تاريخ القضاء في البحرين مرجع لا غنى عنه
أجدُ نفسي أمام كتاب وثائقي علمي متخصص، سفر من تاريخ القضاء في البحرين لمؤلفه معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بدرجة وزير منذ العام 2018م، فمعاليه ابن القضاء البحريني وأحدُ أعمدته حتى بات القضاء في البحرين قلعة شامخة يهتدي بها، وفي مقدمته للكتاب ذكر معاليه: «وعند تشرّفي بلقاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، قال لي جلالته بأننا ننتظر منكم عملاً توثيقيًا عن تاريخ القضاء في البحرين، باعتباركم أحد الذين خدموا في سلك القضاء البحريني منذ العام 1966م، وكم كان ذلك التكليف الملكي دفعًا وتحديًا لي في الوقت نفسه، للبدء في تأليف كتاب يدون تاريخ القضاء في البحرين وتطوره، لما لهذا المرفق من أهمية بالغة».
إن تصفح هذا الكتاب المؤلف يطوف بك إلى التاريخ القديم لمملكة البحرين منذ العصور القديمة إلى الفتح الإسلامي ودخول البحرين في الإسلام، مع تلك الشواهد من التاريخ القديم والمعاصر، والحديث ومدن وقرى شهدت تاريخًا وممارسة للقضاء وإحقاق الحقوق، والواجبات واللجوء إلى العدالة الناجزة في حال الإختلاف في الرؤيا وإثبات الحقوق.
والمؤلف كما ذكر في مقدمته: «لقد عقدت العزم على أن يغطي الكتاب زمنًا يقع ما بين عامي 1783-2021م أي منذ دخول عائلة آل خليفة الكرام وقيام الدولة الحديثة في عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح ككيان عربي إسلامي».
وفي معرض هوية هذا المؤلف ذكر معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة: «وقد حرصت على ألا يقتصر ذلك على توثيق ظواهر القضاء بل يتعداه إلى تأثيراته الاجتماعية والدينية التي حدثت في البحرين، وقد حرصت على ألا يقتصر ذلك على توثيق ظواهر القضاء بل يتعداه إلى تأثيراته الاجتماعية، وتفسيرها فالبحث كما هو متعارف عند أهل العلم هو طلب الشيء وإثارته وفحصه، لذلك كان الهدف هو أن نقوم باستقراء تاريخي بالتوازي مع الإستنباط الاجتماعي، وألا نكتفي بالأشياء المجردة، أو التطبيق دون المبدأ كي نصل إلى نتائج تكون جلية أمام القارئ الكريم».
وفي شرح معاليه عن طبيعة هذا المؤلف الثرى قال: «وقد ضمنت الكتاب مدخلاً تاريخيًا اجتماعيًا وخمسة فصول تحتوي على عدد من المباحث والمطالب تغطي الفترة المرصودة فالمدخل التاريخي والإجتماعي يتحدث عن البحرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ يصف نظام الحكم فيها، وأحوال الناس ومعاشهم، أما الفصل الأول فخصصته للحديث عن النظام القضائي في عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح وحكام آل خليفة من العام 1783م ولغاية 1869م ونظام التقاضي آنذاك الذي كان متناسبًا مع تلك الفترة والنماذج التي كانت سائدة، إذ لم يكن من الصائب ونحن نتحدث عن تاريخ القضاء في البحرين منذ أكثر من قرنين، أن نبدأ الحديث دون الإشارة إلى طبيعة نظام الحكم والمجتمع في تلك الفترة البعيدة».
وفي منهجية علمية لهذا الكتاب ذكر المؤلف: «وقد حرصت أن أتناول موضوع القضاء في البحرين تحليلاً لا سردًا فقط؛ لأنني أعتقد بأن التحليل يزيح الجمود عن الوقائع ويمنحها قبولاً في القلب والعقل، فالسرد الجامد يميت الكلمات ويباعد الحروف، ويضعف المعنى».
وباستعراض فصول الكتاب نلمس مقدار الجهد العلمي الذي بذل في تأليف الكتاب واستعراض للجهود التي بذلت ليكون القضاء في البحرين محط إهتمام الباحثين والدارسين والمهتمين بالقضاء وتاريخه وتقسيماته ومن هذه الفصول: «مدخل تاريخي إجتماعي للبحرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر» والنظام القضائي في عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح وحكام آل خليفة في الفترة من 1783-1869م.
والفصل الثاني من الكتاب يتحدث عن «النظام القضائي في عهد حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في الفترة من 1869-1932م، ونجله حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في الفترة من 1932-1942م أما الفصل الثالث فيتناول: «تطور النظام القضائي في عهد صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة 1942-1961م والفصل الرابع يتناول تطور النظام القضائي في عهد صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة 1961-1999م. ويتناول الفصل الخامس «النظام القضائي وتطوره في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه».
إن المؤلف لأمانته وتخليدًا لذكرى قضاة البحرين فقد أشار «وقد حرصنا أن نضمن الكتاب قائمة بأسماء جميع من تولوا شرف القضاء في البحرين منذ القرن الثامن عشر ولغاية الآن تخليدًا لأسماء من دخلوا هذا المرفق المهم، مع وضع ملحقين؛ واحد للوثائق التاريخية وآخر للصور إيمانًا منا بأن ذلك يزيد من تعزيز فكرة الكتاب».
إن المؤلف حرص على توضيح بعض الأمور والقوانين والمحاكم التي مرت بتاريخ القضاء البحريني وهي على سبيل المثال لا الحصر «محكمة سالفة الغوص» و«محكمة دار الاعتماد» و«المجلس العرفي» وأحكام «الرّي» و«المحكمة المشتركة الكبرى» و«المحكمة المشتركة الصغرى» و«المجلس العرفي» مع التطرق إلى التطوير القضائي «كتطور الأنظمة القضائية» و«تطور أنظمة العمل في المحاكم من الناحيتين القانونية والإدارية». بالإضافة إلى الإشارة إلى تأسيس المؤسسات ذات العلاقة؛ كتأسيس دائرتي الأوقاف، وإنشاء دائرة أموال القاصرين، والتدريب القضائي، وعمل المحاكم.
كما تطرّق المؤلف إلى تطور النظام القانوني والتشريعي ومنها القانون الدستوري وقانون إنشاء المجلس التأسيسي، وإصدار الدستور، وقانون محكمة التمييز، وقانون إنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
ومشروع ميثاق العمل الوطني وتعديل الدستور وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون إنشاء المحكمة الدستورية. بالإضافة إلى الإشارة إلى قانون العقوبات والتدابير البديلة، وقانون العدالة الإصلاحية والقانون المدني، وفتح مكاتب المحاماة الأجنبية، وإنشاء المجلس الأعلى للقضاء وإصدار قانون الأسرة.
ولكون هذا الإصدار يسدُ نقصًا في المعلومات عن النواحي التشريعية والقضائية فقد حرص المؤلف على توضيح ذلك في ختام الكتاب «وأخيرًا أقول بأننا توخينا أن نتبع منهجًا توثيقيًا وتفسيريًا في آنٍ واحد مع مراعاة اللغة القانونية في المواضيع التي ينبغي فيها ذلك بهدف المحافظة على السياق وفهم المطلب، وأننا نأمل أن يسهم هذا الكتاب في رفد المكتبة البحرينية والمكتبات بصورة عامة معتقدين بأن باب العلم والتوثيق لا يزال مفتوحًا أمام الباحثين لأن يسبروا غور الجوانب التي مازالت بحاجة إلى إشباع».
إن هذا الكتاب التوثيقي العلمي المتخصص بتاريخ القضاء في البحرين الحاجة إليه ماسة والاستفادة مما ورد فيه تعد مرجعًا لمن يعمل في سلك القضاء ومن له اهتمامات عدّة في هذا الشأن؛ فشكرًا لمعالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على هذا الجهد المقدر.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..