
محسن عادل
تحولات الأزمة المالية العالمية.. مازالت مستمرة
أصبح السؤال العالمى الان هل سيكون هناك ازمة مالية عالمية قريبا ؟ و هل نستطيع تفادى مسبباتها الكامنة ؟
فى العادة حين تصيب صدمة قوية النظام المالى فانها تحبط الشهية على المخاطر لفترة طويلة بعض الشيء. فالاقتصادات بحاجة الى أن تتعافى من عثرتها، وأن يعاد بناء رؤوس أموال البنوك على نحو جوهرى وأساسى وأن يصار الى حل مشاكل الديون وسدادها، وهو أمر ربما يحتاج الى 10 سنوات أو أكثر، وأن تصل الاقتصادات الى مرحلة متقدمة جدا قبل أن تنبعث المتاعب من جديد.
ومع ذلك، فاذا كانت المكونات الأساسية للأزمة المالية تتمثل فى التفاؤل الذى لا حدود له والافراط فى الاستدانة والأصول المتضخمة فى أسعارها، فاننا بهذا نكون دخلنا بالفعل فى منطقة خطرة فى أقل من ثلاث سنوات على انهيار «ليمان براذرز».
فلننظر الى وضع أسواق الأصول. فالسلع لا تزال متضخمة الأسعار على الرغم من النكسة التى تعرضت لها الفضة أخيرا وانتشرت تباعا لتشمل الأسواق الأخرى. كما تبدو الأسعار فى أسواق الدين لحكومات الدول المتقدمة مرتفعة بدرجة كبيرة وعلى نحو خطير فى ضوء الاستجابة البطيئة لتصاعد العجز المالى فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول. ورغم انهيار أسعار المساكن فى الولايات المتحدة، تبدو نظيرتها فى بريطانيا مرتفعة للغاية مقارنة بالعائدات.
وعلى صعيد الأسهم، نشهد فقاعة انترنت جديدة فى ما يتعلق بأسهم شركات، مثل فيسبوك ولينكد - إن ورينرن، التى يتم تداولها بمضاعفات غير منطقية من العائدات. وبالنسبة الى أسواق الائتمان، تشهد معايير الاقراض تراجعا بينما عادت عمليات الاقراض بالاتفاقيات التى لا تتضمن الشروط الحمائية المعتادة.
كل هذا من صنع يد البنوك المركزية للبلدان المتقدمة الى حد كبير، التى تهدد سياساتها النقدية فى الاستجابة على الأزمة الأخيرة بزرع بذور أزمة جديدة - تماما - مثلما فعلت سياسة المجلس الاحتياطى الفدرالى فى الولايات المتحدة فى أعقاب انفجار فقاعة الدوت كوم. وفى غضون ذلك، تبقى البنوك فى وضع هش. وفى حين تم تحقيق تقدم متواضع فى خفض المديونيات، الا أن نظام رأس المال الذى يقترحه «بازل 3» يبدو غير كاف ولا مناسب بالنسبة الى أى جهة كانت غير ذلك الذى يعتريه تفاؤل لا محدود.
ولا تزال بلدان العالم المتقدم مشلولة بالديون التى تثقل كاهلها ولم يكن ردها على أزمة الديون السيادية الأوروبية سوى حالة من التخبط. فصانعو السياسة يقدمون حلا للسيولة لمشكلة تتعلق بالملاءة المالية والقدرة على الايفاء بسداد جميع الديون. واستمر صانعو السياسات فى تقديم الحلول نفسها، وميّز انعدام الواقعية تعاطيهم مع المراحل المتعاقبة لهذه الكارثة المالية، الذى بلغ ذروته فى الانكار المناف للعقل فى الاجتماع الأخير لوزراء المالية فى لوكسمبرغ.
الرد التنظيمى غير الكافى ولا المناسب على الأزمة الأخيرة لا يقل هو الآخر اثارة للدهشة عن سابقه. فأى محاولة لتقييم وضع جهود الاصلاح ينبغى أن تبدأ من النقطة التى يجرى عندها تحميل حصة غير متناسبة من العبء من قبل زيادة فى نسبة رأس المال. وفى حين أن الزيادة فى رأس المال أمر مرغوب فيه، الا أن مساوئها تتمثل فى منح البنوك حافزا اضافيا لازاحة الأنشطة والأعمال خارج الميزانية العمومية. وبينما تسعى بريطانيا الى أن تكون أكثر تشددا فى محاولة تقييد عمليات التجزئة المصرفية، فإن الخشية ألا يتمكن السياسيون من مقاومة اغراء انقاذ الأذرع المصرفية الاستثمارية للبنوك الشاملة التى تواجه المشاكل.
وفى الولايات المتحدة الأميركية، يبدو أن الجمهوريين عاقدو العزم على تفكيك وحل قانون دود - فرانك وضمان أن تجرد هيئة البورصات والأوراق المالية وهيئة تداول العقود الآجلة للسلع من الموارد لتنفيذ واجباتهما وفق التشريعات الجديدة. كما أن الضغط القوى والشديد من قبل البنوك الاستثمارية يعمل على تآكل الفحوى والقوة الدافعة لقانون فولكر، الذى يفترض به ان يضع حدا ويوقف المقامرة فى حساباتها الخاصة.
ولعل الخشية الكبرى تتعلق بالتركيز المتنامى للأعمال المصرفية الاستثمارية والشاملة بين عدد قليل من المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية والشاملة على النظام المالى العالمى، بما فيها تلك التى تهيمن على أعمال المشتقات الغامضة وغير الشفافة، التى ينطوى جزء كبير من أعمالها على مشتقات سامة للغاية. وتعتبر التحركات الماضية بشأن تنفيذ مزيد من هذه الأعمال من خلال نظير مركزى أمر منطقى. بيد أنه وكما أشار بيتر نيومان فى كتابه الجديد حول موضوع ضبط المخاطر، فان وضع نظير مركزى فى دور فى الواجهة لاستيعاب المخاطر النظامية يثير تساؤلات بشأن ما الذى سيحدث لو أن هذه الجهات النظيرة المركزية نفسها أخفقت.
ويقتبس نيومان عن باتريك بيرسون، رئيس وحدة البنية التحتية لأسواق المالية فى مفوضية الاتحاد الأوروبى، قوله ان فشل سوق المقاصة يمكن أن يطلق العنان «لمعركة مالية فاصلة». وبالتالى، فان مشكلة أكبر من أن يسقط قد تتصاعد الى مستوى أكبر. وفى الوقت ذاته، فان محاولة تأسيس آلية تفكيك وحل تسمح باغلاق عمليات بنك على أساس عابر للحدود سوف تبقى على الأرجح مستعصية.
والمفارقة فى كل ذلك هو أنه فى حين أن الاصلاحات لا ترقى الى برنامج متماسك، الا أنه تم تغيير الكثير من هيكل تنظيم العمل المصرفى دفعة واحدة لدرجة أن المخاطر فى التنفيذ تبقى كبيرة.
ومن المستحيل - بالطبع - التنبؤ بتوقيت وقوع أزمة مالية أو شرارتها. ومع ذلك، فانه من المقلق أن يكون هناك الكثير من نقاط الضعف الواضحة فى النظام، بيد أنه لم يبق فى جعبة خزانة السياسة النقدية والمالية سوى القليل جدا الذى يمكن بواسطته معالجة عاصفة مالية أخرى.