«السوق العربية» تفضح سماسرة الشهادات الطبية
بالمستندات: شهادة تفيد بسلامة نظر حاملها.. والحقيقة «عين واحدة والأخرى مصابة»
لا تحتاج إلى قدر كبير من العناء إذا أردت أن تستخرج شهادات طبية سواء باطنية أو رمد كمسوغ تعيين لأى جهة حكومية أو لاستخراج رخصة خاصة، فبثلاثين جنيها فقط يمكنك أن تحصل على شهادتين إحدهما للرمد تفيد بأن نظرك 6/6 حتى وإن كنت أعمى وأخرى باطنة تفيد بخلوك من أى أمراض حتى إن كنت تعانى من أمراض الدنيا.
وحتى لا يكون الكلام مرسلا قامت «السوق العربية» باستخراج شهادتين طبيتين من إحدى العيادات الطبية المجاورة لمرور فيصل لمواطن يعانى من مياه بيضاء على كلتا عينيه مع انعدام رؤية من إحداهما ليضاف سبب آخر إلى حوادث الطرق المتكررة لحصيلة مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء وهو انعدام الضمير الذى لحق بمنهة الطب والذى يسمح لمواطن شبه أعمى بالحصول على شهادة رمد تفيد بأن نظره 6/6 لاستخراج رخصة قيادة، خاصة إذا علمنا أن معظم الشهادات المقدمة للمرور تستخرج من مثل هذه العيادات.
تطوع فتحى طلب- ملمع أحذية- بالقيام بدور من يريد استخراج شهادة صحية لاستخراج رخصة قيادة خاصة مع العلم أنه يبلغ من العمر 57 سنة ويعانى من مياه بيضاء على عينيه الاثنتين فالعين اليمنى لا يرى بها نهائيا وبحاجة إلى استئصال وزراعة عدسة والعين اليسرى 60/1 وهو ما ورد بالتقرير الطبى الصادر من مستشفى الهرم بتاريخ 11-11-2014 وهو نفس تاريخ التقرير الطبى الصادر من احدى العيادات الطبية المحيطة بمرور فيصل اضف إلى ذلك عجز باليد اليمنى نتيجة كسر لم يتم علاجة
المفارقة الغريبة أن الشهادة الصحية الصادرة من عيادة دكتور “سميرعبدالرحمن محمد”- عيادة بجوار مرور فيصل تحمل ترخيصا رقم 52438 بتاريخ 2009/11/11 قيد نقابة 124407 رمد- ورد بها أن المدعو فتحى طلب لا يعانى من حول ظاهر أو خفى وأن قوة إبصاره 6/6 لكلتا العينين بدون نظارة وأنه يميز الألوان ومن نفس المكان وبأيدى نفس الموظف تم استخراج شهادة باطنة لعم فتحى تفيد بأنه لا يعانى من أى أمراض وأنه سليم القلب والصدر والأذنين والجهاز العصبى والحركى بخاتم دكتور “إيهاب الزمزمى“ ترخيص رقم 5243 بتاريخ 2009/11/11 قيد نقابة 102417.
فالعيادة المستخرج منها التقريران الباطنى والرمد ما هى إلا وكر لطبيبين معدومى الضمير أو اشخاص يدعون أنهم أطباء ويقومون بهذا العمل دون اعين الرقابة أو بمشاركة من يحمونهم من بطش القانون خاصة أن الامر واضح جدا للقاصى والدنى وليس بالخفى عن اى احد ولا يوجد به أدنى درجة من التموية فهى- أقصد العيادة- بمثابة حجرة يجلس بها موظف بيده عدة أختام أحدها باطنى والآخر رمد لختم واستخراج الشهادات الطبية التى تقدم للمرور وتعتمد كمستخرج رسمى يبنى عليه استخراج رخصة قيادة.
بعد ما أتم عم فتحى طلب استخراج الشهادة الباطنى والرمد بدأنا رحلة البحث عن سمسار لاستخراج الرخصة بعيدا عن الطوابير والإجراءات والامتحانات ولم يكلفنا ذلك أى قدر من المجهود فأمام العيادة الطبية وبظهر مبنى المرور تجلس فتاة فى العشرينات من عمرها وأمامها طرابيزة عليها مجموعة من الأوراق والملفات والسؤال كان مباشر “عيزين نطلع رخصة.. ليك سكة فى الموضوع ده” فكان الرد السريع من الفتاة “1300 جنيه على التصوير“ وإن كان الرد يحتاج إلى بعض الإيضاح الذى لم تبخل علينا به “يعنى الرخصة هتكلفك 1300 جنيه ومش هتدخل امتحانات خالص.. كل اللى عليك إنك تتصور وتاخد رخصتك” وعن المدة التى ستستغرقها هذه العملية قالت “يوم.. جهزلى أربع صور وشهادة محو أمية وفى نفس اليوم تكون الرخصة فى يدك” وبعد محاولات لتخفيض السعر لم تتزحزح عن الـ1300.
وعلى المدخل الرئيسى لمبنى المرور حيث يقف شاب يهمس لكل من يدخل المبنى “رخصة يا بيه..شهادة صحية“ فسألناه الرخصة هتكلفنا كام فكانت نفس الإجابة 1300 على التصوير وادخلك دلوقتى” وبالطبع لم يقلل من هذا المبلغ جنيها واحدا وكأنها عصابة تتحرك برأس واحدة تسيطر على سوق استخراج الرخص واتفقت معه على أن الدفع لن يكون إلا بعد استلام الرخصة.
سألنا شاب فى العشرينات من عمره بأحد أكشاك التصوير بجوار مبنى المرور “عايزين نطلع رخصة والناس اللى واقفة دى مبترحمش” فقال “طبعا قالولك 1400 و1500 اصبر وأنا هخلصلك الموضوع“ وبعد دقيقة قال “أنا ممكن اوفر عليك مبلغ كبير لو بيعرف يسوق نص نص.. هو هيدخل امتحان القيادة وهيسقط تحت واحنا هننجحه فوق” ثم امسك بالتليفون واتصل بشخص ما وبعدها قال “الرخصة دى هتكلفك 450 جنيها تدفع 150 جنيها وتسيب أوراقك والامتحان الأسبوع المقبل لأنهم النهارده خلصوا والامتحان فى فيصل يوم الاثنين والثلاثاء فقط“ فقلت له “لكن اللى هياخد 1300 جنيه هيخلص دلوقتى“ فقال “هم بيخصلوا الرخص دى فى مرور بين السرايات، لكن فيصل اليوم خلص ومش هينفع النهارده“، ليكشف عن وجه آخر وهو اتساع دائرة العصابة وأنه ليست على نطاق مرور فيصل فقط.
وللتأكد من نظر عم فتحى ولصد الباب أمام أى أسباب واهية تشكك فى حالة المريض قمنا فى نفس اليوم بالكشف عليه بمستشفى الهرم وصدر عن عيادة الرمد للاستشارى الدكتور حسام خليل التقرير الطبى التالى “أن الحالة تعانى من مياه بيضاء على كلتا العينين وبدرجة أكبر على العين اليمنى وأنه بحاجة لجراحة وإزالتها وزراعة عدسة”.
نتوقف أمام هذه المرحلة من مراحل استخراج رخصة قيادة لرجل شبه ضرير لنضع أمام السادة المسئولين سببا آخر من أسباب حوادث السيارت المتكررة والتى احتلت بها مصر المرتبة الأولى عالميا وفقا لتقارير مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ونضعها أيضا أمام الضمائر الخربة المتاجرة بأرواح البشر الذين يشترون كل شىء بأموالهم فبأموالهم يشترون رخصا خاصة لأبنائهم وبأمولهم يشترون أفخر السيارت لينتحروا بها على الطرقات.
واحتراما لحق الرد طلبنا من الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى لوزير الصحة ردا على استخراج شهادة صحية لمثل هذه الحالة وما يمكن أن يترتب عليها من حوادث للسيارات فقال “إن الأمر لا يحتاج إلى رد وإنما التحرك فورا للتحقق من كون هذه العيادات لأطباء حقيقيين أم أن هناك تزويرا ومن ثم الضرب على ايدى كل من يخالف القانون“ وعن إمكانية أن يتبع استخراج الشهادات الصحية لوزارة الصحة مباشرة بعيدا عن تلاعب معدومى الضمير أضاف المتحدث الرسمى أن هذه الحالات من أسباب الروتين الممل الذى يعانى منه المواطن فأمر أن كل توقيع موظف يمر بموظف آخر لمنع التجاوز يجعل الآمر معقدا وإنما الحل هو تشديد الرقابة والمحاسبة للمخالفين.