كتب
العميد محمد نبيل
مرتكزات التنمية الثقافية في سيناء (1)
11:14 م - الأربعاء 8 مارس 2023
كان اصطفاف معدات التنمية أشبه باصطفاف آلة الحرب وربما هو ذاته المعنى المستهدف بهذا الاصطفاف فحالة الواقع تتطلب استدعاء مبادئ الحرب ومنها الأهم على الإطلاق مبدأ الحشد, فشملت الصورة جميع إمكانات وقدرات الدولة المعبئة لصالح تنمية سيناء, وقد يبدو للوهلة الأولى أنها البداية مع انتهاء معارك القضاء على الإرهاب, لكن الحقيقة تخالف هذا الانطباع الأولى وهى إن معارك سيناء كانت تسير على قدمين في مواجهة الإرهاب وتنمية سيناء إذ تطلب الحال هذا الجهد المضاعف من الدولة فكانت أنباء النصر وكذا بشارات الشهادة تتردد تباعا من سيناء في أنحاء مصر وربما كثيرا ما تجاوزت الحد السياسي والجغرافي إلى مناحي المحيط الإقليمي المتوسطي أو العربي أو الأفريقي وربما ابتعدت واتسعت التغطية الإعلامية إلى عبورها للقارات والمحيطات لتصل إلى أطراف الأرض, ولما لا ؟! والجميع قد علم واتضح أمام الأبصار والبصائر بجلاء دوافع الحقد والغيرة وأسباب تصدير الإرهاب لمصر فكان من الضروري متابعة اخبار معارك الإرهاب في مصر, ونعود للحديث عن أن التنمية كانت رحى معاركها تدور في سيناء بالتوازي مع معارك القضاء على الإرهاب وإلا فكيف ومتى تم شق ما يقارب الثلاثة ألاف كيلومتر من الطرق الحاكمة والعرضية بوسط وطول سيناء تربط أوصالها معا وتوثق عراها بالدلتا والصعيد, وأيضا كانت التجمعات السكانية للصيادين بالقرب من بحيرة البردويل التي تم تطويرها وتطهيرها لتعود كما كانت من أهم بحيرات العالم في الإنتاج السمكي, وكذلك التجمعات السكانية الزراعية بوسط وجنوب سيناء لتوطين المصريين بسيناء ومنحهم أراضي زراعية مجاورة لمصادر المياه, وبالحديث عن المياه كانت سحارة سرابيوم مجاورة لترعة السلام ومشروعات تحلية مياه البحر جنوبا وشمالا تمهد لإمكانية زراعة ما يربوا عن النصف مليون فدان بنحو مائة وخمسين آخرين, وتتالت القلاع الصناعية في الجفجافة وغيرها بوسط سيناء وزاملتها المدارس الثانوية الصناعية في الوسط والزراعية في بئر العبد بالشمال, ونعود للمدن الكبرى كمدينة رفح والعريش وبئر العبد وغيرها, وانتشرت مدارس التعليم الأساسي والديني والجامعات ما بين الحكومية والأهلية والخاصة من سدر إلى شرم إلى الطور فالعريش وبالوظة ورمانة, وتعددت الوحدات الصحية وتطورت إلى مستشفيات ومراكز صحية دولية وارتبطت سيناء ليس بمحافظات مصر بريا فقط؛ بل جويًا أيضا من خلال خمس مطارات تحقق لها التواصل مع خارج الوطن لأهداف سياحية أو اقتصادية بالإضافة لإنشاء خمس موانئ على رأسهم ميناء العريش وجميعها لأهداف تجارية لتصدير الرخام والرمال والبترول والزراعات والمنتجات المختلفة والاسماك وغيرها...,إذا كل هذه المشروعات كانت بمثابة معارك لا تقل أهمية عن معارك البارود في مواجهة الإرهاب, لأننا جميعا نعلم وندرك ان تنمية سيناء هي الخيار الاستراتيجي في الحفاظ عليها وتجنيب الأسر المصرية ويلات الفقد من الاستشهاد وآلام الحزن من الإصابات, فكانت التنمية طريقًا إجباريًا على هذا الجيل من المصريين أن يجتازوه, ولأن التنمية بمفهومها الاقتصادي باتت من المفردات الكلاسيكية المهجورة والتي لم تعد تجنى الثمار المنشودة منها منفردة؛ بل أضيف إليها لفظة المستدامة لتضمن استمرارية التنمية, وجاورتها أليات الثقافة لتصون الفكر التنموي وتمهد لسلوكيات إنسانية ومجتمعية ضامنة لاستبقاء أسس التنمية التي هي في الأساس لصالح الانسان وليس لصالح الحجر والتي تهدف لتسخير الإمكانات والمقدرات لرفاهية هذا الانسان وعمرانه, ولأن الجميع من القاصي والداني يعلم أن سيناء تركت وحدها مع مدن القناة تدفع فاتورة الدم حفاظًا عن الوطن وأن المصريين بسيناء هم أكثر من عانوا من الإهمال التنموي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وكما أعلن السيد الرئيس أننا تركنا سيناء طيلة عقود طويلة وعلينا أن نسرع الخطى في رد الجميل لهؤلاء المصريين الذين اخلصوا في الذود عن تراب الوطن بالنفس والنفيس, والكل بات يعلم أن الإرهاب صناعة فكرية من المحتم مواجهتها بالفكر, وأصبح من الاعتيادي أن تجرى على الألسن الإعلامية أن الثقافة هي السبيل لصيانة الفكر الوطني وصقل الهوية ومواجهة الأفكار الهدامة والرجعية والظلامية, ولسنا في معرض الحديث عن اقتباسات ومأثورات زعماء العالم ورجالات الفكر والفلسفة والتنوير في أن جميعهم صاغوا معنى واحدًا للثقافة وهى أنها السبيل الأوحد في تحقيق ارتقاء إنساني وتحضر سلوكي وتحقيق المدنية المنشودة بعد حياة الإنسان الأول.
من هذا المسعى كانت الثقافة في سيناء تسير على ثلاثة ركائز: أولها القلاع الثقافية التي أعيد إنشاء بعضها وترميم آخر منتظر إعادة تشيد القليل المتبقي منها، وتلك كقصور ثقافة العريش والشيخ زويد وبئر العبد ونخل وبيوت ثقافة المساعيد وقاطية والثلاثين من يونيه وغيرها وكمكتبات الشهداء والكرامة ضاحية السلام وغيرها, والتي باتت في مركز اهتمام وزارة الثقافة بهدف تطويرها لتتناسب وتحقيق المستهدف منها كمنارات للثقافة, والمرتكز الثاني كان متمثلاً في القائمين بالعملية الثقافية من الثقافيين والإداريين الذين آمنوا برسالتهم واعتبروا أن عملهم في سيناء الآن ليس مجرد عمل اعتيادي قدر ما هو دور ورسالة, دور تجاه المجتمع السيناوي من المحتم القيام به كمشاركة فاعلة في تنمية سيناء أسوة بهؤلاء الأبطال من المدنيين والعسكريين والشرطيين الذين قدموا ارواحهم في سبيل تحقيق هذا الدور, وكانت الرسالة متمثلة في إيمان هؤلاء الثقافيين والإداريين بحتمية نشر قيم الجمال والخير والعدل وقبول الآخر وقيم المواطنة بديلاً عن الجهل والقبح والظلم والاغتراب والانعزال والكفر بالآخر, وغيرها من السلبيات التي نشرها الإرهاب لتكون بيئة مناسبة لقتل الإنسانية, وكان المرتكز الثالث هي البرامج الثقافية التي تم تعديلها وتطويرها لتناسب الحال المعاش وتتضمن حزمة أهداف أهمها بث قيم الولاء والانتماء في نفوس النشء وكانت المفاجأة أن هذا الهدف تحقق سريعًا دون عناء إذ وجدنا هؤلاء الأطفال هم من يعلمونا نحن كيف يكون الولاء وحب الوطن من خلال كلامهم وحكيهم عن سيناء ومصر ومن خلال رسوماتهم وألوانهم الزاهية بعلم الوطن والوضاءة بأحلامهم في مستقبل الوطن, ومن خلال أغانيهم وأشعارهم الدافئة بحب الوطن, وكان الهدف الثاني هو الحفاظ على الموروث الثقافي من الحرف التراثية والبيئية والسعي لأن تكون من أسباب الاعتمادية الاقتصادية للمرأة السيناوية, وكانت المفاجأة أن تعاون مشايخ سيناء ورجالها في التباري بإنشاء مراكز تدريب للمرأة السيناوية للنهوض بها ومساعدتهن في توفير إمكانات التدريب وخاماته ليكون المشروع حقيقيًا وتجلى الأمر في مدينة بئر العبد إذ قدم الشيخ حميد منصور ومشايخ بئر العبد متبرعين بمركز ومبنى ليضاف إلى خارطة المواقع الثقافية بالمدينة وكذلك قدم السيد محافظ شمال سيناء النية بإهداء مبنى بمدينة الحسنة ليكون قصر ثقافة بالمدينة وكل تلك التقديمات في طور الإجراءات القانونية لإتمامها, وهذا إن دل على أمر فهو إيمان رجال سيناء باستعادة الثقافة لدورها تجاه بناء الانسان السيناوي بدءا من النشء واهتمامًا بالمرأة لأنهما عماد تنمية الإنسان وبنائه, والحديث ممتد إن شاء الله عن التنمية الثقافية بسيناء.