القمة الاقتصادية الأمريكية- الإفريقية ورقة واشنطن لسحب البساط من التنين الصينى بالقارة السمراء
د.محمد بغة: القمة تهدف لممارسة ضغوط سياسية لصالح أمريكا
د.بسنت فهمى: محاولة لفتح أسواق القارة للبضائع الأمريكية الراكدة
جاءت القمة الاقتصادية الامريكية- الافريقية الاولى فى واشنطن بين الولايات المتحدة الامريكية والقارة السمراء التى عقدت فى الفترة ما بين 4 و7 أغسطس الجارى تحت عنوان «الاستثمار فى الجيل القادم» بحضور نحو خمسين من قادة الدول الإفريقية.
لتطرح العديد من الاسئلة على الساحة الاقتصادية والسياسية فى ملف علاقات امريكا بالدول الافريقية تتمثل فى لماذا تسعى امريكا للتقارب مع افريقيا اقتصاديا وما هو الهدف المعلن والخفى فى انعقاد هذة القمة خاصة أن القمة بحثت سبل تدعيم العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية ومستقبل الاستثمار فى إفريقيا وتعزيز وتوسيع نطاق التجارة وفرص الاستثمار وتدعيم التنمية المستدامة فى افريقيا .
كما بحثت ايضا قضايا السلام والاستقرار الإقليمى خاصة بعد تزايد الصراعات فى عدد من الدول الإفريقية فى السنوات الأخيرة ومراجعة سبل تحسين إدارة ومعالجة تلك الصراعات وتحقيق الاستقرار فى القارة، وتدعيم الإدارة والحكم فى إفريقيا خلال الجيل القادم وسبل تعزيز الأنظمة الديمقراطية على المدى الطويل والاستثمار فى الشباب.
وتجدر الاشارة ان فكرة القمة قد جاءت بعد الجولة الإفريقية التى قام بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما الصيف الماضى التى زار فيها كلا من السنغال وجنوب إفريقيا وتنزانيا .
وفى هذه الزيارة أوضح الرئيس الأمريكى رؤيته وطموحاته بالنسبة للقارة الإفريقية حيث أكد ان الولايات المتحدة ستلعب دورا محوريا لنقل القارة الإفريقية إلى المرحلة التالية من النمو واندماجها فى الاقتصاد العالمى بحيث تعود الفائدة على الشعوب الافريقية،
وجدير بالذكر ان أهداف هذه القمة قد انحصرت فى عدة نقاط أهمها تعزير التعاون الاستراتيجى والأمنى والحفاظ على المصالح الاقتصادية الأمريكية فى مواجهة التغلغل الصينى فى إفريقيا، وتأمين الاحتياجات البترولية حيث تستورد 17% من احتياجاتها من إفريقيا، ويتضح من خلال الأرقام الرسمية المتعلقة بانتاج واحتياطى البترول فى إفريقيا مدى الأهمية التى تعلقها الولايات المتحدة الأمريكية على القارة السوداء فقد قدَّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أنكتاد) فى العام 2001 حجم احتياطى البترول فى القارة 80 مليار برميل، أى ما نسبته 8 % من الاحتياطى العالمى الخام واصبحت إفريقيا تنتج ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً، أى ما يعادل إنتاج إيران وفنزويلا والمكسيك.
فخلال السنوات العشر ما بين 1992 و2002 زاد انتاج إفريقيا بنسبة 36 % مقابل 16% لباقى القارات، كما ذكر مجلس الدراسات والأبحاث الوطنى الأمريكى فى دراسة له إن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تستورد من الآن وحتى العام 2015 ما يقرب 25 % من احتياجاتها من البترول من إفريقيا، وذلك مقابل 16 % فى الوقت الحالى.
ولذلك تعتبر إفريقيا افضل من يمدها بالطاقة حيث تسهم القارة الافريقية بـ12% من الانتاج العالمى وتصدره 20 دولة أبرزهم نيجيريا والجابون وأنجولا وجنوب إفريقيا التى تعد أكبر شريك تجارى لواشنطن.
كما تسعى امريكا لخلق اسواق جديدة والاستفادة من السوق الإفريقية لتصريف المنتجات الأمريكية فى العقبات التى تواجة الاسواق الأمريكية التقليدية فى أوروبا ويتحقق ذلك فى إطار اتفاقية «الاجوا» التى ساهمت منذ إنشائها عام 2000 وحتى العام الماضى إلى ارتفاع واردات امريكا لإفريقيا، حيث زاد حجم التبادل التجارى بين الدول الموقعة على الاتفاقية وأمريكا من 6,7 مليار دولار إلى 24 مليار دولار ففى العام الماضى استوردت الولايات المتحدة سلعا قيمتها 3,39 مليار من إفريقيا لتمثل 7,1% من إجمالى الواردات الأمريكية كما بلغت قيمة الصادرات إلى إفريقيا بقيمة 24 مليار دولار لتمثل 5,1% من إجمالى الصادرات الامريكية .
وعن هذه القمة الاقتصادية الاخيرة يقول الدكتور محمد بغة استاذ ادارة التنمية واساليب الادارة ومحلل السلوك السياسى بجامعة قناة السويس ان قمة واشنطن الاخيرة بين امريكا والقارة السمراء والتى حضرها 50 دولة إفريقية لها عدة ابعاد.
اولا البعد الاقتصادى ويتمثل فى ان افريقيا قارة غنية جدا بالموارد ولكن الشعوب الافريقية غير قادرة على استغلال هذة الموار بسبب عدم وجود ادارة للموارد واول هذه الموارد هى المواد البترولية التى تسعى امريكا للسيطرة عليها بسبب الهاجس التى ينتاب الادارة الامريكية ان احتياطى امريكا من البترول سينضب خلال فترة وجيزة لن تتعدى عام 2050.
اما ثانى الابعاد للقمة البعد الاستراتيجى وتهدف امريكا من خلالها الى التعمق فى العمق الافريقى والضغط على الشمال الافريقى لصالح امريكا من خلال سياسات اقتصادية بالتحكم بطريق غير مباشر لخلق قلاقل فى الشرق الاوسط ايضا وهو ما يعرف بحروب الجيل الرابع والتى تهدف امريكا من خلاله هذه الحرب الى اضعاف دول وانهاك دول اخرى بما يعرف بمخطط الدول الفاشلة.
ويؤكد بغة ان التقارب المصرى- الافريقى الاخير التى سعت اليها مصر للعودة الى الريادة الافريقية منذ انتخب الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو ما ظهر جاليا فى مفاوضات سد النهضة تسبب فى ازعاج الادارة الامريكية مما جعلها تسعى للتقارب الاقتصادى واستغلال المنظمات المالية العالمية لخلق تحالفات سياسية واقتصادية وثقافية مع افريقيا ولكن كان لمصر السبق فى ذلك من خلال انشاء تعاون مصرى- افريقى جاد من خلال انشاء صندوق شراكة صندوق دعم فنى بين مصر وافريقيا ويشير بغة الى ان امريكا تسعى لخلق نوع من التوازن دخل القارة بعدما توغل النمور الاسيوية فى القارة السمراء والتقارب الشديد التى حدث بين الدول الافريقية والصين والهند بجانب ان امريكا تعلم ان محور تنمية قناة السويس سيكون الطريق الوحيد فى العالم للتقارب بين افريقيا وباقى دول العالم وهو ما سيجعل مصر المسيطر الرئيسى على طرق التجارة ونقل البضائع من عام 20 20.
وعن هذا القمة الاقتصادية تقول الدكتورة بسنت فهمى استاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية ان نظرة امريكا ومحاولة التقارب مع افريقيا ليست جديدة فهو مخطط لها منذ اكثر من 20 سنة وهو ما دفع الرئيس الامريكى السابق بيل كلينتون الى زيارة عدد من الدول الافريقية استمرت اكثر من 10 ايام فى ذلك الوقت ويهدف التقارب الى ان افريقيا قارة مليئة بالثروات وتسعى امريكا دائما للاستفادة منها ويعد المؤتمر الاخير بمثابة اشارة البدء لتدشين لاستثمارات الامريكية فى افريقيا على عدة محاور ابرزها لحصول على البترول وفتح اسواق جديدة للبضائع الامريكية والحد من التوغل الصينى فى القارة.
ويرى الدكتور مصطفى النشرتى استاذ الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ان السيطرة على الثروات المعدنية والحصول عليها بارخص الاسعار هو الهدف الاول للولايات المتحدة من هذا التقارب كما ان تحجيم العلاقات الصينية فى القارة التى توغلت اقتصاديا فى كل الدول.
وعن الدور المصرى يؤكد النشرتى ان الدور المصرى عاد بقوة فى افريقيا فى الفترة الاخيرة وهو ما جعل امريكا تعقد القمة الافريقية- الامريكية خاصة ان عودة الدور المصرى يقلق امريكا ويقلص من دور اسرئيل بعدما كانت لاسرئيل الكلمة المؤثرة طوال العقدين الاخيرين وهو ما ظهر فى محاولات بعض الدول بالاضرار بالامن القومى المصرى فى ملفات بعينها.
ويرى الخبير الاقتصادى محمد نور ان هدف أمريكا من المؤتمر كان واضحًا، وهو عقد شراكة تاريخية ودائمة مع إفريقيا، وهو ما تجلى فى دعوة الولايات المتحدة 50 شركة استثمارية على مستوى القارة وكان نصيب مصر منها 4 رجال أعمال، لافتًا إلى أن أمريكا كشفت عن نواياها فى فتح أسواق استثمارية فى كل من موزمبيق وتنزانيا وزامبيا وغانا لما تحويه هذه الدول من فرص نمو حقيقية كما تعد أسواقاً جاذبة جدا للاستثمارات.
بالرغم من أنه كان هناك ترحيب كبير من إفريقيا لعودة مصر إلى ريادة وزعامة القارة السمراء مرةا خرى لا ان امريكا تخشى الدور المصرى وقامت بالدعوة لهذه القمة.
ويدعو نور الى عمل تكتلات اقتصادية افريقية بعد عودة مصر لتصدر المشهد الافريقى على غرار السوق الاوروبية المشتركة، على ان يبدأ هذا التكتل بالتركيز على 4 دول افريقية مع مصر لتفعيل تنظيم الكوميسا معهم وصولا الى السوق الافريقية العربية المشترك، لا بد من وجود دور للعرب ومصر بالذات ولا نترك الساحة لامريكا والصين، نحن الاقرب الاكثر حرصا على المصالح الافريقية.
خاصة بعدما ابدى المستثمرون فى امريكا رغبتهم فى الاستثمار فى مصر ايضا، لان الفرص فى السوق المصرية واعدة ويرشح نور لعمل التكتل الاقتصادى كلا من دول مصر والسودان بشطريها والكونغو الديمقراطية وربما اثيوبيا بعد حل مشاكل سد النهضة، وايضا افريقيا الوسطى بعد الانضمام للكوميسا لتعطى ارضا وطريق متصل بريا للتكتل وهذا امر هام لنجاح التكتل.
وعن المجالات الاستثمار فى افريقيا يرى نور ان مجال الطاقة مهم لمصر ولإفريقيا فهناك نقص ومشكلة كبيرة فى الطاقة لاسيما الطاقة الكهربائية، وهى مشكلة اخطر فى البلاد افريقيا الاخرى واكثر من 80% من المنازل الافريقية بلا كهرباء، ويعيشون ليلا على ضوء الشموع وقد ركزت القمة الأمريكية- الإفريقية على ثلاث قضايا رئيسية وهى مستقبل الأستثمار فى إفريقيا، وسبل تعزيز وتوسيع نطاق التجارة وفرص الاستثمار، وتدعيم التنمية المستدامة فى إفريقيا. وهى تعتبر نفس اهداف سوق دول شرق افريقيا المعروفة بالكوميسا ومصر عضوة مع 19 دولة اخرى فى هذا التنظيم لهذا اقترحت تفعيل اهداف الكوميسا مع التركيز والبدء بعدد محدود من الاعضاء، كما بدأت السوق الاوروبية بعدد محدد من الدول.
ويدعو نور الى انشاء طرق برية متصلة بين نواة السوق العربية- الافريقية استخداما لاتفاقية الكوميسا الموقعة التى لم تفعل تفعيلا مناسبا حتى الآن وقتها يمكننا ترجمة فرص النمو الاقتصادى السريع ليؤدى إلى تحقيق تنمية مستدامة لخدمة مواطنى القارة، وهو الأمر الذى سيوفر فرصًا هائلة فى العديد من المجالات ويهدف هذا التكتل الى تنفيذ اهداف تكتل الكوميسا، والتى تشبه اهداف السوق الاوروبية،وهي تتمثل فى التقدم اقتصادى، حرية حركة وانتقال رأس المال بين الاعضاء، مشاريع اتحادية ضخمة، حرية حركة العمالة، وآخرها اطلاق عملة افريقية موحدة.
ويؤكد نور ان هذا التكتل سيؤدى الى السيطرة على خطوط الملاحة البحرية المختلفة فى 5 قارات وهي آسيا وإفريقيا واوروبا وامريكا الجنوبية وامريكا الشمالية من خلال التحكم فى كل الطرق البحرية فى العالم وما يساعد فى هذا هو انشاء محور قناة السويس الجديد.