د.أيمن زهرى: مصر تواجه العديد من التحديات فى سوء التوزيع السكانى وجودة التعليم وقلة الوعى بخطورة المشكلة السكانية
نسرين قاسم
قال الدكتور أيمن زهرى أستاذ الدراسات السكانية والهجرة بالجامعة الأمريكية فى حوار خاص بالسوق العربية المشتركة أن عدد سكان مصر قد ارتفع من 20.7 مليون عام 1950 إلى 69.9 مليون بحلول عام 2000، ثم توالى الارتفاع ليصل عدد السكان إلى 93.8 مليون عام 2015. طبقا لإسقاطات السكان، من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 119.7 مليون نسمة عام 2030 وهو ما يعادل 127.7 بالمائة من إجمالى السكان عام 2015. بحلول عام 2050 وأن مصر مازالت تواجه العديد من التحديات. تتمثل التحديات الديموغرافية المتمثلة فى سوء توزيع السكان وتحديات اخرى تتعلق بجودة التعليم وقلة الوعى بخطورة المشكلة السكانية
■ هل لدينا مشكلة سكانية؟
- نعم لدينا مشكلة! المشكلة التى تواجهنا هى طول فترة المرحلة الانتقالية، طول فترة مرحلة الانتقال إلى فارق مقبول بين معدلات المواليد والوفيات يفى بحاجة النشاط الاقتصادى ولا يؤدى إلى زيادة عدد الأطفال أقل من 15 سنة وبالتالى زيادة الداخلين إلى سوق العمل وما يمثله ذلك من أعباء توفير الرعاية الأساسية للأطفال خاصة التعليم والصحة، وكذلك عبء توفير فرص العمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل. لكن السؤال الأهم، هل أُخِذنا على حين غِرّة، أى هل هذه أزمة أو كارثة مفاجئة مثل الكوارث الطبيعية، الزلازل والبراكين والفيضانات مثلا؟ بالطبع لا، فبرامج التوعية بأخطار الزيادة السكانية بدأت فى نفس التوقيت التى بدأت فيه فى العديد من دول العالم النامى منذ ستينات القرن الماضى وتلقت مصر ملايين الجنيهات من الهيئات الدولية لدعم تلك البرامج.
■ لماذا تعتبر القضية السكانية مشكلة بالنسبة لمصر حاليا؟
- تتمثل المشكلة السكانية فى عدم التوافق بين حجم السكان وتوزيعهم المكانى (الجغرافي) وخصائصهم من ناحية، وبين موارد المجتمع والتنظيم الاجتماعى والاقتصادى لاستغلال تلك الزيادة السكانية من الناحية الأخرى. وقد اهتمت مصر بالزيادة السكانية وتداعياتها السلبية منذ وقت بعيد. ظهرت البوادر الأولى للاهتمام بالمشكلة السكانية فى مصر عام 1936 فى كتاب العالم المصرى الدكتور محمد عوض محمد بعنوان سكان هذا الكوكب. فى عام 1937 عقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمرًا عن تنظيم الأسرة من الناحية الصحية. فى عام 1966 تم تأسيس الجمعية المصرية لتنظيم الاسرة. فى عام 1965 قامت مصر بأنشاء المجلس الاعلى لتنظيم الاسرة برئاسة رئيس الوزراء. فى عام 1972 أعيد تشكيل هذا المجلس باسم المجلس الاعلى لتنظيم الاسرة والسكان وأعلنت الحكومة سياسة وطنية جديدة للسكان لمدة عشر سنوات عرفت بالمدخل الاجتماعى والاقتصادى لخفض الانجاب. فى عام 1984 انعقد مؤتمر لتقييم السياسة القومية للسكان عن الفترة من 1972 إلى 1982 وقد انتهى المؤتمر بإصدار توجيه بانشاء المجلس القومى للسكان. فى عام 1985 صدر القرار الجمهورى رقم 19 بإنشاء المجلس القومى للسكان ليكون مسؤولًا عن مواجهة المشكلة السكانية جنبًا إلى جنب مع بعض الأجهزة الحكومية والأهلية التى تعاونه فى تحمل هذه المسؤولية. توالت بعد ذلك الكيانات المؤسسية المعنية بالمسألة السكانية، مع الاحتفاظ بالمجلس القومى للسكان، حيث قامت الدولة باستحداث منصب وزير الدولة للأسرة والسكان قبل انعقاد مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 ثم تم إلغاء المنصب وعودته مرة أخرى ثم إلغائه مجددا وتعيين نائب وزير لشؤون السكان مؤخرا تحت إشراف وزارة الصحة التى تغير اسمها لوزارة الصحة والسكان.
■ ما هو الدور الذى قامت به الجهات العاملة فى السكان طوال تلك السنوات؟
- يدرك العاملون فى حقل السكان فى مصر أن الزيادة السكانية فى مصر لا تتمثل فقط فى زيادة أعداد المواليد وإنما فى سوء التوزيع الجغرفى للسكان على خارطة مصر، وكذلك تدنى الخصائص السكانية وعلى رأسها ارتفاع معدلات الأمية وتدنى مؤشرات الصحة العامة. لذلك قامت ركائز السياسة السكانية على هذه المحاور الثلاثة: ارتفاع معدلات المواليد، الخلل فى توزيع السكان وتدنى الخصائص السكانية، إلا أن الاهتمام العام فى وسائل الاعلام دائما ما يصور المشكلة السكانية عادة على أنها زيادة عددية فقط وهو ما يجافى الحقيقة ويتناسى عنصر الكثافة السكانية، والأهم من ذلك عنصر الجودة متمثلا فى الخصائص السكانية.
■ هل يمكن الاستمرار على نفس النهج؟
- عندما تستنفذ كل نقاط التوازن بين منحنيى العرض والطلب لابد أن يتحرك المنحنيان ذاتهما حيث لا تصلح أى نقطة على المحورين للتوفيق بين العرض والطلب. فى علم الاقتصاد يتحرك منحنى العرض عندما تظهر موارد جديدة للدولة مثل اكتشاف احتياطى كبير من النفط أو الغاز أو الموارد الطبيعية أو غيرها. يحدث ذات الشىء بالنسبة للطلب عند تغير أذواق المستهلكين أو ارتفاع قدراتهم الشرائية بشكل مفاجئ بما يؤدى لتحرك منحنى الطلب. فى التعامل مع المسألة السكانية يمكن القول أن المنحنيات القديمة، عرضا وطلبا، قد تم استنفاذ كل نقاط التلاقى بينها وأصبح من غير الممكن الوصول إلى نتائج أفضل فى ظل الوضع الحالى وباستخدام نفس الآليات القديمة وأصبح من المحتم الانتقال إلى منحنيات جديدة للمواءمة بين الطلب على الإنجاب والموارد المتاحة.
■ ما اهم التحديات التى تواجه الدولة المصرية فى الوقت الحالى؟
- على الرغم من الجهود المبذولة لمواجهة المشكلة السكانية إلا أن مصر مازالت تواجه العديد من التحديات. تتمثل التحديات الديموغرافية فى الحالة المصرية كما أبرزتها الاستراتيجية القومية للسكان 2015-2030 فى الحقائق التالية:
1. ارتفاع معدل الإنجاب الكلى من ثلاثة أطفال لكل سيدة فى المتوسط قبل ثورة يناير 2011 إلى 3.5 طفل حاليا.
2. التأثير السلبى لعدم انتظام تقديم الخدمات العامة بعد ثورة يناير 2011 وهو ما انعكس بالسلب على خدمات تنظيم الأسرة وتوافر وسائل تنظيم الأسرة وعلى جودة الخدمات المقدمة.
3. زيادة نسبة الأُسَر تحت خط الفقر وتراجع مكانة المرأة بصفة عامة.
4. ارتفاع تأثير الزيادة السكانية على تراجع نصيب الفرد من الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات وكذلك تراجع نصيب الفرد من المياه والطاقة والأرض الزراعية.
5. تزايد التحديات البيئية التى تواجه مصر نتيجة للزيادة السكانية خاصة فيما يتعلق بالمياه والصرف الصحى والتلوث ونمو العشوائيات وضعف القدرة على ضبط منظومة التخلص من النفايات بما ينعكس على الحالة الصحية للمواطن المصرى.
6. تزايد تأثير التيار المحافظ فى المجال العام بما ساهم فى تراجع القيم الإنجابية التى تتبنى مفهوم الأسرة الصغيرة والمباعدة بين الولادات. ساهم هذا التيار أيضا فى نمو القيم المناهضة لتمكين المرأة وهو ما أدى لتراجع مكانة المرأة فى المجال العام.
7. استمرار درجة التفاوت فى المؤشرات السكانية والتنموية بين المناطق الجغرافية.
8. تراجع دور الإعلام فى مجال التعريف بالمشكلة السكانية والدعوة لتنظيم الأسرة وتبنى نمط الأسرة الصغيرة وتراجع قدرة ودور الإعلام الحكومى فى مواجهة الإعلام الخاص.
■ لماذا كل هذه المشكلات رغم ان النسبة الكبرى للسكان فى مصر فى سن الشباب؟
- التركيب العمرى الفتى للمجتمع المصرى فقد بلغت نسبة السكان أقل من 15 عاما حوالى ثلث السكان (33.1 بالمائة من إجمالى السكان) عام 2015 والتى من المتوقع أن تتشهد انخفاضا طفيفا لتصل إلى 29.5 بالمائة بحلول عام 2030 ما يزيد العبء على خدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.
■ هل هذا يعنى ان المجتمع المصرى من أكثر المجتمعات انجابا فى الوقت الحالى؟
- أدّت معدلات الخصوبة المرتفعة التى شهدتها مصر فى العقود السابقة إلى ارتفاع نسبة السكان فى الفئات العمرية الفتيِّة (أقل من 15 عامًا) مما أدى إلى اتساع قاعدة الهرم السكانى وإلى ارتفاع معدلات الإعالة العمرية والذى أدى بدوره إلى العديد من الانعكاسات السلبية على مستوى الأداء الاقتصادى. وعلى الرغم من انخفاض معدل الإعالة العمرية فى مصر من 82.9 عام 1980 إلى 61.8 عام 2015، إلا أن هذا المعدل مازال مرتفعًا جدًا ويعكس تأخرًا فى عملية التحول الديموغرافى فى مصر، خصوصًا إذا ما قورن ببلدان شرق آسيا على سبيل المثال (إندونيسيا 49.2، سنغافورة 37.3، وتايلاند 40.0) وكذلك مقارنا ببلدان عربية مثل تونس (45.6) ولبنان (47.3). وعلى الرغم من انخفاض نسبة صغار السن (أقل من 15 سنة) خلال العقود الثلاثة الماضية من 40.9 فى المائة عام 1980 إلى 33.1 فى المائة عام 2015، إلا أن درجة الانخفاض لم تكن بالقدر الذى يمكن إن يحقق نقلة كبيرة فى التركيب العمر للسكان لصالح جهود التنمية.
■ أخيرا من وجهة نظرك كيف تكون الاستراتيجية القادمة للمشاركة فى حل المشكلة؟
- لا يجب أن تتوقف الجهود الحالية، خاصة تلك الجهود المرتبطة بتقديم خدمات الصحة الإنجابية وتوفير وسائل تنظيم الأسرة وعلاج العقم كجزء من خدمات الرعاية الصحية الأساسية وخدمات الأمومة والطفولة وتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين وكافة الحقوق الأخرى التى كفلها الدستور المصرى لكافة المواطنين. لكن لا يجب أن نعوّل على تلك الجهود كثيرا فى خفض معدلات الزيادة السكانية، لأنه كما سلف الذكر، هامش المناورة فى هذه المسألة يظل ضعيفا جدًا ما لم نسعَ إلى إحداث التغير الهيكلى المنشود فى بنية المجتمع المصرى، أو بمعنى أدق ما لم نسعَ إلى زيادة وتيرة ذلك التغير الهيكلى فى بنية المجتمع.