الغلاء غول يفترس أحلام الفقراء.. والأسعار الاسترشادية علاج مؤقت لم يؤت ثماره
الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع خاصة الخضر والفاكهة التى صاحبتها حالة من معاناة وشكوى مستمرة للمواطنين جعل الدولة تهدد بفرض التسعيرة الجبرية على أسعار الخضر والفاكهة اذا لم تنخفض الأسعار ومعاقبة المخالفين وفقا للمادة 56 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 والذى ينص على الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من الف جنيه إلى 5 آلاف جنيه فى حالة عدم الالتزام بالتسعيرة الجبرية وما بين مؤيد ومعارض للتسعيرة الجبرية انتهى الحال إلى انه سيتم تطبيق التسعيرة الاسترشادية حيث يتم وضع أسعار استرشادية للخضر والفاكهة تكون فى متناول المواطنين خاصة محدودى الدخل يلتزم بها جميع تجار التجزئة ويتم مراقبتها من قبل مفتشى الوزارة ومباحث التموين ولكن هذه التجربة ايضا لم تفعل حتى الان. حيث اكد التجار أن الحكومة فرضت التسعيرة دون دراسة مسبقة وان الأسعار تعتمد بشكل كبير على قانون العرض والطلب وزيادة كميات المحصول فى الاسواق. فى البداية يقول محمود العسقلانى رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء أن فكرة الأسعار الاسترشادية خطوة اولى ودائما لا تنجح الخطوات الاولى بنسبة 100% فهى تعد خطوة جيدة فى حد ذاتها فعلى مدى 30 عاما ماضيا لم نستطع أن نتفوه بالحديث عن الأسعار سوى فى الخفاء بعيدا عن اعين الحكومة. ويؤكد العسقلانى أن التسعيرة الاسترشادية ستضمن وصول السلعة بسعر عادل اذا تم التعامل مع هذا الموضوع بشكل منظم. واضاف قائلا إن التسعيرة الاسترشادية تعانى من عيوب ابرزها المعركة مع رجال الاعمال والتجار، لذا بات من الضرورى أن يتم معالجة هذه الخطوة فى هذا الوقت الحالى قبل فشلها بشكل تام. وقال تأتى اولى خطوات المعالجة من خلال السيطرة على الاسواق بزيادة اعداد مفتشى التموين نظرا لان عددهم لا يتناسب مع الاسواق وايضا وضع مرتبات جيدة للمفتشين. واكد العسقلانى ضرورة التوصل لحلول عملية من اجل القضاء على الخصومة بين التاجر والدولة مناشدا جهاز حماية المستهلك وجمعيات حماية المستهلك بالرقابة على الاسواق والتأكد من الأسعار المعلنة.
ومن جانبها كشفت سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك عن عدم نجاح التسعيرة الاسترشادية للخضر والفاكهة التى حددتها وزارة التموين والتجارة الداخلية فى تحقيق الاستقرار بالأسعار خاصة فى اوقات المناسبات المرتبطة بالمواسم والاعياد. مضيفة أن التسعيرة الاسترشادية يتم تطبيقها من قبل وزارة التموين دون دراسة حقيقية وكافية للاسواق لتحديد كميات الانتاج ومواعيد العروض بالنسبة للخضر والفاكهة. واشارت إلى عدم قدرة المجمعات الاستهلاكية على توفير احتياجاتها من السلع لاحداث توازن فى الأسعار بجانب ضعف قدرات جمعيات حماية المستهلك التى لا تملك الاليات الكافيه لمواجهة جشع التجار وفوضى الأسعار غير المبررة. واوضح الدكتور حمدى عبدالعظيم الخبير الاقتصادى أن قرار التسعيرة الاسترشادية جاء خاطئا من البداية نظرا لان محاولة تطبيقه محكوم عليها بالفشل لعدم القدرة على ضبط الاسواق والسيطرة على عددها وعدد التجار فيها بالاضافة إلى نقص عدد مفتشى التموين وتراخيهم عن مسئولية البحث فى ظل استمرار العمل بالرشوة، مضيفا أن مصر تمر بحالة من الثورية تحتاج إلى التأنى فى اتخاذ القرارات وطرحها على اكثر من جهة وهو ما لم تفعله حكومة الدكتور الببلاوى نظرا لانها اتخذت قرار التسعيرة بعيدا عن مشورة كل الجهات.
يقول محسن خضيرى الخبير الاقتصادى: إن الأسعار الاسترشادية اقرت بالامر الواقع فى السوق ولكنه كان يجب أن ينظر إلى الأسعار عند العرض والطلب والتكلفة عند الانتاج والتوزيع والنقل ولكنه لم يأخذ فى الاعتبار هذه التغييرات وهدد الوزير بالتسعيرة الجبرية ولم يستطع تنفيذها لانه سيصبح هناك سوق سوداء تساعد على اختفاء السلع من الاسواق وينتج عنها ازمة فى السلع الضرورية. ولكنه كان يستطيع أن يقوم بتعديلات تشريعية بحيث يكون هناك حدود قصوى بالنسبة لارباح السلع عند تاجر الجملة والتجزئة وهذا النظام معمول به فى الدول الرأسمالية الحرة، واكد خضيرى أن الاجهزة الرقابية مهما كان عددها لا يمكنها تغطية جميع الاسواق، مؤكدا أن يكون للمستهلك دور رئيسى فى مساعدة الاجهزة الرقابية عن طريق الاتصال بها حال وجود مخالفة أو عن طريق عدم الشراء بأسعار مرتفعة. وفى جولة بين المواطنين فى عدد من الاسواق رصدت جريدة «السوق العربية» بالكلمات حجم المعاناة لدى المواطنين.. ومن جانبها قالت عبير عبدالواحد ربة منزل مقيمة باحدى ضواحى الجيزة أن التسعيرة الاسترشادية زى قلتها ولم تأت بجديد فمازالت الأسعار فى ازدياد مستمر دون مراقبة حكومية، موضحة أن الحكومة السابقة كانت عاجزة عن السيطرة على الاسواق ولم تطبق الأسعار الاسترشادية ولم تستطع ملاحقة التجار الجشعين، واضافت انها عجزت عن شراء حاجتها من السوق لانها لم تستطع توفير المال لشراء كل حاجتها فبدلا من كيلو طماطم قللت الكمية إلى نصف كيلو.. كما اكدت أن جشع التجار مستمر بلا رحمةة وكأنهم ينتقمون من المستهلك بدلا من الانتقام من الحكومة فهى دائرة من العند ما بين الحكومة والتجار لم يدفع ثمنها سوى الفقراء من الشعب، مرددة حسبى الله ونعم الوكيل فى كل تاجر ليس لديه ضمير.
ويؤكد فهمى عبدالفتاح موظف بالمعاش أن أسعار السلع من الخضروات والفاكهة فى اسواق مصر الجديدة تفوق الأسعار الاسترشادية التى اعلنتها وزارة التموين بل ان الباعة اعتادوا على بيع سلع رديئة وبأسعار مرتفعة وعندما تطلب منهم الالتزام بالأسعار الاسترشادية يكون رد الفعل الضحكات والسخرية من هذه الأسعار، مؤكدين انه لا قيود عليهم فى البيع والشراء.
وتقول امنية محمود ربة منزل انها تتوجه إلى سوق المطرية لشراء احتياجات اسرتها من السلع لكنها تتفاجأ بالأسعار كما هى ولم يحدث اى تغيير يذكر وعندما تسأل البائع عن الأسعار التى اعلنتها وزارة التموين يرد قائلا كأنى لم اسمع منك شيئا، اما انور صابر مدرس لغة عربية فيؤكد أن تجربة الأسعار الاسترشادية لم تفعل إلى الان ولم يحدث اى تغيير فى الأسعار فالأسعار كما هى على حد قوله، واكد غياب الاجهزة الرقابية فى الاسواق وانه لم يسمع عن اى منعا فى الاسواق الشعبية لحمايه المشترين، مشيرا إلى أن السلاسل التجارية الكبرى يكون عندها التزام بسياسة الاستبدال وارجاع البضائع لكن البائعين فى الاسواق الشعبية لا يلتزمون بالأسعار الاسترشادية التى تعلنها وزارة التموين مؤكدا أن الاجهزة الرقابية مثل مباحث التموين وحماية المستهلك غائبة تماما وليس لها اى وجود.
تقول اميرة عبدالمقصود موظفة: اعمل باحدى جمعيات حماية المستهلك وانفى تماما ما يتردد من افواه بعض المواطنين من ادعاءات تقول أن جمعيات حماية المستهلك غائبة تماما ولا تساعد المستهلك فى الحماية من الجشع الواقع عليه من قبل بعض التجار الفاسدين وتلقى عبدالمقصود المسئولية على اغلب المواطنين الذين غابت عنهم ثقافة حماية المستهلك على حد قولها، وتقرر أن المواطن يكون امامه وسائل عديدة للشكاوى وابسطها ارسال الشكوى عبر البريد إلى مكاتب التموين، مشيرة إلى أن التاجر بطبيعته يميل إلى تحقيق المكسب السريع والمرتفع عند بيع بضائعه وتطالب بنشر ثقافة حماية المستهلك وعنصر المنافسة الشريفة والالتزام بميثاق الشرف التجارى لكن المستهلك هو الذى يشجع التاجر على الجشع على حد قولها من خلال الفصال وشراء البضائع دون فواتير صحيحة فى الوقت الذى لا يعلن التاجر عن أسعار السلع التى يبيعها.
يقول محمد صالح تاجر خضار وفاكهة أن التسعيرة الجبرية أو الاسترشادية بمثابة ردة للوراء وجاءت نتيجة ضغط اعلامى ومن مصلحة المستهلك الا تكون هناك تسعيرة حتى لا يتحول المعروض إلى درجات ومن يريد الشراء بالتسعيرة سوف يشترى الاردأ وهذا كلام انتهى من 40 عاما، مشيرا إلى أن الاصل فى الدور الذى تقوم به وزارة التموين وفقا لقانون سنة 1945 هو تنظيم السلع المدعومة عند البقالين وليس ضبط الاسواق.
ويرى نبيل سعد الدين صاحب متجر شهير أن التركيز واختيار قطاع الخضر والفاكهة لتطبيق التسعيرة الاسترشادية غير موفق لانها سلعة تعتمد على بورصة يومية حسب الموسم والعرض والطلب والنقل ونوعية الفرز وبالتالى لا تصلح.. التسعيرة كانت تجدى فى السابق حين كان تعداد السوق 20 مليون مواطن اما الان فهو تخطى 90 مليونا بخلاف أن 60% من تجار الخضر والفاكهة عشوائيون وباعة متجولون ويغيرون اماكنهم ومصادر الخضر والفاكهة متنوعة والمنافسة الشريفة هى التى تضبط الاسواق وضبط الأسعار لن يتحقق الا بمواجهة قوية للاحتكار وحسن النية وحده لا يكفى.