ارحموا القضاء يرحمكم الله
حبى الله مصر الكنانة بقضاء عظيم برجالاته وعدالته وسمو ورقى أحكامه، وكان هذا القضاء ولا يزال مدرسة تعلم قضاء وقضاة العالم، وقد سار الكثير من قضاء الدول على المبادئ القضائية التى أرستها محكمة النقض المصرية، وفى قضاء مصر قضاة محترمون وعمالقة نتعلم منهم كل يوم. ولئن أخطأ بعض القضاة وخالفت بعض الأحكام القضائية القانون، فإن ذلك أمر طبيعى لأن القضاة بشر والبشر يخطئون أحياناً، وليس معصوماً من الخطأ سوى الخالق عز وجل، والسبيل الوحيد لعلاج هذه الأخطاء القضائية هو الطريق الذى رسمه القانون.
فالقانون أجاز أولاً رد المحكمة أثناء نظر الدعوى لأحد الأسباب الواردة فى القانون، وفى ذلك ضمانة للمتقاضين، وللأسف الشديد يستخدم البعض من المتقاضين والبعض من المحامين طريق الرد كوسيلة لإطالة أمد النزاع كما حدث مؤخراً فى بعض قضايا الإرهاب. ثم جعل القانون المصرى التقاضى على درجات مختلفة من ابتدائى ثم استئناف ثم نقض، وأحياناً تقضى محكمة النقض (كمحكمة قانون) بقبول الطعن المقدم إليها وتلغى الحكم المطعون عليه وتعيد القضية إلى المحكمة التى أصدرت الحكم لتنظرها دائرة أخرى، ويجوز الطعن أمام محكمة النقض على الحكم الذى تصدره تلك الدائرة وتنظر محكمة النقض القضية محكمة موضوع، هذا بالإضافة إلى سقوط الحكم الجنائى الغيابى بمجرد القبض على المتهم.
وطالما أن القانون حدد طرق الطعن على الأحكام القضائية فلا يجوز التعليق على تلك الأحكام– بغير طريق الطعن القانونى– احتراماً لحجية تلك الأحكام باعتبار الحكم عنواناً للحقيقة، ولدعم الثقة فى الأحكام القضائية وفى القضاء الذى أصدرها.
وإذا ما صدر حكم بات، أى انتهائى، أى استنفذ كل طرق الطعن فيه، فإن دراسته والتعليق عليه فى دراسة علمية ممنوع على غير المتخصصين. أما الآن، وقد ظهرت البعض من السلبيات التى صاحبت ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فقد تصدى للنيل من الأحكام القضائية فى الصحف وعلى شاشات التليفزيون العديد من جهلاء القانون الذين يفتون بغير علم لا شىء إلا إفرازاً لنقض فى نفوسهم وتلبية لحبهم فى الظهور فى وسائل الإعلام ضاربين عرض الحائط بكل القواعد القانونية والقضائية المستقرة، ومن الغريب أن ينساق خلف هؤلاء بعض القانونيين الجهلاء، فمن أين لكاتب مغمور أو مذيع على الشاشة لم يدرس القانون ولا يفهم فيه أن ينتقد حكما قضائيا وهو جاهل بالقانون، وكيف لدارس قانون أن ينتقد حكما قضائيا بغير الطريق الذى حدده القانون؟
أين منظمات المجتمع المدنى المعنية بالقانون من الدفاع عن القضاء وأحكامه، وأين نقابة المحامين من انفلات بعض أعضائها الذين يعلقون جهلا على أحكام القضاء؟ وأين أنت يا نقابة الصحفيين من رجالك الذين يهاجمون القضاء وأحكامه، وأين أنت يا وزيرة الإعلام؟ وأين أنت يا وزير الثقافة من أولئك الجهلاء الذين يفتون بغير علم ويشككون فى نزاهة قضاء مصر العظيم وفى أحكامه؟
يا رئيس نادى قضاة مصر، هب– كما عودتنا وقد كان حديثك فى مؤتمرك الصحفى رائعًا- الدفاع عن القضاء وأحكامه، وشكل لجنة من ناديك لمراجعة أقوال وأحاديث وتصريحات ومقالات الجهلاء، وتقديم بلاغات ضدهم ليلتزموا بحكم القانون.
وسلامتك يا ست أمريكا، ما دخلك فى أحكام القضاء المصرى، أين حمرة الخجل فى وجهك؟ وانت التى قتلت بن لادن فى بلد ذى سيادة، وحملت جثته وألقيت بها فى مكان غير معلوم بالبحر، اختشى على دمك قبل أن تعلقى على أحكام القضاء المصرى العظيم.
حمى الله قضاء مصر الشامخ، وسلم قضاته العظام. وستبقى مصر بإذن الله، وسيظل قضاؤها عظيماً رغم أنف الحاقدين.
*مستشار قانونى