
محسن عادل
الأسواق الناشئة.. استثمر فى الخراف ولا تستثمر فى الماعز
منذ بداية عام 2014 بدأ المستثمرون يقلقون، وينبغى عليهم ذلك، فيما يخص الأسواق الناشئة، فى بداية فترة التعافى الاقتصادى، ثبطت الأرباح المنخفضة من عزيمة المستثمرين الذين ضخوا استثماراتهم فى أسواق الدول النامية، وعليه فقد سارعوا للاستثمار فى أسهم وسندات الأسواق الناشئة، التى تبشر بمعدلات نموسريعة للغاية، وخلال عامى 2009 و2010 حققت الاقتصادات الناشئة معدلات نموأسرع بكثير مما حققته الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ارتفعت أسعار الأسهم بنسبة 46٪ سنوياً، أى أكثر من ضعف المكاسب التى حققتها الأسهم الأمريكية، كما تدفقت الأموال الساخنة على الأسواق الناشئة، وواصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة- رغم صعوبة إخراجها من تلك البلدان- تدفقها أيضاً على تلك الأسواق، وفى العام الماضى، حققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نمواً قدره 6٪ فى بلدان العالم النامى لتصل إلى 759 مليار دولار، أو52٪ من إجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم، وخلال تسارعهم العشوائى نحوالاستثمار فى الأسواق الناشئة، لم ينتبه المستثمرون إلى نقطتين على قدر كبير من الأهمية: أولاً: تعتمد جميع تلك الاقتصادات فى المقام الأول- من دون استثناء- على الصادرات لتحقيق معدلات النمو، ما يعنى أنه يجب على اقتصادات الدول المتقدمة، لاسيما الولايات المتحدة، أن تكون قادرة على شراء إنتاج وبضائع تلك الدول، ثانياً: لا تقف جميع الأسواق الناشئة على قدم المساواة، بالنسبة للنقطة الأولى، لن يكون نموذج العالم النامى، فيما يخص النموالقائم على الصادرات الذى حقق نجاحاً كبيراً خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، قابلاً للحياة خلال أربع سنوات أخرى أونحوذلك فى حال واصلت الولايات المتحدة تخفيض ديونها من خلال التوقف عن استيراد إنتاج الأسواق الناشئة، فى الوقت نفسه ورغم خروج أوروبا من حالة الركود الاقتصادى من المحتمل أن يظل النموالاقتصادى ضعيفاً فى أحسن الأحوال، قاد الانخفاض فى معدل ادخار الأسر الأمريكية من 12٪ فى أوائل ثمانينيات القرن العشرين إلى 2٪ فى منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين- النموللارتفاع فى الولايات المتحدة والاقتصاد العالمى، وخلال الفترة التى انخفض فيها معدل الادخار، زاد الإنفاق الاستهلاكى بنحو1.5٪ فى العام أسرع من زيادة الدخل (بعد خصم الضرائب) وهوما أدى إلى نموالناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنحو0.5٪، أما الآن، فتتحرك جميع المؤشرات فى الاتجاه المعاكس، فقد اتجه القطاع العائلى للادخار مرة أخرى بسبب حالة عدم اليقين فيما يخص محافظ الأوراق المالية، وضعف الأسهم المحلية، بالإضافة إلى فقدان الأموال التى ذهبت كأصول تقاعد لمواليد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان لتحرك المؤشات فى الاتجاه المعاكس أثر كبير وقوى فى الخارج، فكل ارتفاع مقداره نقطة مئوية فى الإنفاق الاستهلاكى فى الولايات المتحدة، يقابله زيادة تقدر بـ 2.8٪ فى الورادات الأمريكية- أوصادرات العالم الخارجى- فى المتوسط سنوياً- لذلك عندما يقف الأمريكيون عن الإنفاق فإن بقية العالم يعانى كثيراً، أما بالنسبة للنقطة الثانية فيشعر المستثمرون الذين هرعوا إلى ضخ أموالهم فى الأسواق الناشئة وفشلوا فى التفريق بين النوعين بألم كبير بسبب ذلك الخطأ ويمكن تقسيم الاقتصادات الناشئة إلى نوعين، يمكن أن نطلق على النوع الأول «الخراف» وهى الدولة النامية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان والفلبين، وتدار تلك الاقتصادات بشكل جيد، وهوما يظهر بوضوح من خلال قياس فوائض الحساب الجارى وانخفاض التضخم وأسعار العملات المستقرة وأسواق الأسهم وأسعار الفائدة، أما النوع الثانى فيمكننا أن نطلق عليه «الماعز» مثل تركيا والهند وجنوب إفريقيا وإندونيسيا والأرجنتين والبرازيل، حيث تعانى تلك الدول عجزاً فى الحساب الجارى، وعملات ضعيفة غير مستقرة ومعدلات تضخم مرتفعة وانخفاضاً فى أسعار الأسهم، بالإضافة إلى معدلات أسعار فائدة عالية، لا تمتلك «الماعز» الأموال الكافية لتغطية هجرة الأموال الساخنة التى بدأت الربيع الماضى، بالتالى اضطرت «الماعز» لرفع أسعار الفائدة لجذب واستبقاء الأموال الأجنبية، وتعانى «الماعز» من مشاكل أخرى، بما فى ذلك الاضطرابات العمالية فى جنوب إفريقيا، التى أجبرت الحكومة على رفع الأجور خلال فترة التباطؤ الاقتصادى، أما تركيا والهند فلديهما إرث كبير من المشاكل فيما يتعلق بالفساد الحكومى، الأكثر من ذلك تسببت معدلات الإنفاق الهائلة على بنود الدعم الحكومى فى الأرجنتين وفنزويلا فى زيادة معدلات التضخم وعجز الحساب الجارى، وكان من نتائج ذلك فرض قيود على تداول العملة المحلية، وحدوث نقص فى العملات الأجنبية فى السوق المحلية، والتى زادت أسعارها بشكل كبير بالمقارنة بأسعار السوق السوداء، حتى بعد تخفيض قيمة العملة بنسبة 10٪ فى الأرجنتين، يؤدى انخفاض قيمة العملة المحلية إلى زيادة تكلفة خدمة الديون الخارجية وكذلك زيادة معدل التضخم بسبب ارتفاع فاتورة الواردات غير أن انخفاض قيمة العملة ربما يساهم فى زيادة الصادرات من خلال تخفيض قيمتها، لكن السؤال يبقى: إلى أى دول ينبغى على الاقتصادات الناشئة توجيه صادراتها؟ وقد انخفضت صادرات أوروبا وأمريكا الشمالية فى الوقت الذى يجعل تباطؤ النموفى الصناعات التحويلية فى الصين بيئة الأسواق الناشئة صعبة على كل من المتنافسين وموردى المواد الخام، وربما يثبت أن المشاكل التى تعانى منها الأسواق الناشئة، والتى تمثل 50٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى العالم، تنتقل عن طريق العدوى إلى بلدان أخرى، وقد بدأت عملية إعادة التقييم المؤلمة للاقتصادات الناشئة من قبل المستثمرين عندما ظهر حديث مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى عن تخفيض إجمالى التيسير الكمى، لم يعبر المسئولون فى الأسواق الناشئة عن امتنانهم قط لمجلس الاحتياطى الفيدرالى بخصوص مساعدته فى خلق كل تلك التدفقات المالية الميسرة، لكنهم الآن يلقون عليه باللوم فى هجرة الأموال لبلادهم، ومع ذلك لا يظهر مجلس الاحتياطى الفيدرالى أى نية لعرض مساعدات لإنقاذ تلك الدول، فى عام 2011 قال رئيس الاحتياطى الفيدرالى السابق بن برنانكى إن الأمر يتعلق بالفعل بقدرة الأسواق الناشئة على إيجاد الأدوات المناسبة التى تساعدها فى تحقيق التوازن فى معدلات النموالخاصة بها، ورداً على الأزمة الحالية التى تشهدها الأسواق الناشئة قالت رئيسة الاحتياطى الفيدرالى جانيت يلين خلال جلسة استماع فى الكونجرس فى شهر فبراير «شباط» إن مشاكل الاقتصادات الناشئة لا تمثل خطراً فى الوقت الحالى بالنسبة لتعافى الاقتصاد الأمريكى، مشيرة إلى عدم حدوث أى تغيير فى سياسة المجلس فيما يخص تخفيض إجمالى التيسير الكمى، لكن الشركات الأمريكية تبدومعرضة بشدة للتأثر بما يحدث فى الاقتصادت الناشئة، فى عام 2011 كان 34٪ من إجمالى مبيعات فروع الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات فى الأسواق الناشئة فى مقابل 25٪ فى عام 2000 كما تظهر الأرقام المتعلقة بالأسواق الناشئة بوضوح خطط الشركات الأمريكية للتوسع فى الخارج، وفى عام 2011 استحوذت البلدان النامية على 42٪ من إنفاق فروع الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات فى الخارج، مقارنة بـ30٪ فى عام 2000 وكما أشرت سابقاً وجد المستثمرون أنفسهم مجبرين على الفصل بين «الخراف» و«الماعز » فيما يخص الأسواق الناشئة لاسيما منذ أن دشن مجلس الاحتياطى الفيدرالى سياسته الخاصة بتخفيض إجمالى التيسير الكمى، حيث تمتلك «الخراف»- كوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان والفلبين- فوائض فى حساباتتها الجارية أى فائض الادخار المحلى عن الاستثمار المحلى من 4٪ من الناتج المحلى الإجمالى إلى ما يقرب من 12٪ اعتباراً من أواخر عام 2013 وتقوم «الخراف» بتصدير ذلك الفارق، وهوما يسمح لها بتغطية هجرة الأموال الساخنة، وتساعد تلك الفوائض «الخراف» على عدم اتخاذ أى خطوات لرفع أسعار الفائدة وهوما يعزز قدرتها على الاحتفاظ بأموال المستثمرين داخل أسواقها، كما تتمتع الخراف باستقرار عملاتها مقابل الدولار الأمريكى، مع بقاء أسعار الصرف من دون تغيير نسبياً منذ عام 2009، وقد ظل معدل التضخم المعدل فى «الخراف» الذى يصل إلى أقل من 4٪ هوالقاعدة على مدى عدة سنوات، وقد ظلت أسواق الأسهم فى اقتصادات الخراف» مستقرة نسبياً خلال العقد الماضى، على عكس اقتصادات «الماعز» التى شهدت أسواق الأسهم فيها انخفاضاً شديداً.