 ألف جنيه فى بعض الأماكن خاصة عقب إعلان وزارة الإسكان عن طرح 8 آلاف مدفن جاهزة بنظام حق الانتفاع وصل سعر المدفن الواحد إلى 73 ألف جنيه وبشروط سداد يراها البعض مجحفة وصعبة مما دفع العديد من مقاولى العقارات الاتجاه نحو الاستثمار فى المدافن وتسقيع أراضٍ معينة وتقسيمها ثم طرحها على المواطنين بأسعار مبالغ فيها بنظامين الكاش والتقسيط (وكما يعانى الأحياء من غلاء المعيشة.. أيضا يعانى الأموات من غلاء المقابر).



تقول الحاجة نعمة أبو الوفاء انها دفعت تحويشة العمر لأحد المقاولين العاملين فى هذا الاستثمار والذى يتعامل بنظام التقسيط واستطاعت الحصول على مدفن 20 مترا بحوالى 40 ألف جنيه بخلاف 10 آلاف جنيه مصاريف مبانٍ وتجيهزات وهذا المبلغ مرهق حيث إننى أدفع ثلثى المعاش كقسط شهرى.

وأشارت نعمة إلى ضرورة الحد من استغلال المقاولين للمواطنين خاصة أن حق الحصول على مدفن هو من الأساسيات وليس ترفا وأننى شهدت العديد من الأهل والجيران لا يملكون مدفنا خاصا بهم ويعانون أشد المعاناة يوم الوفاة وكثيرا ما يدفنون فى مدافن الصدقة وأنا اتعجب من قيام الحكومة بطرح المدافن بهذه المبالغ المرتفعة والتى أعطت الفرصة لاستغلال المقاولين لنا ودائما ما يرددون أن أسعارهم أرخص من أسعار الحكومة ونحن نعلم أن الأعمار بيدى الله ولكن يجب أن يكون هناك مراعاة لكبار السن وأصحاب المعاشات فى أسعار المدافن.

وأكد عبدالرحمن مدكور موظف بالمعاش على أن سوق شراء المدافن أصبح له رواج كبير فى مصر خاصة أننا دولة ولله الحمد متدينة بطبعها ونعتز بدفن أمواتنا والتزوار للقبور كما امرتنا الاديان السماوية وكثيرا ما يلعب اصحاب الضمائر الخربة من بعض المقاولين على هذا الوتر واستغلال المواطنين والقيام برفع أسعار المدافن حتى وصلت إلى 200 ألف جنيه فى بعض الأماكن وخاصة المدافن الأهلية بأكتوبر والمحافظات وتتراوح الأسعار وفقا للمساحة والتجهيزات وبعض الكماليات من كهرباء واستراحات والغريب أن هناك بعض المدافن بها تكييفات وتظهر عليها علامات البذخ مثل ترصيع الشاهد بمياه الذهب والرخام الفرنسى والأسقف المعلقة فى مخالفة واضحة لقدسة الموت واللحد الذى نص علية الدين وقد وصل سعر المتر الواحد إلى أكثر من 3 آلاف جنيه فى بعض الأماكن وقد تحيال البعض على هذه الارتفاع المبالغ فية فى الأسعار إلى طريقة مبتكرة وهى قيام مجموعة من شراء مدفن واحد والقيام بتقسيم المدفن من الداخل ببناء حوائط منفصلة وأشار إلى أن للدولة دور يجب القيام به للحد من نزيف الغلاء الذى طال الأموات قبل الأحياء.

والجدير بالذكر هناك حالات نصب وقع فيها البعض بسبب طمع وجشع المقاولين حيث قاموا ببيع وتسليم المدفن الواحد إلى أكثر من فرد فى ذات الوقت وهناك محاضر وقضايا بهذا الشأن فالفقراء لهم الله أحياء وأموات. وصرح الشيخ مجاهد عارف- (تربى) ونائب رئيس رابطة الترابية بمدافن الخليفة بأن ظاهرة الارتفاع الجنونى فى أسعار المقابر لم تكن موجودة بتلك الوضوح إلا فى 4 سنوات الأخيرة عندما اتجه بعض المستثمرين فى المجال العقارى خاصة صغار المقاولين لتلك الاستثمارات فى بيع وتجهيز المدافن وعمل دعاية لها على النت وحوائط الشوارع وبعض الجرائد وعرض نظام التقسيط وجودة التشطيب وحدث ذلك فى غفلة من الدولة مستغلين حالة الركود التى شهدتها الدولة فى الفترة الماضية مع غياب الرقابة بجانب استغلال البعض طهارة، وروحانيات المشروع تحت مسميات مختلفة مثل بناء مقابر صدقة للفقراء أو تخصيص جزء من عدد الوحدات المقامة بالفعل وذلك للحصول على امتيازات من الدولة وكل ذلك إهدار الملايين على الدولة بسبب عدم السيطرة على التخطيط ومنح التراخيص بالبناء مع استحالة هدم المدافن التى تم إنشاؤها بالفعل والتى وصلت العمران والزحف على الأراضى الزراعية.

والأكثر غرابة هو قيام الأهالى من أصحاب المدافن أنفسهم بالاستثمار فى بيع المدافن الخاصة بهم والمخصصة لهم من قبل الدولة عن طريق البيع والتنازل عنها للآخرين مقابل مبالغ مالية بالرغم من أن قانون هيئة تنفيذ وبناء المدافن لسنة 96 يجرم البيع أو التنازل عن المدافن للغير

وهناك من أجرى الترميم للمدافن القديمة أو إعادة بنائها مرة أخرى حتى لو على رفاة الأموات أما عن مدافن الصدقة فحدث ولا حرج بسبب شدة تزاحم الجثث بداخلها بدرجة مستفزة تتنافى مع الشرع وطبائع المصريين وحرمة الموت ذاته والتى وصلت لدرجة أننا نجمع رفاة الأموات كل ثلاثة أشهر داخل أجولة لتفريغ المكان لاستقبال جثث أخرى من غير القادرين والغرباء والحل يكمن فى وجود توسعات جديدة وبناء مقابر تحت إشراف الدولة منظمة ويعين عليها حراسة من هم ذوى الخبرة حتى لا تتعرض للسرقة مثلما يحدث فى بعض المقابر من سرقة الأبواب الحديد أو جثث الموتى أنفسهم ويتم تسليمها إلى المواطنين بشروط معينة ونظام تقسيط طويل الأجل وغير مرهق للأسر.

وأشار المهندس مصطفى متولى أبو المجد، خبير عقارى، إلى أن الاستثمار فى تجارة المدافن هو استثمار جيد ويحقق أرباحا طائلة بسبب رواج السوق والبيع الدائم والمستمر دون توقف وليس له علاقة بمعطيات السوق ولا العرض والطلب سوء فى حالة الركود أو الازدهار ويكفى القول أن حجم تجارة المدافن وصلت إلى مليار ونصف المليار فى 6 محافظات فقط خلال الفترة الماضية وأرجع متولى السبب إلى أحد العوامل التالية أولا إهمال الدولة هذا القطاع الاستثمارى فترات طويلة حيث إنها لم تفتح له الباب منذ عام 19981 ما أعطى الفرصة لدخول رجال الأعمال القطاع وفرض سيطرتهم على جزء كبير منه برغم من القيام العديد من المواطنين بتقديم طلبات لديوان المحافظات للحصول على مدافن وصلت إلى 50 ألف طلب فى القاهرة فقط عام 2011 ثانيا الشروط المجحفة التى وضعتها الوزارة من حيث ارتفاع قيمة المقدم والأقساط المتتالية عقب الاستلام والتى وصلت 73 ألف جنيىه للمدفن تدفع على دفعتين فقط ما جعل الأهالى يلجأون إلى التعامل مع المقاولين بنظام التقسيط المريح كما يوجد شركات متخصصة فى تصميم المقابر وتجهيزها وأحيانا ترتفع قيمة المدفن على حسب موقعة من الشارع الرئيس أو الفرعى أو بجوار مدفن أحد المشاهير لسهولة وصفه.

(رأى الدين )

وصرح الشيخ عبدالمعطى محمد من علماء الأزهر الشريف بأن الشرع يحرم التجارة فى المدافن بهذا الشكل المستفز والذى حولها إلى بيزنس ذات عائد مادى يرهق المواطنين فالمدافن هى خير الديار على الأرض حيث يجب أن تنبت نبتا صالحا فى البيع والشراء والصدقة وليس على حسب أهواء أصحابها لأن لها ضوابط شرعية ولكن ما يحدث الآن هو كارثة من زخرفة المدافن بماء الذهب والرخام وعلى الدولة مراعاة هذه الأحكام وأن تكون هى المسئولة عن هذا القطاع الحيوى والمهم دون منافس وبناء مقابر للصداقات والتوسع فى أماكن أخرى جديدة لحل تلك الأزمة والله أعلم.