العلاقة العكسية بين السائل والمسؤول
04:43 م - الإثنين 11 نوفمبر 2019
الحديث عن هموم المواطن، وحب الوطن والحفاظ على مقدراته هو حديث لا ينتهي، ويبقى محور اهتمامنا جميعًا، لأن مصلحة المواطن من مصلحة الوطن، والعلاقة عكسية تبادلية نفعية تقترب في حالتها من العلاقة الأسرية ولكن في نطاق أوسع.
فإذا كنت فردًا في أسرة يصبح لك حقوق وتترتب عليك التزامات، ولا يمكن أن تأخذ دون أن تعطي، وهذا ما يجب أن نضعه في اعتبارنا عند التعاطي مع القضايا الوطنية، فالذي يحاسب الدولة على مواطن الخلل في مؤسساتها، يجب أن يتذكر أن أصحاب الخلل هم مواطنين أيضًا أخلوا بمسؤولياتهم، ويعتبروا أحد أفراد الأسرة الكبيرة، وأن إصلاح الخلل ومحاسبة المسؤول عنه يمثل مصلحة غير مباشرة لبقية الأفراد، ويرتب مسؤولية الإبلاغ عنه.
هذا الحديث تذكرته عندما قرأت خبر عن سفير اليابان بالكويت تاكاشي ياشيكي، يتحدث فيه عن نشاط يقوم به تطوعًا، حيث يقوم بتنظيف شواطئ الكويت كل عام، وتذكرت شكوى لإحدى السيدات عن امتلاء عبوات القمامة في فصول الطلبة بالمدارس بسبب تقليص عدد عمال النظافة، وهي ترى أن على الدولة أو الوزارة توفير عمال ينظفون مخلفات ابنها وباقي زملائه في الفصل أو المدرسة.
ومرت بمخيلتي صورة يعرفها الجميع، لطلبة مدارس اليابان وهم ينظفون فصولهم الدراسية وحمامات المدارس، فلا يوجد عمال في المدارس باليابان، إذ يقوم الطلبة بتلك المهمة وهو ما يمنح شعورًا بالتضامن مع الزملاء، وتعزيز الإحساس بالمسؤولية لكل طالب.
كما لا يوجد في اليابان حافلات مدرسية لنقل الطلبة إلا في حالات المناطق النائية، بينما يذهب الطلبة إلى مدارسهم يوميًا سيرًا على الأقدام أو بالدراجات كما كنا نفعل في السابق، وربما لا نستطيع استنساخ التجربة لدينا، لكن يمكن تطبيقها على نطاق ضيق وتشجيع الطلبة عليها.
وتمنع مدارس اليابان الوجبات السريعة داخل المدارس، ويجب على الطالب أو حتى المعلم أن يأتي بوجبته من منزله، ويتناول الطلبة وجباتهم سويًا داخل الفصل الدراسي، كما تضع اليابان قيودًا صارمة على المشروبات الغازية.
والطريف أن طلبة اليابان يعتبرون قاعة الدراسة بمثابة غرفهم الخاصة، حيث يبقى الطالب في نفس القاعة منذ بداية دخوله المدرسة وحتى التخرج، ويتولون مسؤوليتها كاملة، وهو ما يعطي شعورًا بالانتماء للمكان والعائلة المتمثلة في الزملاء، وتصبح القاعة بمثابة بيت العائلة الذي يصعب الانفصال عنه.
ولدى اليابان عادة خلع الأحذية عند الدخول إلى أي مكان ومنها المدارس، حيث يتم تخصيص خزانة للأحذية عند بوابات المدارس كي يخلع الطلاب أحذيتهم المتسخة، ويستبدلوها بأخرى نظيفة داخل المدرسة، وكذلك الحال عند الدخول إلى الساحات الرياضية بالمدرسة، فيقوم الطالب بخلع حذاء المدرسة الداخلي، وارتداء الحذاء الرياضي، وهذا المفهوم موجود لدينا ولكن في المساجد فقط ولكن يمكن تعميمه بسهولة ويسر على المدارس.
وما أن يبدأ الطفل إدراك حياته سواء في المنزل أو المدرسة، يعلم أن عليه مسؤولية، فلا يوجد خادمة في المنزل تأتي له بأكله وتغسل له ملابسه، ولا يوجد عامل ينظف له فصله، وتلك المنهجية التي تنتهجها اليابان، نراها في تحمل مسؤوليها المسؤولية عن الخطأ والذي يصل ببعضهم للانتحار.. ولا نريد أن يحدث ذلك لا سمح الله لمسؤولينا، لكن نتمنى أن يعترف لدينا مسؤول بخطئه ويعلن اعتزاله العمل.
إذا لم نبدأ بتعليم أطفالنا تحمل المسؤولية في الصغر، فلا تسأل الكبار عن تحمل مسؤولية أخطائهم، وإذا أردنا التقدم فعلينا نقد ذاتنا قبل انتقاد الآخرين، وتبقى العلاقة عكسية بين السائل والمسؤول.