البنية تحتية للتكنولوجيا الحيوية
في هذا العصر الذي نعيشه اختفى مقياس قوة الأمم بمواردها الطبيعية أو بالمساحة والتعداد السكاني، أو حتى القوة العسكرية، حيث كان الاقتصاد والقدرات العسكرية الكبيرة هما المحددان لماهية الدولة وسط باقي سكان الكوكب، لكن اختفى كل ذلك في «أيام الكورونا» وارتفع سهم المخزون العلمي لدى الدول وأصبح صاحب السيطرة دون منافس. أقول ذلك بعد تردد أنباء عن حرب خفية بين بعض الدول منها على سبيل المثال بين ألمانيا وأمريكا للفوز بقصب السبق في إنتاج علاج لمرض كورونا الذي أصاب العالم بالشلل التام، وبدأت الحرب بانتقاد من المسؤولين الألمان سعي أمريكا لاحتكار الحقوق الحصرية لعقار يتم تطويره حاليًا من قبل شركة في ألمانيا ضد الفيروس القاتل، حيث وجه وزير الاقتصاد الألماني رسالة مبطنة في أثناء حلقة نقاشية تلفزيونية، إلى الرئيس الأمريكي السيد ترامب الذي يحاول ضمان لقاح حصري لبلاده، مفادها أن «ألمانيا ليست للبيع». وبينما تنخفض أسعار المحروقات في العالم وتتوقف عجلة الإنتاج، يحبس الناس أنفاسهم بانتظار منتج واحد فقط وهو لقاح ضد فيروس كورونا، ويقف زعماء العالم عند أبواب علماء طب الفيروسات الذين غادروا منطقة الظل التي كانوا يعملون فيها، إلى خط المواجهة والصدارة في كافة وسائل الإعلام العالمية. وسيكون لشركة «كيور فاك» الألمانية الكلمة الفصل حال نجحت في إنتاج لقاحها، وهي الشركة التي لم يكن أحد يعرف عنوان مقرها في مدينة ألمانية تسمى «توبينغن»، على بعد 30 كيلومترا جنوب شتوتغارت، وذلك بعد ما اشيع ويتردد ويقال أن الرئيس الأمريكي عرض عليها مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية للعقار. تلك الأحداث تؤكد لنا يومًا بعد آخر أن العلم سيبقى هو المتحكم الوحيد في مصير الأمم ومدى تطورها وقدرتها على المنافسة والبقاء على قيد الحياة، فبمجرد أن تحصل أي دولة على عقار لعلاج الفيروس الذي اجتاح العالم، فإنها لن تتردد بالمساومة والتفاوض للحصول على ما تريد من أي دولة في العالم، وهذا ما يحاول الرئيس الأمريكي ترامب فعله حاليا، حيث أدركت أمريكا أن البقاء على قمة هرم سلطة العالم يحتاج لدعم البحث العلمي، وآثر حاكم أقوى دولة في العالم أن يقف في البيت الأبيض خلف الباحث ورئيس مركز الأوبئة في الأزمة ويستمع له. وقبل عصر كورونا كنا نتحدث عن الاقتصاد كقوة ناعمة عظمى يمكن أن تتحكم في العالم، إلا أننا كنا مخطئين وجاء «كورونا» ليضعنا على الطريق الصحيح، بأن العلم والمعرفة هما أساس تطور البشرية، وسيبقى هذا المعيار هو الأوحد حتى يأتي الله بأمره. فما أدرانا بعد التغلب على فيروس كورونا، أن يظهر في العام القادم فيروس آخر مستجد ومتطور يعيدنا إلى مناطق العزل ثم البحث العلمي مرة أخرى حتى ينقذنا عالم تكنولوجيا حيوية منه، وتتكرر القصة في كل موسم! الجهود الجبارة التي قام ويقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الامين، هي خطوات جادة في الاتجاه الصحيح تؤكد أننا نستطيع خلق بنية تحتية للتكنولوجيا الحيوية، في زمن يحتاج لهذا العلم وبقوة، كما أن الاستجابة الواسعة من المواطنين لنداء التطوع في الحملة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، يعزز من فكرة استغلال تلك الطاقات والبحث خلالها عن كوادر تستطيع أن تتفوق في هذا المجال. رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية