السوق العربية تبحث كيفية تعظيم الصناعات الغذائية الزراعية
تحقيق: سميرة سالم
الصناعات الغذائية الزراعية أو التصنيع الزراعي أو الصناعات التحويلية للمحاصيل الزراعية، كلها مسميات تشير للاستخدام الأمثل للمحاصيل الزراعية وزيادة القيمة المضافة لها، كما أنها تساهم في زيادة قيمة الصادرات بالعملات الاجنبية، بما يحقق العديد من الفوائد، إلا أنها تواجه بعض التحديات التي تحتاج لتخطيها لتعظيمها، نرصدها لكم خلال السطور التالية.
الجمهورية الجديدة تهدف إلى استصلاح قرابة 4 مليون فدان
صرح المهندس ماهر ابو جبل، مستشار الأمانة العامة لاتحاد المهندسين الزراعيين العرب، بأن الجمهورية الجديدة تشهد حاليا طفرة مختلفة في القطاع الزراعي، والدليل على ذلك بأن إجمالي مساحة الأراضي المزروعة بمصر كانت تبلغ 7.6 مليون فدان، وذلك منذ عهد مصر القديمة حتى عام 2014، والقيادة السياسية وضعت في برنامجها الرئاسي استصلاح قرابة 4 مليون فدان بحلول 2030، أي زيادة 50% من نسبة مساحة الأراضي المزروعة في مصر، وبإضافة هذه النسبة الكبيرة تكمن قوة التحدي.
وأضاف بأن استصلاح 4 مليون فدان يتمثل في عدة مشروعات بأنحاء الجمهورية مثل مشروع الدلتا الجديدة باستصلاح مساحة 2.2 مليون فدان، ومشروع استصلاح نص مليون فدان بوسط سيناء، ومشروع توشكى وشرق العوينات على مساحة مليون فدان.
وأوضح مستشار الأمانة العامة للاتحاد المصري للمزارعين العرب، بأن من التحديات التي تواجه مصر النظرة القديمة للتعامل مع القطاع الزراعي بأنه عمل ينتج منتج نهائي، إلا أن أثناء طرح التوسعات في مصر تم طرح فكرة التعامل مع الزراعة بأنها مواد خام تدخل في العديد من الصناعات مثل الصناعات التجميلية والطبية والفيتامينات وغيرها، وقد وجهت القيادة السياسية بضرورة التعامل مع المنتج الزراعي على الاساسين بأنه منتج نهائي وأيضا مادة خام تدخل في صناعات تكميلية تضيف قيمة مضافة.
وأشار المهندس ماهر ابو جبل إلى أمثلة من المحاصيل الزراعية التي تدخل في صناعات، مثل القطن الذي يدخل في صناعة الغزل والنسيج، موضحًا بأن الدولة المصرية القديمة كانت تقوم بزراعة مليون ونصف فدان، وقد تضاءلت هذه المساحة حتى بلغت 70 ألف فدان، وحاليا تهدف الدولة إلى العودة بقوة وتشجيع زراعة القطن لتخطي حاجز نصف مليون فدان، كما أن الكتان الذي كانت مصر في عهد الفراعة تقوم بزراعته على مساحة 125 ألف فدان، وصلت مساحة زراعة الكتان في مصر عام 2011 إلى أقل من الفين فدان، وتهدف الدولة حتى 2030 إلى زراعته على مساحة تتراوح من 50 إلى 75 ألف فدان، والكتان يدخل في صناعة الزيوت والعلف وصناعات تكميلية أخرى نستطيع استغلاله من خلالها.
كما أشار إلى النباتات الطبية والعطرية، بالإضافة إلى أنها تستخدم في المأكولات ومكسبات الطعم فهي تستخدم في استخلاص وتقطير الزيوت، ومن الزيوت ما يستخدم في الصناعات الغذائية ومنها ما يستخدم في استخراج الأدوية، والأعلاف، والتوابل.
وتابع: "والخضروات يمكن أن تدخل في صناعة المجمدات والتي أصبحت ضرورية؛ وادت إلى توافر جميع أصناف الخضر طوال العام، كما أن الفاكهة تدخل في صناعة مركزات العصائر والمربى والطعوم والكمبوت والنكهات، مشيرا إلى صناعة قائمة بالفعل مثل صناعة الورق من قش الأرز والأثاث من جريد النخل وأخشاب الأشجار".
وأكد مستشار الأمانة العامة للاتحاد المصري للمزارعين العرب بأن من أهم التحديات التي تواجه الدولة بعدما انتبهت لقيمة دور صناعة المحاصيل الزراعية، عليها أن توفر حوافز لتشجيع الاستثمار للدخول في الصناعات الزراعية.
الاهتمام بالزراعة على رأس اولويات القيادة السياسية
كما صرح اللواء هشام الحصري، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، أن الاهتمام بالزراعة على رأس اولويات القيادة السياسية حاليا لسببين، الأول لسد جزء كبير من الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي، الثاني متعلق بالصادرات الزراعية المصرية سواء صادرات زراعية طازجة أو مصنعة، وخلال العام 2023 بلغ حجم صادرات مصر من المحاصيل الزراعية الطازجة 3.8 مليار دولار، في حين بلغ حجم صادراتنا من الصناعات الغذائية 5.4 مليار دولار.
وأوضح اللواء هشام الحصري أن هناك أهمية كبيرة لزيادة حجم صادراتنا من الصناعات الزراعية لما تضيفه من قيمة مضافة وتشغيل ايادي عاملة بالمصانع، مضيفًا بأنها تحقق فائدة بشكل أكبر عن تصدير الخضر والفاكهة الطازجة التي تظل تعتبر مادة خام.
وأشار عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب إلى صناعات قائمة بالفعل مثل صناعة السكر القائمة على زراعات قصب السكر وبنجر السكر، وصناعات مركزات العصائر والمعاجين "صلصة الطماطم" والبطاطس المصنعة، جميعها قائمة على الفواكه والخضروات وبحاجة للتوسع بشكل أكبر لزيادة حجم الصادرات.
وبشأن التغيرات المناخية قال عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، أنه تم ادخال أصناف تقاوي عالية الانتاجية متحملة للتغيرات المناخية وللجفاف والملوحة بحيث يتم زيادة انتاجية وحدة المساحة بتوسع رأسي، مضيفا بأن مراكز البحوث الزراعية وجميع المراكز البحثية في مصر سواء بالجامعات أو المركز القومي للبحوث أو اكاديمية البحث العلمي تعكف على دراسة تأثيرات التغيرات المناخية على الزراعات بحيث يمكن مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية المفاجئة والتي تضر بالمحاصيل.
مصر رائدة في قطاع التصنيع الغذائي الزراعي منذ عقود
وأشار هاشم محمد، رئيس شعبة الخضر والفاكهة بالغرفة التجارية بالإسكندرية، إلى ريادة مصر في قطاع التصنيع الغذائي الزراعي منذ عقود، مثل تجفيف الحاصلات الزراعية مثل الطماطم والبصل وتحويله إلى باودر وتصديره، خاصة وأن منتجات مصر الزراعية ذات سمعة طيبة في الأسواق العالمية وبشكل خاص في الأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى البطاطس وتصديرها مصنعة بأشكال مختلفة وغيرها من المحاصيل الزراعية.
وأكد رئيس شعبة الخضر والفاكهة بأن الجمهورية الجديدة تواكب السوق العالمي من حيث احتياجاته من الحاصلات الزراعية وتعمل على زيادة الرقعة الزراعية، موضحًا بأن من أهم التحديات التي يجب تخطيها لتعظيم الصناعات الغذائية الزراعية هي التوسع في زراعة الحاصلات الزراعية وبالتالي زيادة كم الإنتاج من المحاصيل للتمكن من تلبية الاحتياجات المحلية وتحقيق فائض كميات ضخمة ليتم تصنيعها محليًا وتصديرها، طبقا لسياسة الدولة، مشيرا إلى أن تغيرات المناخ التي تسببت في احتراق كميات كبيرة من الزراعات ادت لانخفاض الناتج المحلي من بعض الزراعات.
وأضاف هاشم بأن حاليًا يتم تصدير المنتجات الزراعية بنجاح ومثال ذلك تصدير 99% من الخرشوف المصري نظرا لما يتمتع به من اقبال غير عادي بالخارج، مشيرا إلى أن قشور الخرشوف يمكن أن تستخدم في صناعات تجميلية، كما يتم تصدير الفواكه وخاصة المانجو بأنواعه والخوخ والبرقوق وغيرها والتي يمكن تصنيع كم كبير منها وتصديرها بما يزيد من قيمتها الاقتصادية.
عضو شعبة المواد الغذائية: يوفر فرص عمل ومنتجات محلية بأسعار أقل
وقال حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، أن تحويل الحاصلات الزراعية لمنتجات يعد أفضل الحلول ويزيد من قيمتها الاقتصادية، مثل صناعات المربى والعصائر والمجمدات وغيرها، موضحا أن زيادة أعداد المصانع يوفر فرص عمل كما أن التصدير يجلب عملة أجنبية، وذلك أفضل من تصديرها بشكل أولي، واعطى مثال على ريادة دولة تايلاند في صناعة الأناناس والتي تدر عملة صعبة.
وأشار إلى أننا بحاجة إلى دراسة جيدة وشاملة تغطي الإنتاج الزراعي لتحديد الزراعات التي تحقق فائض كبير في الإنتاج وبالتالي فهي لا ينقصها سوى دراسة كيفية تصنيعها بشكل يحقق أقصى فائدة، كما يجب تحديد الزراعات التي تكفي الاحتياج المحلي فقط أو لا تحقق اكتفاء محلي لدراسة كيفية التوسع في زراعتها وزيادة انتاجها ثم خطوة التصنيع، كما أننا بحاجة إلى دراسة احتياجات السوق العالمي من الصناعات الغذائية الزراعية وتحديد كيفية توفيرها لضمان تصدير منتجات ذات اقبال كبير.
وأكد بأن هناك حاجة ملحة للتوجه إلى عدة صناعات ضرورية مثل إقامة مصانع للحليب المجفف، مشيرا إلى توافر فائض كبير من الحليب خلال فصلي الربيع والشتاء إذا تم استغلاله وتحويله إلى حليب باودر سيحدث فارق كبير، ويمكن أن يحقق مخزون استراتيجي موفر للمواطن خلال فصل الصيف بما يحقق اكتفاء محلي بسعر أقل من المستورد، ويمكن تصديره للخارج لجلب عملة صعبة، وغيرها من الصناعات.