
محسن عادل
رسالة إلى الرئيس
السيد الرئيس،،
ندعو الله ان يوفقكم فى مهامكم الرئاسية، التى تأتى فى ظل هذه الظروف المريرة التى تعيشها الامة حيث تم انتخابك لتقود بلادنا فى غمار المياه المائجة محليا وعالميا، اننا نقدم كل الدعم لمساعيكم نحو تعزيز مستوى عيش الملايين فى هذه البلاد. المهمة التى تنتظر ادارتكم ليست سهلة ابداً، فللمرة الاولى منذ وقت بعيد جداً، تواجه امتنا احتمال ان يكون مستقبل ابناء جيلها اسوأ من آبائهم، فالبطالة فى مستويات مرتفعة جداً منذ وقت طويل، ويومياً، يتصاعد خطرها اكثر فى هيكلية اقتصاد بلادنا، مستويات الفقر ايضا فى ازدياد، وشبكات الضمان الاجتماعى مقيدة، بينما وصل الخلل فى عدم المساواة بين الافراد فى الدخل والثروة لدرجة تمزيق نسيج المجتمع. يبدو ان مرونتنا الاقتصادية فى تراجع، خاصة بعدما تفاقم انخفاض الاستثمار فى البنية التحية لسنوات، ويبدو ان فرصة وجود استجابة اقتصادية شاملة قوية محدودة الآن، لاسيما ان معدلات النمو المستهدفة مازالت دون المستوى، علماً بان عجز الموازنة مازال فى مستويات متوسعة. هناك ما يجعلنا بعيدين عن الدول الاخرى لمسافات، ولكن ما يخدم الكثير من الاجيال المصرية، انها الثقة الكبيرة عند المواطنين بما يوفره البلد من حيث الفرص والاستمرار قدما، والتصور الخاص بأنه مع الكثير من الجهد والقليل من الحظ يمكن للفرد ان يحسن مستقبله ومستقبل عائلته بصورة كبيرة.
هذا الحافز الفريد والقوى على شفير الهاوية، فهو مقوَّض بشكوك كثيرة وبالواقع الراهن، لقد بات هذا الحافز، وعلى نحو مطرد، يقاوم الشك المفهوم من ان النظام بما فيه المؤسسات الحكومية يقف مجتمعا ضد مصالح الأفراد العاديين.
ولا ننسى ان مصر تعمل فى ظل عالم معقد أكثر من السابق، فأوروبا تواجه أزمة ستطول وتعرض دولها الى تهديد أكثر من ان نعتبره مجرد فوضى مالية واقتصادية، اذ يتضمن هذا التهديد أيضاً مخاطر راهنة تتعلق بعملية التكامل الآمنة فى القارة كما ان الولايات المتحدة على شفا هاوية مالية، التوترات الجيوسياسية، بدأت تتصاعد من جديد فى منطقة الشرق الأوسط، بينما يعيش الاقتصاد الصينى تباطؤاً، فى حين فشل الاقتصاد العالمى فى التأقلم جيداً مع مرحلة الصعود التنموية للأمم الناشئة المهمة نظامياً.
وفى وقت بات تنسيق السياسة العالمية ضرورياً، لا تزال المؤسسات ذات الجنسيات المتعددة تعانى مشاكل العجز والشرعية والتمثيل التى طال أمدها، ما عليك ايها الرئيس سوى ان تشاهد النتيجة المحبطة للقاءات السنوية التى عقدها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى طوكيو. ببساطة، تعانى بلادنا صعوبات على حساب القوى المحلية والخارجية، النتائج بعيدة عن القدر المحتوم، ولديك حرية التصرف والتحكم بمستقبل بلدك، وتحسين مستوى معيشة الأجيال الحالية والمستقبلية.
وعلينا نسيان ان مصر لديها، من دون شك، القدرة على تجاوز هذه المحن التى تمر بها، ومن خلال ذلك، يمكننا استعادة قدرتنا على ممارسة القوة الناعمة المناسبة فى أرجاء العالم، كما يمكن ان تصبح قائداً لأفضل تنسيق فى السياسة العالمية، وملاذاً لتلك الدول والمجتمعات التى تمر بتحولات محلية واقليمية صعبة، وكما أصبح العالم آمناً، كانت آفاق مصر أقوى، والامكانية العالمية كبيرة بالفعل، فالشركات والبنوك المصرية تحتفظ فى ميزانياتها العمومية بأموال نقدية «كاش» تساوى مليارات الجنيهات بدل استثمارها فى استراتيجيات تجارية ووظائف ومصانع ومعدات جديدة، فى غضون ذلك، يميل الكثير من المستثمرين على ما يبدو نحو الأصول الآمنة ذات العوائد القليلة جداً بدل الاستثمار مستقبلاً فى شركات جديدة صغيرة ومتوسطة الحجم.
كما ان هناك اتجاها تصاعدياً هائلا يحفز الشركات على اتخاذ هذا المنحى أو النمط السائد، بالنسبة للبعض، ارتفعت تكاليف الانتاج بصورة حادة، خاصة بعد غياب مصادر الحصول على طاقة محلية أرخص، أما وسائل الاعلام الاجتماعى والرقمى فمكنت الأفراد والمجتمعات وأصحاب المهن بطرق عديدة، فكر فقط انه من خلال تكنولوجيا المناخ المتوافرة على نطاق واسع، باتت الكثير من المعلومات تتوافر بين ايدى المزارعين لتدلهم على التوقيت الأمثل للتخصيب ودورات حصادهم، ومن خلال معلومات السوق المناسبة، بامكانهم تنظيم بيع انتاجهم وتسليمه بعد جهد مضن.
علينا جميعاً ان نكون واثقين، فالأعمال الحرة موجودة ووضعها راسخ فى مصر، فقط شاهد قصص النجاح الفردية المذهلة والكثير من هذه النماذج الأخرى التى تعمل فى ظل بيئة شاملة صعبة. التحدى الذى تواجهه اليوم بصفتك رئيسا للبلاد هو ان تمكن كل من يعمل بشكل جيد فى البلاد، وتحمى من تعثر ولا يزال يعاني، والمهمشين اما القطاعات الديناميكية على وجه الخصوص، فلن تكون مشكلة كبيرة امامك. نعم فإدارتك قادرة- ويجب ان تكون كذلك- على تمكين هذه الفئات اكبر عبر الاستقرار السياسى، والاقتصادى والتأثيرات العقلانية، لكن، فى اصعب الظروف سيكون اداؤهم جيدا، اما التحدى الحقيقى الذى يقف امامك فيكمن فى انعاش الجزء الاكبر من الاقتصاد والمجتمع الذى لم يستعد ثباته حتى الان منذ الازمة المالية العالمية فى 2008.
يمكن تحقيق ذلك، بل لا بد منه، وعندما يتحقق، ستتمكن مصر من استعادة معدلات نموها السنوية البالغة 7 فى المائة وما فوق، وتخفيض نسبة مستويات البطالة دون 8 فى المائة، وزيادة معدلات التوظيف الى اعلى من 6 فى المائة، وعكس التدهور الثابت فى مستوى ديون الحكومة الى الناتج المحلى الاجمالى (اقترب حاليا من 85 فى المائة) وتحسين المساواة بين المواطنين فى الدخل والثروة، ومن خلال هذا، ستستعيد ادارتك دون شك حيوية الطبقة المتوسطة، وتعزيز النسيج الاجتماعى، وتدعم تأثر مصر فى العالم.
لهذا، اسمح لى ان اقترح اربع مبادرات منسقة ومبكرة قد تحدث فروقا كبيرة، اقتراحى اليك يأتى بصفتى مواطنا، وخبيرا اقتصاديا، وأبا، وشخصا قلقا على اكثر قطاعات المجتمع تعرضا للمخاطر.
- اولاً، لتجاوز المرض الاقتصادى الحالى ومعالجة التقلبات الخارجية، يجب استعادة الهيكلة والوظيفة المرنة لسوق العمل، اذ لطالما، اعتمدنا على الانشاء والسكن، والتمويل والتجزئة فى توليد الوظائف، وقد نجحت الخطة، لكن هذه القطاعات تجذرت اكثر فى الفقاعة، عمليا، لم تسعفنا بصيرتنا للنظر الى اهمية التفوق فى القطاعات التنافسية على مستوى العالم، علينا ان نؤهل عمالتنا بشكل افضل، والعاطلين عن العمل بحيث ننافس على المستوى العالمى، وهو ما يتعلق ببذل جهود لسنوات عديدة فى اعادة تنظيم العمالة والتدريب المهنى، فإصلاح سوق العمل الناجح فى المانيا فى منتصف العقد الماضى قدم مؤشرات مهمة فى هذا الصدد، وعلينا ان نبذل الكثير فى تبنى طريقة تعليمية قادرة على اعداد شبابنا بطريقة افضل فى ظل هذا العالم المعقد والقلق.
- ثانيا علينا اصلاح قطاع السكن وتمويل هذا القطاع بشكل مناسب، ومن دون ذلك سيستغرق الامر سنوات كى يستعيد هذا القطاع الحساس عافيته، البرامج السابقة كانت محبطة لإنها فشلت فيما يتعلق بالتنويع بالنسبة لشرائح مختلفة من المجتمع، وكلما طالت فترة عبء تحدى المشاركة- نعم إنه تحد معقد- جاءت مخاطر المشكلات غير المنظمة أعلى- وخفضت حركة العمالة، وكانت لها تداعيات سلبية على المجتمع.
- ثالثا، علينا ان نبتكر نظام شراكة ضخما. فالشراكة المصاغة جيدا بين القطاعين العام والخاص والتسهيلات الائتمانية المختارة بعناية يمكنها ان تلعب دوراً مهما فى النمو والتنمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحاجة الشديدة لتحسين بنية البلاد التحتية.
- أخيراً، القضية المالية. عندما تتخلص من التهديد الحالى للعجز المالي، نحتاج الى تنفيذ الموازنة الصحيحة بين الاصلاحات المالية العميقة على المدى المتوسط وبين المحفزات الآنية. ولا شك ان العلوم الاقتصادية والرياضيات واضحة فى هذا الصدد. فالاصلاحات على مر الزمن يجب ان تتمحور حول جوانب الايرادات والانفاق فى الميزانية.
حان الوقت الآن للاتجاه قدما فى هذه المبادرات المتداخلة وتجربة السنوات القليلة الماضية تريح قليلا فيما يتعلق بهذا الصدد. اننى واثق من أن ما ذكرته ممكن. فعلى مدار السنوات التى قضيتها فى مجال الاقتصاد، شهدت تقلبات اقتصادية فى بلدان كانت أمامها جملة من التحديات والظروف الصعبة والقليل من الموارد البشرية والمادية، والأكيد ان أيا منها لم يكن يملك الابداع والريادة التى تحظى بهما بلادنا. نحن ندين لأبنائنا باستعادة ديناميكية البلاد. وبما ان خيار المصريين صار واضحا فى صناديق الاقتراع يمكننا القيام بذلك وأكثر.