«السوق العربية» تفتح ملف دعم الطاقة كريمة كريم: دعم الطاقة يمثل 80٪ من إجمالى الدعم بالموازنة وساعد على زيادة العجز
فى البداية يجب أن نعرف أن الدعم الحكومى للمنتجات هو تقديم هذه المنتجات التى يعتمد عليها المواطنون فى حياتهم المعيشية بسعر اقل عن طريق شراء هذه المنتجات بالاسعار العالمية وطرحها فى الاسواق بسعر اقل لتكون فى متناول المواطنين ومن أهم المنتجات التى تأتى فى مقدمة الدعم الحكومى فى مصر هى المنتجات البترولية التى حرصت الحكومات على توفير الكميات التـى يحتــاج إليها الســوق المحلــى، حيث يقوم قطاع البترول بشراء بعض المنتجات البترولية من الشركات الاستثمارية بالأســـعار العالمية مقومــة بالجنــيه المصرى بينما يتم بيعها مدعمة بالســـوق المحلى بأقل من تكلفة شرائها وينطبق هذا أيضا على بعض المنتجات البترولية التى يتم شراؤها من حصة الشريك الأجنبى أو التى يتم استيرادها من الخارج بالأسعار العالمية ومن أهمها البوتاجاز والسولار، ويتم بيعها بالأسعار المدعمة بالسوق المحلى، ويمثل الدعم الفرق بين سعر بيع المنتجات البترولية والغازات الطبيعية بالسوق المحلى وتكلفة توفيرها. وقد بلغت قيمة دعم الطاقة خلال العام المالى 2012/2013 حوالى 128.2 مليار جنيه.. كما بلغ اجمالى دعم الطاقة خلال الفترة من العام المالى2000/2001 حتى 2012/2013 حوالى 695.2مليار جنيه.
ولكن فى السنوات الاخيرة أصبح ملف دعم الطاقة مصدر الأرق والهم الاكبر للمسئولين فهو يتضخم كل عام ويزيد بشكل جنونى لا تستطيع معه الدولة السعى فى بناء نهضة قوية، فبعد أن ظهر لأول مرة فى موازنة عام 2006/2007 بنحو أربعين مليار جنيه تصاعد ليسجل نحو 125 مليار جنيه فى موازنة 2013/2014 أى ما يعادل ضعف ميزانية التعليم و4 أضعاف ميزانية وزارة الصحة وهو ما يسبب عجزا شبه دائم فى الموازنة العامة للدولة كل عام.
غير ان الحكومات المصرية المتعاقبة منذ 2011 تطلعت إلى انهاء منظومة دعم الطاقة الحالية التى تؤثر بشدة على عجز الموازنة المصرية ويتكبد الاقتصاد المصرى على اثرها خسائر فادحة وهو ما اوضحته التصريحات المختلفة للمسئولين فى حكومة المهندس ابراهيم محلب عن السعى الى تحريك الاسعار ورفع دعم الطاقة خلال الفترة المقبلة عن طريق ايجاد الحلول المختلفة ومنها على سبيل المثال وضع معايير لاستثناء بعض فئات المواطنين من الحصول على الدعم وهم غير المستحقين له وأيضا الكف عن دعم اصحاب الدخول المرتفعة والاثرياء.
فى البداية أكدت الدكتورة كريمة كريم أستاذ الاقتصاد بجامعة الازهر أن دعم الطاقه يذهب الى القادرين اقتصاديا، وهو فى الوقت نفسه يمثل نحو 80% من إجمالى الدعم بالميزانية ويساعد على زيادة العجز بها. ومعنى ذلك أنه أول أنواع الدعم الذى يجب التصدى لها ورفعها، ولكن فى الوقت نفسه مع عدم الإضرار بمنخفضى الدخل والفقراء فى المجتمع. فعلى الرغم من أن دعم الطاقة من الكهرباء والمواد البترولية من بنزين وسولار، يذهب أساسا الى الفئات الغنية ومتوسطة الدخل فى المجتمع المصرى، الا أن جزءا من هذا الدعم، وهو الجزء الأصغر، يذهب الى منخفضى الدخل والفقراء وهذا يجب عدم المساس به على الإطلاق لأنه يمثل سندا كبيرا لهذه الفئات.
وقالت استاذة الاقتصاد علينا أن نتدبر أثر رفع أسعار البنزين والسولار على تكلفة النقل، سواء للأفراد، الذى سيؤدى الى زيادة تعريفة الميكروباص التى يستخدمها منخفضو الدخل والفقراء فى تنقلاتهم للعمل وغيره، أو على أسعار نقل السلع الغذائية من خضروات وخلافه والذى سيؤدى الى رفع أسعار هذه السلع التى يستخدمها منخفضو الدخل ولذلك ارى ان احد الحلول الممكنة لتفادى ذلك الامر هو اعطاء مهلة لملاك وسائقى الميكروباص وسيارات النقل، كستة أشهر مثلا، لتحويلها من بنزين إلى غاز، مع إعطائهم قروضا ميسرة بسعر فائدة منخفض من البنوك أو من حساب دعم مصر، مع إلزامهم بعدم رفع تعريفة النقل. ومن لا يلتزم بذلك ويرفع تعريفة الركوب أو نقل السلع، تسحب منه الرخصة، ويخرج من العمل فى هذا المجال. وقد يقول البعض إنه ليس هناك وقت لعمل التحويل الى الغاز لسيارات نقل الأفراد والسلع، حيث إن الحكومة تنوى رفع أسعار البنزين والسولار خلال أيام قليلة. ولكن يرد على ذلك أنه حتى لو رفعت الحكومة أسعار المواد البترولية غدا، يمكنها أن تعطى فترة انتقالية لعربات النقل (أفرادا وسلعا) بالحصول على البنزين والسولار بنفس السعر الحالى خلال الفترة الانتقالية، وذلك بإعطائهم كوبونات خاصة بذلك أو بتفعيل كروت البنزين التى تم استخراجها حديثا، وذلك بالنسبة لهم فقط.
وطالبت الدكتورة كريمة الحكومة بأن تبحث هذا الاقتراح، أو تأتى بأى فكرة أخرى بديلة تحقق الهدف نفسه، وهو حماية منخفضى الدخل والفقراء من أثر رفع أسعار الطاقة على زيادة تكلفة المعيشة بالنسبة لهم. فرفع الدعم عن الكهرباء دون المساس بهذه الفئة التى تستوجب حماية المجتمع لها مسألة سهلة، وذلك عن طريق رفع الدعم عن الشرائح العليا لاستهلاك الكهرباء وإبقائه على الشرائح الدنيا، كما أعلنت الحكومة. فانا ارحب واؤيد بشدة كاقتصادية مصرية وأطالب برفع الدعم عن الطاقة فورا.
ومن جانبه قال المهندس حمدى البنبى وزير البترول الأسبق: إن رفع الدعم عن الطاقة يتطلب مجموعة من الإجراءات الحكومية القوية إلى جانب الأمانة فى التطبيق لدى المسئولين فى الهيكل الإدارى للدولة، وان اثرياء الدعم لا يمكن لهم ان نترك لهم منظومة الدعم تستمر بهذا الشكل وأننا فى عصر تكشفت فيه كل الأمور وأصبح من الصعب استمرار المفسدين والفاسدين والمنتفعين على نفس حالتهم قبل الثورة فى ظل رئيس جمهورية قوى ويحارب الفساد.
وأوضح البنبى أن رفع الدعم عن الطاقة يجب أن يكون متفاوتا من شريحة إلى أخرى من حيث مدى الانتفاع فمن غير المعقول أن نحاسب أصحاب السيارات الملاكى الفارهة بنفس معيار أصحاب السيارات الأقل ولا محاسبة أصحاب سيارات النقل الجماعى والتى تقوم بتقديم خدمات عامة بنفس معيار أصحاب السيارات الملاكى. واشار إلى أن نجاح خطة الحكومة لرفع الدعم عن الطاقة يجب أن يستند إلى سياسات ودراسات علمية تحدد الفترة الزمنية ومدى استفادة المواطن من رفع الدعم وتقليل الفترة الزمنية ما بين التطبيق وبين شعور المواطن بالفائدة التى تعود عليه ويستفيد هو وابناؤه فى المستقبل من تلك الإجراءات الصعبة ولكنها ليست مستحيلة.
وقال وزير البترول السابق: إن الإسراع فى تنفيذ خطة ترشيد خطة الدعم لضمان توصيل الدعم إلى مستحقيه، خاصة أن نسب وصول الدعم للمواطنين لا تزيد على 10% فى الوقت الذى يذهب الدعم إلى الأغنياء، وأكد أنه يجب رفع أسعار البنزين تدريجياً كل فترة بنسبة لا تزيد على 10% كل عام مع عدم الاقتراب من محدودى الدخل. وأشار إلى أن رفع الدعم يجب أن يكون متفاوتا من شريحة إلى أخرى فعلى سبيل المثال الدعم الذى تحصل عليه السيارات النقل الجماعى والتاكسى يجب أن يكون أكثر من الدعم الذى يحصل عليه اصحاب السيارات الملاكى الفارهة.
من جانبه قال الدكتور فخرى الفقى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهره ان نجاح الحكومة فى خلق مناخ من الثقة والمصارحة مع المواطنين سيكون هو العامل الرئيسى فى مدى نجاحها فى رفع الدعم عن الطاقة وعدم قدرة المنتفعين من المنظومة على حشد المواطنين ضد قرارات الحكومة لرفع الدعم عن الطاقة مؤكدا أن عدد المنتفعين من منظومة الدعم الفاشلة والمشوهة هم من يحصدون الفوائد والأرباح أكثر من شريحة المستهلكين والذين يمثلون أغلبية الشعب الكادح بنسبة لا تقل عن ٦٠٪.
واكد الفقى ان الدعم هو الفساد بعينه وانه لم يعد هناك اى دول فى العالم تستخدم الدعم بل سيتجه العالم قريبا الى الغاء الدعم تماما لانه خطر على الاقتصاد وله تبعات خطيرة ويجب أن تتخلص مصر من قضية الدعم فى اقرب وقت ممكن لإنقاذ الاقتصاد القومى من الانهيار اذا استمرت منظومة الدعم الحالية بهذا الشكل الفاشل.
من جانبه يقول المهندس صلاح حافظ نائب رئيس الهيئة العامة للبترول ورئيس الشركة الوطنية للبترول سابقا أن اكبر مشكلة فى الدعم هى عدم وصوله الى مستحقيه فالنسبة المستحقة للدعم لا تتجاوز الـ20% ولذلك يجب على الحكومة وقف الدعم للـ80 غير المستحقين وصرف هذه النسبة على تنظيم عمليه الدعم للـ20% المستحقين.
وأشار صلاح الى ان استمرار الدعم بهذا الشكل وبهذه الطريقة سيؤدى الى كارثة اقتصادية لا تستطيع مصر تحملها فى الوقت الحالى ويجب ان توضع خطة طويلة المدى للتخلص نهائيا من الدعم وان هذه الخطة ستتطلب تكاتف جميع مؤسسات الدولة بشكل كامل لوضع استراتيجية جديدة للخروج من هذه الازمة. وأكد صلاح ان الدعم لا وجود له فى اى دولة حديثة متقدمة وان اوروبا تخلصت من الدعم بشكل كامل منذ ان بدأت نهضتها الكبيرة وأن على الدولة مسئولية اجتماعية واقتصادية توجب عليها نشر ثقافة جديدة للمواطنين يستطيع من خلاها المواطن ان يتخلص من ثقافة الدعم التى نشأ عليها البعض وان يعلموا انه لا تقدم ولا ازدهار لهذا المجتمع الا بعيدا عن ثقافة الدعم.
ويرى المهندس بقطاع البترول سعيد طه أن القضية ليست بالبساطة التى يتناولها البعض، فهناك العديد من الاعتبارات الفنية والاقتصادية لتفعيل البدائل المطروحة، مثل استبدال الغاز الطبيعى بغاز الطهى المنزلى، أو الفحم بالسولار، كما أن أى محاولة لرفع الأسعار تتطلب مشاركة المواطنين وتعريفهم بها حتى لا تواجه هذه المحاولة بالتظاهر أو بنتائج سلبية. ويضيف طه أن الجانب الآخر الصعب فى المعادلة هو تضخم المبالغ المخصصة لدعم الطاقة بالموازنة كل عام، وهو ما يستدعى البحث الجاد لمخرج لهذه المعادلة الصعبة، وذلك من خلال توفير بدائل وترشيد الاستهلاك ورفع الدعم بما لا يضر بالمجتمع اقتصادياً واجتماعياً.
ويبين أنه مما يزيد من صعوبة التعامل مع ملف دعم الطاقة أنه تم تفادى معالجته بالسنوات الماضية، دون تبنى إستراتيجية للتعامل مع مشكلة الطاقة، ومن جانب آخر فإن أى محاولة لرفع الأسعار الآن بمصر ستكون ذات مردود سلبى بسبب ارتفاع الأسعار على مدار الفترة الماضية، ولذلك نحن أمام لغم يحتاج إلى تعامل دقيق للتعامل معه بأقل خسائر ممكنة.
قال الدكتور فؤاد شاكر الخبير المصرفى والمالى: إن الدعم لا يصل لمستحقيه بنسبة مائة بالمائة ليس فى مصر فقط بل فى كل الدول التى طبقته، مشيرا إلى أنه طالما يوجد سعران سيحدث تلاعب وان الدعم فى الاصل يسبب التضخم ومشاكل اقتصادية كبيرة ولكن يمكن الاعتماد على الدعم النقدى الى حد ما مؤقتا واكد أن تطبيق الدعم على الطاقة من البداية أصاب الاقتصاد المصرى بتشوهات، موضحا أنه تم تنفيذه فى 43 دولة، وثبت فشله وهو تكرار لغباء اقتصادى نحن فى غنى عنه. وأضاف أنه نتيجة للدعم خسرت مصر تريليون جنيه مصرى، وهى قيمة العجز فى الموازنات المتتالية منذ تطبيقه عام 2004 موضحا أنه بهذا المبلغ الضخم كنا قد أقبلنا على دراسة مشروع الطاقة المتجددة وتدوير المخلفات، خصوصا أن تأخير حل مشكلة الدعم هو زيادة للمشكلات. وأشار إلى أن 80% من دعم البترول لا يصل إلى مستحقيه، موضحا أن من يعارض تخفيض الدعم من الإعلام لا يعلم شيئا ويوصف بالجاهل. وأشار ايضا إلى أن الدعم النقدى سيصل لمستحقيه أفضل من العينى، موضحا أنه طالما يتم دعم المستهلك وليس المنتج وأن الفرق سيصبح أقل ضررا من العينى، مضيفا أن كل الجهات الدولية تطبقه، وكانت غلطة مبارك منذ تطبيق الدعم العينى وخسارة مصر نحو تريليون جنيه وكانت نتيجته أنه وصل للأغنياء ما جعل الفقراء يقومون بثورة عليه. وأوضح شاكر، أن الدعم فى الأصل يعنى تضخما وخطأ فجا من الأساس خاصة أن الاقتصاد المصرى الآن مريض فى غرفة الإنعاش ونبحث له عن حلول لإعاشته مؤقتا.
من جانبه طالب الدكتور محمد سعد الدين، رئيس مجموعة سعد الدين للبترول ورئيس جمعية أصحاب مصانع الغاز، بسرعة إلغاء الدعم عن المنتجات البترولية لأنه السبب الحقيقى وراء الأزمات المتكررة فى المنتجات البترولية، وأن الدعم يجعل الناس تتكالب على تهريب المنتجات البترولية من بنزين وسولار إلى خارج البلاد والمتاجرة بها فى السوق السوداء. وأوضح أن التهريب يؤدى إلى ارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى تزويد الكميات الحالية عن الكميات المتواجدة حاليًا فى السوق، لأن المشكلة الحقيقية فى الأزمة هى مشكلة عدم توافر المنتج فى السوق بالإضافة إلى إشاعة نوع من الشائعات أن الأسعار سوف ترتفع، وبالتالى الناس شعرت بأن المنتج غير موجود ما زاد الطلب عليه بشكل كبير، وأصبح هناك تكالب مما رفع الضغط على الكميات المتواجدة ترتب عليه حدوث أزمة فى المنتج نتيجة خوف الناس من عدم توافر المنتج وارتفاع سعره.
كما طالب أيضا الدكتور سعد الدين بأن يتم تعديل استمارة تطبيق نظام الكوبونات الخاصة بنظام توزيع البوتاجاز بحيث تحتوى الاستمارة على كل البيانات اللازمة لضمان وصول الدعم لمستحقيه، ولا يعتمد على نظام بطاقة الرقم القومى لأن كل أفراد الشعب المصرى لديهم بطاقات فالأغنياء لديهم بطاقة والفقراء لديهم بطاقات، مشيرًا إلى أن نظام الكوبونات سوف يشهد نجاحًا ملحوظًا، ولكن ليس النجاح الكلى الذى يتوقعه القائمون عليه. قال عمرو عادلى الباحث والخبير ان الدعم هو طرح الحكومة سلعا او خدمات باسعار اقل من قيمتها الحقيقية للمواطنين على ان تتحمل الدولة فرق السعر، وتخصص الموازنات المصرية خلال السنوات الاخيرة نحو ربع نفقاتها على الدعم الذى يتجه معظمه الى دعم الطاقة. ويرى عادلى ان منظومة الدعم فى مصر عبارة عن تشويه للاسعار وقال كيف تدعم دولة فقيرة فى الطاقة مثل مصر المواد البترولية للمصانع وكافة فئات المجتمع ومنها الاكثر دخلا؟
وقالت الدكتورة اميرة حداد أنه يجب رفع الدعم وانهاؤه تماما نظرا لما يمثله من اعباء على الموازنة العامة لا يقابلها عدالة اجتماعية فضلا عن تشجيعه للتهريب وخلق سوق سوداء.