المهنة بين الانقراض وضرورة التطوير دباغة الجلود المصرية تنافـــــس العالمية بأقل الإمكانات
قبل ان تقع عيناك على سور مجرى العيون الاثرى ذى الثمانمائة عام بما يحمله فى الذاكرة من تاريخ عريق يرجع الى الدولة الايوبية وقبل ان يجول بخيالك صورة هذا المكان فى عيون السياح الملتفين بالآلاف حوله كمختلف اثار مصر تفاجأ براحة الجلود المقززة ممزوجة بالكيماويات المستخدمة فى الدباغة تحتل شعبك الهوائية لتشاهد عيناك هذ الاثر العظيم وقد جاورته اكوام القمامة ومخلفات دباغة الجلود وبالطبع هو فارغ من اى مظهر لجذب السياح الا انه يحمل فى قلبه صناعة من اهم واعرق الصناعات فى مصر وهى دباغة الجلود.
عدم وجود مرافق وسكن وصعوبة المواصلات والتأمين الصحى.. تحديات تواجه الدباغين
مهنة الدباغة متوارثة ابا عن جد يعمل بها ما يقرب من عشرين الف تختلف اعمارهم من شباب الى كبار سن الا ان بداية عملهم فى الغالب واحدة وهى طفل صغير يأتى مع والده الشغل ليصبع بعد بضع سنوات شابا يافعا وأحد اسطوات المهنة وبالرغم من هذه العراقة التى قلما تجدها فى دولة اخرى الا ان عمالها يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة والناتج من هذه الصناعة لا يستطيع تغطية السوق المحلية حالة الاستغناء عن الجلود الصناعية المستوردة.
فعن هموم الدباغين ومشكلاتهم وما وصلت اليه هذه المهنة وكيفية الارتقاء بها ومراحل الدباغة المختلفة كان لقاؤنا الاول مع الدكتور حمدى حرب رئس غرفة المدابغ باتحاد الصناعات ليحدثنا فى البداية عن مشكلة نقل المدابغ من مكانها الحالى بسور العيون الى منطقة الروبيكى بطريق مصر- اسكندرية الصحراوى طبقا لقرار دكتور حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية لتحويل منطقة سور العيون الى منطق سياحية متكاملة فبعد جدال مع الحكومة توصل الى اتفاق يقضى بحصول اصحاب المدابغ على- مدبغة مقابل مدبغة- فى الروبيكى مقابل تركهم المدابغ القديمة فى مكانها الحالى الا ان الحكومة وفقا لحرب عجزت عن توفير العدد المطلوب الذى يتراوح بين 800 و1000 مدبغة ولم توفر الا 29 مدبغة فقط مما يعنى استحالة النقل فى الوقت الحالى.
وقال حرب ان النقل له العديد من السلبيات اهمها عدم وجود مرافق او سكن للعمال ما يعنى ترك العديد من العمال هذه المهنة لصعوبة المواصلات فما هو قائم الان فى الروبيكى غير صالح للاستخدام الادمى ما يعنى ضرورة اقامة مدينة متكاملة المرافق من سكن لمدارس ومستشفيات حتى يتسنى للعامل الاقامة هناك.
واضاف حرب مشكلة نقل ماكينات الدباغة كمشكلة فنية لانها قديمة ولا تصلح للنقل ففى حالة فك الماكينة يعنى موتها مما يترتب عليه ضرورة التطوير وشراء ماكينات حديثة وتكهين القديم قائلا ان هذه الماكينات منذ الملك فاروق وكان عدد الشعب المصرى 18 مليون نسمة والان لابد من التطوير ليس على اعتبار عددنا تسعون مليونا ولكن بنظرة مستقبلية وفقا للزيادة السكانية والتحديث يحتاج الى تمويل والحكومة عاجزة فى الوقت الحالى ما يعنى بقاء الحال على ما هو عليه، واعتبر حرب التطوير امرا ملحا وضروريا لاستمرار هذه المهنة فالمكان الحالى- سور مجرى العيون- ضيق ولا يستوعب اى مساحة للتطوير لان المدبغة الواحدة فى الدول الحديثة تحتاج الى عشرين الف متر ولا يقل عدد الماكينات بها عن ثلاثين ماكينة يتراوح سعر الماكينة الواحدة بين عشرة ملايين وخمسمائة مليون جنيه وهذا هو الشق الايجابى فى مسألة النقل وفقا لرئس شعبة الدباغة فالروبيكى منطقة صحراوية من الممكن ان تستوعب متطلبات العصر لتطوير المهنة اذا تم التخطيط بالشكل الجيد وقامت الحكومة بالتمويل اللازم خاصة اذا اقامت الحكومة بها مركز تدريب مهنى يستوعب آلاف الشباب الراغبين للعمل فى المدابغ لان العمالة فى الوقت الحالى معظمها متوارث المهنة عن آبائه ولا توجد دماء جديدة بعد غلق قسم الدباغة فى كلية العلوم وغلق مركز التدريب منذ فترة كبيرة مما يهدد المهنة بالانقراض.
واكد حرب جودة الجلود المصرية كونها منافسا جيدا فى معظم دول العالم فمعظم انتاج المدابغ من الجلود يتم تصديره لاوروبا وامريكا ودول اسيا ولا يتبقى للسوق المحلى سوى 5% فالسوق المحلى يعتمد على المنتجات الجلدية المستورة الرخيصة الجاهزة والرديئة فى نفس الوقت والتى لا غنى عنها لان المدابغ بالوضع الحالى لا يمكنها تغطية متطلبات السوق المصرى حال وقف الاستيراد.
اما عن استيراد الجلد الخام فقال حرب من النادر لانه اقل جودة من الجلد المصرى واضاف ان سعر الجلد المصرى لا يتجاوز 200 جنيه يتم بيعه بعد اضافة تكلفة الدباغة بمراحلها المختلفة والتى تتراوح بين 30% و40% اضافة الى نسبة ربح 5% تقريبا. وعن اولى مراحل الدباغة التقينا الريس صبحى مسئول توريد الجلود للمدبغة التى ضمت مبنى ضخما ذا طوابق اربعة به عشرات الماكينات مختلفة الاحجام على كل ماكينة اثنان او ثلاثة عمال يمثلون مرحلة من مراحل الدباغة اضافة الى بعض العبوات المملوءة بالمواد الكيماوية ولوازم الدبغ واكوام من الجلود على الارض الا ان بعض الماكينات متماثلة المهمة والشكل لا تعمل نظرا لموسم العمل على حد قول عم صبحى فهذه الايام ليست بالموسم فمشتريات الجلود اقل وتعتمد على المجاز على عكس العيد الكبير «عيد الاضحى المبارك» كونه موسم شراء.
يفرق عم صبحى صاحب الثلاثين سنة خبرة فى المدابغ بين انواع الجلود فمنها الضانى «جلود الخراف، والجاموس والبقرى والعزب، الجاموس الصغير او البتلو، والماعز» وعلى حسب النوع يكون الانتاج والبيع فجلد الضانى على سبيل المثال يعد للملابس اما باقى الجلود فمعظمها للاحذية ومفارش السيارات ويقوم عم صبحى بعد الشراء باولى مراحل الدبغ وهى «الناى المستوى» وهى عبارة عن رص الجلد على بعضه مع وضع طبقة كبيرة من الملح حتى لا يتعفن.
لتأتى بعدها مرحلة الجير على يد الريس رمضان- بخبرة ثلاثين عاما فى مهنة الدباغة- والهدف منها ازالة الشعر من على الجلد وتسويته داخل برميل ضخم بقطر حوالى اربعة امتار بها تجويف حلزونى يتم وضع مائة قطعة جلد تقريبا واضافة الماء والجير عليها وتركها لمدة يوم تقريبا بعدها يعد الجلد لمرحلة الاساس او الحلاقة فترى جلودا مغطاة بنشارة الخشب فى انتظار الدخول على ماكينة صغيرة نسبيا وبشكل يدوى يدخل الجلد مقلوبا ليتم فصل «الواغش» وهى كل ما يلتصق بالجلد من لحوم ويعاد بيعه- الواغش- الى مصانع الغراء للاستفادة منه فى صناعات اخرى.
على الجانب الاخر براميل ضخمة تعمل كباقى الماكينات بالكهرباء تحتوى على كميات من المواد الكيماوية المخصصة للجلود ومياه وعدد 300 جلد لكل برميل وتدور بشكل منتظم لمدة يوم لتعطى اللون المطلوب فيما يعرف بمرحلة الكروم وهى المرحلة التالية لحلق الجلد.
ثم مرحلة العصارة لفرد الجلد وتنشيفه من المياه بواسطة ماكينة صغيرة يتم تمرير الجلد بين شفتيها الكبيرتين ليتم نقل كل هذه الجلود بواسطة عربة صغير مخصصة الى مرحلة التعليق التى تحتاج الى مساحات كبيرة وتهوية جيدة وهى عبارة عن شماعات كبيرة معلقة فى السقف بخطافات ضخمة يرفع الجلد اليها عاملان كل عامل من طرف ثم يترك الجلد ليجف ويتخلص من اى بقايا مياه بداخله.
وهناك بعض انواع الجلود تدخل على مرحلة الفاكيوم قبل التعليق حسب نوع الجلد والغرض منه ويتم من خلالها فرد الجلد وهى عبارة عن مكواة مسطحة ضخمة تستوعب اربعة جلود تقريبا يقوم العمال بفرد الجلود عليها يدويا ثم يتحرك نصف الماكينة الياً فوق النصف الاخر ليخرج منه الجلد مفرودا بشكل جيد ليعلق فى الشماعات الضخمة حتى تتم عملية التجفيف من المياه بشكل نهائى.. وقد حذر الحج محسن رئيس مرحلة الفاكيوم والتعليق من مرور الجلد بمرحلة التعليق بدون جفافه نهائيا لان اى بقايا مياه كفيلة بافساد الجلد بعد ذلك.
لتأتى مرحلة التفتيح حيث يمر الجلد بداخل ماكينة فى طول 8 أمتار تقريبا بها العديد من مراحل التفتيح وان كانت مهمة العامل هى ادخال الجلد من احدى فتحات الماكينة واستلامه بعد التفتيح من الطرف الاخر واهميتها تفتيح الجلد وتطريته لانه يكون بعد التعليق ناشفا ومتصلبا.
آخر مرحلة من مراحل دباغة الجلود العزل بواسطة موس لقطع الزوايد من الجلود لتباع لاغراض الخيم ويصنف الجلد بعدها حسب درجة جودته درجة اولى ومتوسطة ودرجات اخرى.
تبدأ ساعات العمل من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء على مدار عشر ساعات يوميا باستثناء ساعة للغداء يقضى العمال بها عملا محببا اليهم وان نغصهم قلة العائد المادى فاليومية تتراوح بين خمسين وسبعين جنيها تتأثر بفترات المواسم فتأتى فترة يقل بها العمل اضافة الى ان كثيرا من العمال غير مؤمن عليه والفئة المؤمن عليها تعانى من المعاش المتدنى الذى لا يزيد على اربعمائة جنيه.
وتعد عربات الكارو وسيلة لنقل الجلود لداخل المدابغ ففى الطرقات الضيقة غير المستوية تراصت العربات فى انتظار حمولة بعشرة جنيهات او حسب النصيب ونفس الثياب الرثة والرائحة الخليط بين المواد الكيماوية والجلود حال سائقى عربات الكارو او العربجية وان كان يزيدون بؤسا عن عمال المدابغ فليس لهم يوميات وانما بالحمولة التى قد تأتى او لا.