من المهفة إلى المكيف
نحن جيل تعاملنا مع الصيف بما تفرضه بيئتنا الطبيعية وبما نملك من إمكانيات وفرها الأجداد والآباء بحسب قدراتهم وبحسب ما اهتدوا إليه لتجنب حرارة الصيف والرطوبة، سواء في نوع المنازل صديقة البيئة أو بما اهتدوا إليه من عطايا الخير في ما كانت تجود به النخلة.
فكان تفنن الحرفيين قادهم إلى توفير ما كنا نسميه في بيئتنا بالمهفة والتي هي في متناول اليد، وعلمنا ونحن صغار بالاعتماد على هذه الأداة لتجنب الحر اللاهب فكان منظرها بالنسبة لنا ونحن صغار جميلاً خصوصًا وإنها أحيانًا تعمل بالألوان الطبيعية وتكون سهلة وسليمة في الاستخدام، فالله سبحانه وتعالى حبانا بالنعم التي هي في متناول الجميع، كما أنها من ناحية أخرى عند البعض بضاعة يمكن تسويقها والاستفادة من مبيعها ولو بدراهم معدودة، ولكنها أصبحت مصدر رزق لبعض الحرفيين، وكانت تباع في الأسواق الشعبية، ويحرص رب الأسرة على اقتناء ما تجود به يداه وإن كان البعض ممن يملك النخيل يتفنن في صنع المهاف الملائمة والمتنوعة.
ومع التطور الحادث عالميًا والاختراعات التي جاءت إلينا من الخارج وبالذات من شبه القارة الهندية تم استيراد المراوح بأنواعها السقفية والأرضية عندما دخلت الكهرباء إلى بيوتنا، وتطورت الحالة إلى أن أصبح طموحنا لا يقف عند حد المراوح وجاء المكيف بأنواعه وأشكاله وماركاته ليضيف إلى حياتنا في مواجهة حر الصيف بعدًا آخر وميزات ما كنا في يوم من الأيام نحلم بها، وإن كان المكيف يكلفنا غاليًا ولكنها سنة الحياة في التطور والنمو وقدرة الإنسان على التكيف وإختراع كل ما من شأنه توفير الراحة والاطمئنان له ولأفراد أسرته ولمن يعيل، وهذا بالطبع ما يمكن أن نطلق عليه ضريبة العصر.
نحن في زمن مطلوب منا أن نكيف حياتنا بما يعود علينا بالخير وعلى أسرنا وعلى من نعيل بالأمن والطمأنينة والأمان وكذلك الشأن في أوطاننا التي نعيش فيها ونشعر بالأمن والأمان، وإن من واجبنا شكر النعم فنحافظ على مكتسبتنا الوطنية، ونكون شركاء مع غيرنا ومع أولى الأمر في إشاعة الخير والعيش المشترك بما يعود علينا بالأمن والأمان، وإذا كنا في زمن مضى نكتفي بالعلم في مدارسنا الابتدائية والإعدادية والثانوية، إلى أن بلغ طموحنا إلى الدراسة الجامعية في أوطاننا أو أوطان أشقائنا في البلدان العربية أو في دول أجنبية صديقة، حتى بلغ طموح أبنائنا للدراسات العليا من الماجستير إلى الدكتوراة وذلك طلبًا للعلم النافع الذي نخدم به الأجيال والأوطان.
سيظل طموح الإنسان لا يقف عند حد ويشعر الآباء أنهم مسؤولون مما يمكن أن يحققه الأبناء والأحفاد من وظائف متنوعة كالطب والهندسة ومختلف العلوم الإنسانية، ويقاس تقدم الأمم بما يحمله أبناؤها من تجارب علمية وعملية ناجحة، وبالمسؤوليات التي يضطلعون بها.
كلما سمعت عن أمم حققت الكثير في غضون سنوات قليلة، تذكرت نصائح الأجداد والآباء، وهم يحثوننا على العلم والمعرفة والاستفادة من الأمم الأخرى، فقد انفتحوا على الدنيا عندما قادتهم الأسفار إلى بلدان مجاورة أو بعيدة طلبًا للرزق أو التبادل التجاري ووجدوا ما قام به أبناء تلك الأمم والحمد لله أنهم قادوا سفينة العطاء بجهدهم ومثابرتهم وتواضعهم في فهم معطيات الحياة وبما حباهم الله من خير في بلدانهم، وشعروا إن من واجبهم أن تسير سفينة الوطن بالأمن والأمان.
ونحن اليوم نحمد الله جلت قدرته أن أوطاننا أدركت قيمة العلم النافع وأولي الأمر أخذوا على عاتقهم أن تكون أوطاننا في مصاف الدول المتقدمة وأن نستفيد من معطيات العصر بما يعود على أبنائنا ووطننا بالخير..
إن التمعن في الأشياء ولو كانت في بدايتها بسيطة فإنها بلا شك تعلمنا دروسًا في الحياة لابد منها، إننا بلا شك نتطلع إلى المزيد من العطاء وإذا كنا أحياناً نعجز عن المواكبة كآباء فإننا بلا شك نأمل في أبنائنا الخير، فمعطيات العصر وتقنياته تشكل تحدياً وعلينا أن نقتدي بقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه «اتقوا الله في أبنائكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
إن التربية والتعليم وخوض تجارب الحياة، والأخذ من الغير بما ينفع ليس به نقيصة أو عيب، فالآباء الذين تغربوا في بلاد الله الواسعة أخذوا الكثير مما ينفع واهتدوا إلى تطبيقه في حياتهم اليومية بما ينفعهم وينفع أوطانهم.
فنحن معنيون بالتواصل مع الأمم الأخرى بما ينفع ويناسب ولا يتعارض مع قيمنا التي غرست فينا عقيدة وتربية وتجارب ناجحة في الحياة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي