إبداعات بوسعد
06:54 م - الأربعاء 6 نوفمبر 2019
أنجبت مدينة المحرق العريقة أحد أبنائها الفنانين المتميزين في العام 1954م ليشق طريقه إبراهيم محمد إبراهيم بوسعد وليثبت قدمه ويراعه وإبداعه مع الكوكبة الكبيرة من الفنانين المبدعين في مختلف المجالات بمملكة البحرين، ولعشقه وتولعه بالخط العربي وما يرمز إليه عمل خطاطًا بوزارة التربية والتعليم، وهو الحائز على بكالوريوس فنون جميلة، قسم الرسم من جامعة بغداد عام 1987م، واجتاز دورة في تصميم وإخراج كتب الأطفال بقبرص عام 1984م ودورة في تصميم وإخراج الكتب بلندن عام 1992م ليوظف ذلك في عمل تصاميم الكتب المدرسية ثم عمل مراقبًا للوسائل التعليمية بوزارة التربية والتعليم، ووظف موهبته وعلمه في تصميم العديد من أغلفة الكتب الأدبية وكتب الأطفال، بالإضافة إلى عمله كمخرج ومصمم طباعي، وهو عضو مؤسس لجمعية البحرين للفنون التشكيلية إلى أن قرر التفرغ للعمل الفني منذ العام 2007م.
الفنان إبراهيم بوسعد عندما كنا نزور المعارض الفنية التشكيلية السنوية التي يرعاها منذ انطلاقتها الأولى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه كنا نتوقف كثيرًا عند لوحاته الفنية التي مزج فيها جمال الخط العربي بالعمل التشكيلي في توظيف فني لا مثيل له، فكانت مشاركاته في المعارض التشكيلية المتعددة في خارج وداخل مملكة البحرين.
كان إبراهيم بوسعد يحصد الجوائز المتعددة، كما كان نشطًا في جمعية البحرين للفنون التشكيلية وتعاون مع زملائه الخطاطين البحرينيين وتعددت جوائزه من تقديرية إلى جائزة السعفة الذهبية إلى جائزة الدانة، فأصبح القادر على حصد الجوائز والأهم أن متاحف عالمية وعربية وخليجية استضافت أعماله واقتنت بعضها ومن بينهم المتحف البريطاني.
كان الحديث في السنوات الأخيرة عن أعمال الفنان إبراهيم بوسعد ذلك العمل الإبداعي المتميز الذي استوحى لوحاته من كتاب «طوق الحمامة» لإبن حزم الأندلسي، وإبن حزم هو علي بن أحمد بن سعيد ولد سنة 384هـ - 994م في قرطبة واشتهر بولعه بالآداب والعلوم واللغات، وكان في عصره يعتبر جرىء الرأي بما عرض إبداعه وكتبه للتمزيق والحرق، حتى قال قولته المشهورة «وإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري». وكتاب طوق الحمامة كما يصفه الفنان إبراهيم بوسعد في تقديمه لرائعته الفنية «يعتبر كتاب طوق الحمامة من أهم كتب التراث العربي التي تناولت الحب وصفاته ومعانيه، وما يمر به العشاق من صنوف الهجر والحرمان ولحظات الرضا واللذة والنشوة»..
وإبراهيم بوسعد في تصديه الفني لهذا الموروث الثقافي الأدبي إنما يضع بصمة إبداعية بحرينية تنقلنا من المحلية إلى أعماق التاريخ الفني الأدبي ومن بينها أدب الأندلس إلى الرؤية العالمية للفنون بكل مراحل تاريخها الفني الإبداعي... ونقف مع رواية تعامل الفنان إبراهيم بوسعد مع نصوص طوق الحمامة ليقول: «بما أن كتاب طوق الحمامة يعتبر من أهم الكتب التراثية فلابد من الانسجام التعبيري للنص وتقنية اللوحة لذلك اعتمدت صياغة لوحات المعرض على موروث اللوحات الخطية في البناء الصارم والتكوين وانسيابية المخطوطات مستخدمًا المواد الطبيعية في تحضير الورق واستخدام الألوان الإسلامية المتعلقة بتصميم ورسوم الزخارف، فأصبح عامل الزمن واضحًا على مظهر اللوحة الذي يعطي إحساسًا بالقدم والتاريخ ويبقى الخط العربي الحاضر وسيد الموقف في هذه التجربة والتي أخذت الكثير من الجهد والوقت لكي تصل إلى هذا الحد من التقارب بين النص والصباغة التشكيلية مبتعدًا قليلاً عن أصول وقواعد الخط العربي حتى لا تكون اللوحة خطية بقدر أن تكون أقرب إلى التشكيل كما أن الزخارف أيضًا تم تنفيذها وتلوينها بعيدًا عن الطرق التقليدية المتعارف عليها في تصميم الزخارف حيث أنها أخذت صبغة التشكيل لإيجاد التجانس بين التلقائية في كتابة الخط والزخرفة».
إن الفن التشكيلي في مملكة البحرين بكل مراحل تطوره على أيدي المبدعين البحرينيين الراحلين والذين يعيشون بيننا إنما عبر ويعبر عن ثقافة هذا الوطن العزيز وانسجامه مع بقية الفنون ومن بينها الفن التشكيلي بكل تقسيماته وتنويعاته، ومواهب البحرينيين تنوعت فمن بين الرواد من كان يملك فقط الموهبة وبالمران والممارسة أصبح مؤسسًا وداعمًا للحركة التشكيلية ومنهم من درس في المعاهد المتخصصة الفنية التشكيلية في الوطن العربي وجامعات العالم المتعددة فبرز الفن التشكيلي البحريني كرافد من روافد الثقافة الوطنية، وأصبحت المعارض التشكيلية علامات بارزة في الوطن، وأصبح رواد هذه المعارض يجدون في الفن التشكيلي البحريني تميزًا وخصوصية.
ويظل الإبداع البحريني متواصلاً من خلال الجيل الذي آثر التفرغ لعمله الإبداعي وأولئك الذين اتخذوا من الفن حرفة ومهنة وكلها علامات تؤكد بأن مملكة البحرين حاضنة لإبداعات شتى، ومرت علينا فترات كان الفن التشكيلي متواجدًا في احتفالاتنا الوطنية، والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية التي تستضيفها مملكة البحرين أو في احتفالات سفاراتنا في الخارج فكان حضور الفن والفنانين البحرينيين ملفتًا للنظر والبحرين بما تملك من مواهب وقدرات وأعمال إبداعية متميزة تستطيع أن تقوم بهذا الدور، خصوصًا وإن الثقافة هي عنوان هوية الشعب وحرصه على قيمه ورعايته للموهبين من أبنائه ومملكة البحرين ولله الحمد أصبحت مركزًا مهمًا في إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل وإذا كان متحف البحرين الوطني يحتضن الأعمال الإبداعية البحرينية فإن نشاط هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مشهود ومحمود، ونستطيع ثقافيًا وسياحيًا أن نسوق أعمالنا الإبداعية التشكيلية في مناسبات متعددة، كما أنه من المناسب أن نقترح أن تقوم وزاراتنا وهيئاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا وأنديتنا الوطنية باقتناء أعمال إبداعية فنية تشكيلية ليتعرف من يزورنا على فنونا وابداعاتنا ومن يحملون راية هذه الإبداعات المتميزة وبذلك نشجع الفن والفنانين ونسوق لبلادنا ثقافيًا كما نسوقها في مختلف مناحي وجوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية.
إبراهيم بوسعد أحد أبنائنا الذين ثابروا واجتهدوا ودرسوا وسخر وقته لإبداعاته الفنية، فهو يستحق الشكر والثناء والتشجيع ومثل إبراهيم بوسعد كوكبة من المبدعين البحرينيين الذين نشيد على أيديهم ونفخر بإبداعاتهم وإنجازاتهم ولعل معرض البحرين السنوي للفن التشكيلي الذي تقيمه هيئة البحرين للثقافة والآثار برعاية أبوية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه في متحف البحرين الوطني خير شاهد على رعاية المملكة للإبداع والمبدعين البحرينيين.
وعلى الخير والمحبة نلتقي