العمالة الوافدة في بلد الإنسانية والتعايش
في قصة أعتبرها غير نمطية نقلت جريدة «الأيام» قصة طبيبين بحرينيين يعملان في بريطانيا وهما محمد الوداعي ومحمد رجب، ويساعدان في علاج المصابين بفيروس كورونا الذي يهاجم المملكة المتحدة بشراسة، وراح ضحيته حتى ساعة كتابة هذا المقال 8 أطباء، فضلاً عن أكثر من 100 ألف إصابة وأكثر من 11 ألف متوفى. الطبيبان كغيرهما من الأطباء المهاجرين العاملين في إنجلترا، آثرا البقاء في ساحة الحرب الفيروسية، التزامًا منهما بالواجب الإنساني والمهني، وقد أصيبا بالمرض وتعافيا منه وما زالا يعملان في خدمة المرضى ويتواجدان مع زملائهما من جنسيات وعرقيات مختلفة جمعتهم الحرب دون تفرقة عنصرية أو تمييز، بل الجميع يقف على خط التصدي لا ينظر لمن بجواره، ليعرف ما لونه أو بلده. وعلى الجانب الآخر، أرى على بعض مواقع التواصل في مجتمعنا، بعض الأقليات التي تريد إثارة أي فتنة وتعمل ليل نهار لمحاولة استغلال الأزمة لافتعال مشاكل، فبدأوا بالحديث عن العالقين في إحدى الدول، وهاجوا وماجوا، رغم أن هناك عشرات الأضعاف من العالقين في بلدان أخرى. وعندما أعلنت الدولة عن جدول للإجلاء والإعادة، لم يتركوها بل حاولوا انتقادها بشراسة، وعندما فشلوا، بدأوا حربًا شعواء ضد العمالة الآسيوية التي ظهرت فيها إصابات بالفيروس بأعداد كبيرة، وكأن تلك العمالة قد استوردت الفيروس لحسابها الخاص، ولم تصب به من أشخاص آخرين شأنهم كشأن أي إنسان، لا يدري كيف أصيب أو من الذي نقل له العدوى. ولم يفكروا في أن هؤلاء يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة بالتكدس في مساكن بعيدة عن الآدمية، في محاولة منهم لاقتطاع جزء من مدخولهم المتدني لإرساله إلى عوائلهم التي تنتظر بفارغ صبر تلك الدراهم المعدودة، بل هاجموهم بشراسة أكثر من الفيروس نفسه. ولكن ما أنا على يقين منه، هو أن هؤلاء شرذمة قليلون، ولا يمثلون أهل البحرين ذوي الأصالة والتعايش والتسامح، ولم يقرأوا تاريخنا، بل إنهم بلا تاريخ لأنهم لا ينتمون للإنسانية، وغرضهم الأسمى هو شق صف أهل البحرين بأي وسيلة. لم أكن أود الحديث عن مثل هؤلاء، لأن مجرد ذكرهم يعتبر تلويثًا للقلم الذي أكتب به، لكن قصة الطبيبين دفعتني لأسألهم: ماذا لو فعلت بريطانيا مثلما تفعلون؟ وهل نعتبر أطباءنا وأبناءنا الذين يعملون في دول أخرى، هم أيضا عمالة وافدة لتلك الدول؟. إن أزمة كورونا كشفت أقنعة كثيرة، وعرفنا منها وجوهًا كانت تخبئ خلف أستار الوطنية الزائفة، عنصرية مقيتة لم نعرفها منذ أن وعينا على تلك البسيطة وقرأنا تاريخنا المشرف. ولعل كلمات قالها المقدم طبيب مناف القحطاني في آخر مؤتمر صحفي، حول أوضاع العمالة الآسيوية، كانت معبرة عن أصالة هذا الشعب، وشعرت وكأنه يتحدث بالنيابة عنا جميعًا، حين رفض ربط الفيروس بأي جنسية أو عرق، وقال «تحتم علينا الإنسانية مساعدة العمالة الوافدة وتوجيههم والمحافظة عليهم لأنهم متواجدون لبناء المجتمع، وجاء الدور لحمايتهم وتوعيتهم وتوفير سكن لهم». وهذه الكلمات تعبر أيضًا عن نهج المملكة ومليكها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفه حفظه الله ورعاة، ملك الانسانية، ملك الحقوق الإنسانية والتعايش السلمي، فقد بدأت الحكومة في تسكين هؤلاء العمالة وإيوائهم في المدارس لحين حلحلة قضية السكن المكتظ، وهو قرار إنساني قبل أن يكون إجراءً احترازيًا، وكان من الممكن اتخاذ إجراءات أخرى، لكني أرى فيما فعلته الحكومة ما يمثل البحرين وأهلها الطيبين. فلا داعي يا أهل الشر أن تلوثوا سمعتنا لأنكم لا تمثلوننا ولا تمثلون أهل البحرين الشرفاء الأصيلين. رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية.