التنمر الإلكتروني في مجتمعنا.. وعلاقته بفيلم «جوكر»
04:01 م - الأحد 12 يناير 2020
استطاع الممثل خواكين فينيكس أن يحقق نجاحا فاق حدود التصور في فيلم «جوكر» حيث حصل على جائزة أفضل ممثل في حفل توزيع جوائز جولدن جلوب 2019، وأثار الفيلم نفسه جدلا واسعا بعد عرضه، بسبب تبريره لجرائم القتل الذي فعلها بطل الفيلم المريض نفسيا والذي كان يعاني من مشاكل تنمر المجتمع ضده ومرضه العقلي.
فالبطل الذي كان يعيش مع والدته المريضة، ويحاول جمع بعض النقود من عمله كمهرج لينفق عليها، تعرض لتنمر أشخاص في أحد القطارات وكان يحمل أثناء ذلك مسدسا، فقام بقتل ثلاثة أشخاص، وفي وقت لاحق تعرض مرة أخرى للسخرية من أحد مشاهير مقدمي البرامج التلفزيونية، بسبب أحد العوميدية التي قدمها وفشل فيها بسبب حالته المرضية، حتى بات مادة للسخرية على الملأ بعد نشر مقطع فيديو له في البرنامج التلفزيوني.
وحين سنحت الفرصة للقاء مع هذا المذيع في برنامجه، قام بإطلاق النار عليه أمام المشاهدين وبدون أي تردد، ولم يكن ذلك إلا نتاج المعاناة التي كابدها في حياته ومرضه العقلي، وتوقف إمداده بالأدوية التي كانت تعينه على ضبط حالته النفسية.
الفيلم يعتبر من أفضل الأفلام من حيث التمثيل، واستطاع أن يحدث جلبة في المجتمع والعالم حول قضية التنمر، وإلى أي مدى يمكن أن تصل بالإنسان، وتدمر المجتمع حال تجاهل أسبابها.
نفس الأمر يحدث على المستوى المجتمعي في كل مكان بالعالم، وليست البحرين ببعيدة عن ذلك، فكثيرا ما نشاهد أحد المواطنين يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، ليشكو إليها حالته وحزنه على ما أصابه من مشاكل ومصائب الدنيا، وقد انتشرت تلك الوسائل مؤخرا بصورة كبيرة حتى أصبحت مثل «صندوق الشكاوى» المتواجد في كل مؤسسة حكومية، إلا أنها تميزت بالإيجابية نوعا ما، بعكس تلك الصناديق التي تستقبل ولا ترسل.
ولست هنا بصدد مناقشة قضية ذهاب الشكاوى أدراج الرياح، ولكن المصيبة أن بعض الأشخاص يسيئون للمجتمع بالسخرية من أصحاب تلك الشكاوى ويتنمرون عليهم ويجعلونهم مادة للضحك والاستهزاء ويضيفون للفيديوهات تعليقات وعبارات مشينة لا تعبر عن المجتمع المسلم العربي ولا مجتمعنا الذي عرف بحبه للخير ومساعدة الآخرين والوقوف بجانب المحتاج في كافة المواقف.
وهناك أمثلة كثيرة لهؤلاء الذين تراهم ينشرون مقاطع فيديو لشكواهم، ويصل بهم الأمر أحيانا للنحيب والبكاء، بسبب ما يتعرضون له من ضغوط في حياتهم لا يعلمها إلا الله، ثم يأتي أشخاص لا ينتمون للإنسانية، ويحولون هذا البكاء وتلك الشكوى إلى مقطع ساخر مثير للاشمئزاز في بعض الأحيان.
وقد كان الواجب على هؤلاء أن يساعدوا في إيجاد حل لمشاكل إخوانهم ان كانت تستحق ذلك، أو المعاونة في توصيل الشكوى لأكبر شريحة ممكنة باستخدام نفس الوسائل، إلا أنهم يستغلون مهاراتهم في نشر الشر والاستهانة بمشاعر الناس، ونسوا ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله الكريم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
قد تحتاج تلك الممارسات إلى تشريعات تتضمن بعض العقوبات الرادعة ضد هؤلاء المتنمرين، لكن لابد في البداية أن يكون هناك حملات توعوية حول الأثر السلبي لهذا الفعل المستهجن، والذي ربما يؤدي إلى خسائر في المجتمع لا يحمد عقباها، فليس العالم ببعيد عنا، وعادة ما تستنسخ الجرائم من أحداث وأفلام، ولا نتمنى أن يحدث ذلك في مجتمعاتنا التي يغلب الخير فيها على الشر، لكن يجب الحذر والوعي وحساب سوء العاقبة.