هل قرار تحصين العقود الاستثمارية يخدم الاستثمار أو يفتح باب الفساد؟
نقيب المستثمرين الصناعيين: لا بد من تشكيل مجلس أعلى للاستثمار لتنظيم العملية
نادى عزام: سوف يؤدى إلى تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية
أصدر المستشار عدلى منصور، الرئيس المصرى فى وقت سابق، قرارا بقانون لتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، يمنع أى طرف ثالث من الطعن فى العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين، إلا أصحاب الحقوق العينية والشخصية. وأثار هذا القانون عددا من ردود الأفعال والتساؤلات حول جدوى ذلك القانون وهل يفتح القانون الباب لمزيد من التلاعب، خاصة انه لا رقيب على ما تنفذه الحكومة من صفقات. فقال خبراء إن تحصين عقود الاستثمار من الطعن عليها أمام القضاء، سيعيد ثقة المستثمرين خاصة الأجانب فى الدولة، لكنه سيهدر أموالا قدر قيمتها برلمانى سابق بـ 71.8 مليار دولار. وقالت مؤسسة الرئاسة: «إن الحكومة استهدفت من هذا القرار بالقانون الذى تم إصداره بناء على مقترح مقدم من وزارة التجارة والصناعة والاستثمار، تعزيز مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادى، وتوفير نظام إجرائى يضمن استقرار تعاقدات الدولة ويحقق الحماية للمتعاقد فى إطار من المشروعية وسيادة القانون». وأضافت ان القانون يهدف لجذب المزيد من المستثمرين وتشجيعهم لضخ أموال كبيرة فى البلاد، خاصة أن القانون الجديد سيمنع أى طرف ثالث من الطعن فى العقود المبرمة مع الحكومة، لكن منتقدى القانون يرون انه يوسع من دائرة الفساد ويفتح الباب أمام التلاعب والاستيلاء على المال العام.
فى حين قد بلغ حجم الاستثمار الأجنبى فى مصر خلال النصف الاول من العام المالى الحالى ما بين 2 و 2.1مليار دولار مقابل 12 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير . وتراجع احتياطى مصر من النقد الأجنبى من 36 مليار دولار سجلها فى ديسمبر 2010 ليصل إلى نحو 17.4 مليار دولار بنهاية شهر مارس.
وبلغ إجمالى الدين العام المحلى بنهاية ديسمبر 2013 نحو 1.488 تريليون جنيه بزيادة 7 مليارات جنيه عن نهاية شهر يونيو من العام ذاته الذى بلغ 1.41 تريليون مقابل 1.24 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2012. وارتفع معدل البطالة إلى 13.4% فى الربع الأخير من 2013، فى حين ظلت معدلات التضخم أكثر من 10% وزاد معدل الفقر إلى 26.3%، وذلك وفقا لتقرير صندوق النقد الدولى الصادر الشهر الحالى.
■ المستهدف من القانون
وكانت قد قضت أحكام قضائية فى فترة ما بعد الثورة وحتى وقت قريب قبل ثورة 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسى، ببطلان صفقات كانت الدولة طرفاً فيها بعد طعون قدمت ممن ليس لهم علاقة مباشرة بتلك الصفقات، وهو مما أضر بالثقة فى مناخ الأعمال. وبالرغم من أن بطلان الصفقات جاء وفقا للقانون وبأحكام قضائية بسبب ما شاب تلك الصفقات من فساد شهده عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، يصر الكثيرون على أن ذلك يضر بالاقتصاد ويهدد مناخ الاستثمار فى مصر.
الا ان الخبراء يرون أن المستهدف من القانون الجديد هم رجال الأعمال والمستثمرون، بسبب ضعف الاستقرار السياسى الذى تسبب فى خسارة فادحة للاقتصاد المصرى بعد ثورة 25 يناير 2011، وجعلهم ينزحون عن ضخ أموالهم فى بلد يعانى من التقلبات السياسية.
>> ضرورة لجذب الاستثمارات
يقول نادى عزام الخبير المالى: إن التشريعات والقوانين الاستثمارية لأكثر من 3 سنوات مضت كانت السبب الرئيسى فى حجب الاستثمارات العربية والأجنبية عن مصر، واعتمدت الحكومات السابقة على قوانين وتشريعات اقتصادية قديمة، لم تتغير إلا بعد 30 يونيو 2013، واستطاعت الحكومات الانتقالية أن تجرى تغييرات على تلك القوانين، ونجحت فى خلق أخرى جديدة أبرزها تحصين العقود التى أبرمتها الحكومات السابقة مع المستثمرين فترة تطبيق برنامج الخصخصة، وما سيتم إبرامه مستقبلا، وعدم الطعن عليها من طرف ثالث غير ذى صفة أى ليس طرف التعاقد المبرم.
وأوضح عزام أنه بسبب عقم قوانين الاستثمار القديمة هربت الأموال المصرية للاستثمار فى دول عربية وآسيوية وغربية تتوافر فيها قوانين متطورة تحمى استثماراتهم وعلى الجانب الآخر حجبت الأموال العربية خاصة أموال النفط الخليجية من الاستثمار فى مصر لعدم وجود قوانين تتناسب مع ما وصل إليه العالم من تطوير وحماية للمستثمر الأجنبى واستحداث أدوات تجذب الاستثمارات، وهو ما يستوجب فتح ودراسة ملفات قوانين الاستثمار الحالية وقياسها بقوانين الاستثمار العالمية.
وأضاف عزام انه يتوقع أن تدخل الأموال العربية مصر فور الانتهاء من الانتخابات الرئاسية شريطة تطوير قوانين الاستثمار وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين فى ظل رئيس منتخب قوى وحكومات تستطيع إحداث ثورة تشريعية استثمارية واقتصادية.
■ غير مُجدٍ فى حالة التحكيم الدولى
يقول احمد ثابت المحلل المالى بشركة ميراج لتداول الأوراق المالية، أن القانون من وجهة نظر المستثمرين فى البورصة ايجابى، إذ إن المستثمر الأجنبى سيستطيع شراء ما يود شراءه، ولن يطعن احد على ما قام ببيعه ولذا فهو قرار سلبى من وجهة النظر الأعم.
واكد أن المحاكم الاقتصادية العالمية والتحكيم الدولى لا يعترف بقرارات من هذا النوع ففى التحكيم الدولى لن يكون القانون مجديا، إذ يعد سلطة مطلقة ودون حساب للدولة، “تبيع ما تريد بدون وجود رقابة من أحد عليها”، وببساطة يعتبر القانون “حوكمة” على الاسثمار فالفساد فيه يصبح دون قيود. ويوضح أن القانون فى شكله العام جاذب للاستثمار، لأنه يحجم من المشاكل القانونية فى الخصخصة، ويجعل الوضع الاستثمارى أكثر استقرارا، لكنه يؤدى لعواقب سيئة على الوضع الاستثمارى فى مصر فيما بعد.
أما أبو بكر الهوارى المحامى والخبير القانونى بأسواق المال، قال إن الدولة ينبغى أن تحصن العقود الحكومية بينها وبين الطرف الآخر وهذا القانون سيعالج الخصخصة لكن لا بد للدولة أن تقوم بتوفير لجان متابعة من مستشارين متخصصين فى هذا الشأن ومراجعة العقود قبل التعاقد مع الطرف الآخر، وسيكون القانون فى مصلحة المستثمر حتى لا يتقدم طرف ثالث بالطعن مما يدفع إلى هروب الاستثمارات ونزع الثقة بين المستثمرين والدولة.
>> يفتح باب الفساد
وكانت الحكومة قد بدأت فى إدخال تعديلات على قانون حوافز الاستثمار، ليسمح بتحصين عقود الاستثمار بين الدولة والمستثمرين لحماية المال العام وحق المستثمر حسن النية، وبلغت حصيلة الحكومة من بيع شركات الخصخصة نحو 53.644 مليار جنيه، وذلك من بيعها لـ282 مصنعا وشركة، بدءا من عام 1993 حتى نهاية يناير 2013 وعلى مدار 20 عاما.
ووصف خبراء ومتخصصون اقتصاديون قرار الحكومة بأنه سيؤدى إلى كارثة، وسوف يهدر حقوق المواطن المصرى فى الرقابة على السياسات والعقود الاستثمارية التى تمنحها الحكومة للمستثمرين المصريين أو العرب أو الأجانب، لأنها سوف تنتهى بضياع حق الدولة وسرقة أموال المصريين مثلما حدث قبل ذلك فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
وأوضح الخبراء أن تعديلات قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 والتى أجراها وزير الاستثمار السابق أسامة صالح، كان يجب أن تطرح على الحوار المجتمعى حتى لا يتم تمرير أى مواد تضر بالمال العام.
وقال الخبير الاقتصادى، الدكتور فرج عبدالفتاح، أن هذا التوجه من الحكومة المصرية لن يحل الأزمات التى تواجه الاستثمار، ولن تعيد المستثمرين الأجانب إلى مصر، لأن المنظومة بحاجة إلى إعادة هيكلة وليست بحاجة إلى تحصين العقود مثلما قررت الحكومة.
وأوضح أنه لم تقم أى دولة على مستوى العالم بتحصين عقود الاستثمار أو قصر الطعن على طرفى التعاقد سواء المستثمر أو الحكومة، خاصة فى ظل حالة الانقسام التى يمر بها المجتمع المصرى، مؤكداً أن الشفافية فى التعامل مع المستثمرين ووضوح رؤية الحكومة وتوجهاتها والرقابة على قراراتها أهم بكثير لدى المستثمرين، ولفت عبدالفتاح إلى أن من يسعى إلى تحصين عقوده الاستثمارية مع أى حكومة على مستوى العالم لا يرغب فى الاستثمار، ولا يسير بطرق صحيحة فى الحصول على هذه العقود، والمستثمر الجاد يرفض مثل هذه الإجراءات لأنه فى حال حدوث أى تغيير فى مصر سوف تلغى مثل هذه القرارات أو القوانين ووقتها سيحق لأى مواطن الطعن على أى عقود سابقة.
وموافقة الدولة على القانون يعد كتنظيم إجرائى جديد ينطلق من رغبة الدولة فى استعادة الثقة فى تعاقداتها وإرسال رسالة طمأنة للمستثمرين والممولين وغيرهم من الراغبين فى التعاقد مع الدولة، فى إطار المشروعية وسيادة القانون.
فى حين ان هيثم فتحى محمد محامٍ يؤكد أن القانون سيتم الطعن على هذا القانون بعدم دستوريته، لأنه ينافى الدستور الحالى بكل بنوده حيث يترك العنان للدولة للعبث بممتلكات الشعب ويترك العنان للفساد وبيع منشآت الشعب.
يوضح أن القانون ليس فى مصلحة جميع الأطراف لأنه يتوقف على نزاهة الموظفين المهنية، والمستثمر سيكون مدركا أن القانون ليس فى مصلحته وليس عليه رقابة وسيضر فئ النهاية بمشاريعه على المدى البعيد.
يقول لو كان هناك نية سليمة لحماية المستثمر الشعب كان قد تم استثناء شهور الانتخابات وتم إقراره بعد انتخابات مجلس الشعب ولكن كان هناك تسرعا فى اتخاذ مثل هذا القرار آملا فى جذب الاستثمارات بشكل سريع.
ويتفق مصطفى عادل الرئيس التنفيذى بشركة تايكون لإدارة الأصول والاستثمارات المالية، فى أن القانون يهدف لجذب الاستثمار والمحافظة عليه، لكن يجب ألا تكون طمأنة المستثمر على حساب منع وتحصين القرارات بهذا الشكل الذى قد يفتح الباب مجددا لمزيد من الفساد فى العقود وهو البارز والعنوان الرئيسى على العديد من العقود التى تمت خلال السنوات الماضية.
كد انه من الأفضل تحصين العقود وتشجيع الاستثمار وطمأنة المستثمرين عن طريق تشكيل لجان للمتابعة، ووضع شروط واضحة لجهات التقاضى وكيفيتها، أما تحصينه بشكل تام فيغلق باب التلاعب والفساد. من ناحيته طالب محمد جنيدى، نقيب الصناعيين، بضرورة إنشاء مجلس وطنى للاستثمار، من أجل وضع خطط الاستثمار والإعلان عن الفرص الاستثمارية اللازمة ووضع خريطة للاستثمار مع توضيح الأنشطة والمجالات والأراضى المراد الاستثمار فيها. وتابع، أن قرار المستشار عدلى منصور بتحصين عقود البيع وتخصيص العقارات للمستثمرين وقصر الطعن عليها من قبل الحكومة والمستثمر فقط أى طرفى العقد، يعد قرارا مؤقتا لخلق نوع من الاستقرار فى سوق الاستثمار، وأن هذا القرار لن يعمل على تهيئة المناخ الاستثمارى أو يمنع الفساد، وإنما فقد ينظم عملية الطعون على عقود بيع الشركات وتخصيص العقارات التى أبرمتها الدولة مع المستثمرين الأجانب. وأوضح أنه فى حالة وجود مجلس وطنى للاستثمار سيمنع الفساد، لأنه سيكون بمثابة رقيب على أداء الحكومة فيما يتعلق بالاستثمار، قائلاً: «القانون ليس الحل الجذرى لأزمات الاستثمار فى مصر، فهو يعمل على حل بعض الأزمات، ولكن لا يهيئ المناخ الاستثمارى بالصورة المطلوبة». وأكد أن هذا القانون من شأنه طمأنة المفسدين فى تنفيذ مشروعاتهم، ففى حالة كان المستثمر فاسدا، وهناك عضو فى الحكومة فاسدا، فهذا القانون يحمى هؤلاء، وبالتالى يجب عند إقرار هذا القانون إنشاء المجلس الوطنى للاستثمار.
وقال منير فخرى عبدالنور، وزير التجارة والصناعة والاستثمار: إن هذا القانون من شأنه تعزيز الثقة فى قدرة الدولة على إنفاذ العقودالتى أبرمتها، واستعادة ثقة المستثمرين وتحفيزهم، ويحقق الحماية للمتعاقد الذى لم يخالف القانون، كما أنه سينهى جميع النزاعات القائمة حاليًا بسبب عمليات الخصخصة السابقة.
■ هيئة الاستثمار : القانون يجذب رءوس الأموال
من جانبها قالت نيفين الشافعى، نائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار، أهمية قانون تنظيم إجراءات الطعن على العقود الاستثمارية التى تبرمها الدولة، والذى أصدره الرئيس عدلى منصور فى وقت سابق، فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والعربية الجديدة فى الفترة المقبلة.
وقالت الشافعى إن الفترة الماضية التى أعقبت اندلاع ثورة 25 يناير شهدت العديد من الدعاوى القضائية ببطلان عقود استثمار أبرمتها الحكومة مع عدد من المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، ساهمت فى تخوف رجال الأعمال، وعدم الاستقرار الاقتصادى والسياسى، لافتة إلى أن الفترة الحالية تشهد عودة الاستقرار الأمنى والسياسى بنسبة مرضية، لكن لكى تستعيد الدولة عافيتها الاقتصادية ودورها بين الدول الأكثر جذباً للاستثمار، يجب أن يشعر المستثمر ورجل الأعمال المصرى قبل الأجنبى بالاطمئنان على رأس ماله وشركاته، لأن القاعدة الاقتصادية الشهيرة تؤكد أن «رأس المال دائماً جبان».
قال فريد شلبى، رئيس مجلس إدارة الشركة الدولية للاستثمار العقارى، إن إقرار قانون الطعون على عقود الاستثمار وتفعيله، يعتبر أكبر دفعة للاستثمار فى مصر، لأن العديد من المستثمرين أعلنوا أن كثرة الطعون على عقودهم مع الحكومة تعود عليهم بالضرر، وبالتالى فكثير من رجال الأعمال أجلوا استثماراتهم طوال الثلاث السنوات الماضية، لافتاً إلى أن بعد إقرار القانون فالعديد منهم سيعيد ضخ استثماراته فى القطاعات المختلفة.
وأضاف «فريد» أنه بعد إقرار القانون لا يتبقى إلا انتهاء الفترة الانتقالية الحالية وانتخاب رئيس للجمهورية، بعدها سيتم ضخ مليارات الجنيهات فى مشروعات مختلفة، على رأسها محور قناة السويس، الذى يتوقع أن يكون أحد أكبر المشروعات جذباً للاستثمار فى الشرق الأوسط.
من جانبه، قال جمال عوض، العضو المنتدب لشركة «أكتوبر للتنمية»، إن إقرار قانون الطعن على عقود الاستثمار بين الدولة والمستثمرين الجديد، سيسعد المستثمرين، لكن على الجانب الآخر يجب على الدولة عرض الأمر على المواطنين البسطاء وإثبات أهميته للاستثمار الأجنبى الذى تحتاجه مصر للخروج من عثرتها الحالية.
فى المقابل، رفض المهندس يحيى حسين، صاحب أول دعوى بطلان ضد خصخصة شركة عمر أفندى، ما وصفه بـ«تكبيل المواطن »، ومنعه من أحد حقوقه التى يكفلها الدستور المصرى الجديد، وذلك جراء قرار رئيس الجمهورية بقانون قصر الطعن على العقود التى تبرمها الحكومة على طرفى التعاقد.
وأكد حسين أن هذا القانون سيتسبب فى عدم الثقة، ويعتبر ضربة قاصمة فى وجه القضاء المصرى النزيه، إلى جانب أنه يخالف الدستور الجديد، الذى تنص أحد بنوده على أن «طعن المواطن على العقود التى بها شبهة فساد هو حق مكفول».