معذرة أولادنا وأحفادنا
كانت في مدارسنا الابتدائية جمعية الزراعة تعلمنا كيف نزرع ونعتني بما نزرع
قيل في أمثالنا: «اللي ما له أول مالا تالي» ويعنون بذلك الشيء الكثير يبدأ بالذات البشرية وينتهي إلى المجموع وربما الدولة والأمة، فكل شيء عندهم يبدأ بالبذرة الأولى ولذلك فقد قالوا أيضاً «الحب يطلع على بذره»... تنازلنا عن أشياء كثيرة نعم، في حياتنا وأسلوب عيشنا... كان من الأولى التمعن والحرص على دراسة واقعنا ومعطياته دون الإغفال عن المستقبل المنظور والمستقبل الذي هو في حكم الغيب... لكنها ربما تغيرات الحياة التي فرضت نفسها على الجميع فبتنا نبحث ربما عن الخلاص، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وعقيدياً... ونسينا أن نتصارح ونسهم في التغلب جميعاً على ما يواجهنا من أخطار... قيل عدم المحافظة على البيئة سيؤدي قطعاً إلى آثار وخيمة ومنها تعرض بيئتنا إلى الجفاف أو ربما القحط، فنشطت المنظمات وجماعات السلام الأخضر، كما أصدرت الأمم المتحدة والتجمعات الإقليمية والمنظمات الدولية الأخرى القوانين والتشريعات التي من شأنها المحافظة على البيئة من التلوث، وتقنين مشاريعنا الصناعية وبما يحافظ على بيئتنا ويجعلنا نتنفس الهواء العليل ولا يكون ذلك إلا بالحرص على التشجير وزيادة الرقعة الخضراء.
ألم يكن أجدادنا وآباؤنا بحكم الفطرة التي خلقوا عليها مدركين بما لا يدع مجالاً للشك قيمة أن تزرع في بيتك نخلة، أو شجرة اللوز، أو الكنار، أو الصبار والليمون في خليجنا العربي وفي بلاد الشام، الزيتون، والرمان، والبرتقال والتفاح وفي مصر النخيل وشتى أنواع الخضار والفواكه كالموز والجوافة والمانجو والفراولة والمشمش أو الزيتون والبطيخ بأنواعه وقس على ذلك في السودان والعراق وفلسطين والمغرب والجزائر، وليبيا وتونس وموريتانيا والصومال واليمن وجميع بلدننا العربية بدون استثناء.
كان الأجداد والآباء يريدون منا أن نأكل كل ما هو طازج زرعناه بأيدينا وبعرق جبيننا في كل أقطارنا العربية من المحيط إلى الخليج العربي مع هذا التنوع الجميل حتى في أنواع الرطب في جميع بلداننا العربية أشكالاً وأحجاماً ومذاقاً فكأننا كان مطلوباً منا أن نستفيد من بعضنا بعضاً ويتم التكامل الزراعي بيننا كأمة عربية ونتبادل التجارة فيما بيننا مما يغني عن حاجتنا إلى الغير، بل هي ثروة طبيعية وطنية بامتياز... وقل على ذلك ثروات بحارنا المحيطة بنا والتنوع الخصب في أعماقها مما يفيدنا صحياً، واقتصادياً وتجارياً، علاوة على فوائدها الإستراتيجية في التنقل والمواصلات، والاستفادة من خيراتها صناعياً وتقنياً...
نعم نعجز أن نعدد الفوائد والعوائد لكننا لسنا غافلين عنها... نحتاج إلى العلم نعم مع الإرادة في التغيير والنية الصادقة في الاستفادة من معطيات الطبيعة عندنا. قال تعالى في محكم التنزيل: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)» سورة عبس.
نفرح عندما يطلق الخيرون في بلادنا حملة للتشجير وجعل أراضينا خضراء يانعة، ويبدون إهتماماً فائقاً بأراضينا الزراعية، ويسنون التشريعات التي تحمي أراضينا من التصحر، وتكسبها الغطاء الأخضر الذي يسر الناظرين، أراضينا والحمد لله تعطي الكثير إذا ما اعتنى بها... في كل شخصية عربية قطعاً اهتماماً بالزراعة ويرتاح لرؤية الأخضر في بيته وفي حيه وقطعاً في وطنه...
معذرة أولادنا وأحفادنا إن مضت الأيام والسنون ونحن لم نترك لكم أثراً يدل على أن بلادنا كانت في يوم من الأيام زراعية بامتياز... ولم نعلمكم كيف تزرعون وتحصدون؛ فأيديكم عندما تلمس شجرة وتقطفون ثمارها اليانعة تدركون قيمة أن تكون مزارعاً تسهم في اقتصاد بلادك وتأكل ما تزرع يديك فتحس بقيمة أن تكون مواطناً مسهماً في زراعة أرضك وتملك قرار إرادتك في أن تكون منتجاً ومساهماً وفاعلاً في البناء والتنمية.
أتذكر أنه في مدارسنا كانت عندنا جمعية الزراعة مثل جمعيات أخرى تتبناها المدارس من المراحل الإبتدائية الأولى وكان مدرس الزراعة يعلمنا كيف نزرع ونسقي الزرع ونتعهده بالرعاية والإهتمام، فأصبحنا غيورين على ما نزرع ونحاول أن ننقل ذلك إلى مجتمعنا، ونسهم في الوعي بأهمية أن تزرع في بيتك ولو شجرة.
أولادنا وأحفادنا فيكم البركة والله يكون في عوننا جميعاً لبلوغ أهدافنا والوصول إلى حل الكثير من مشاكلنا العالقة وبالذات الغذاء والدواء فنحن معكم إن شاء الله سنتكاتف لخلق بيئة نظيفة نعيش مع بعضنا بعضاً في وئام وانسجام.
وعلى الخير والمحبة نلتقي