إضاءات من خطاب عالمي
02:56 م - الأحد 20 أكتوبر 2019
إن القراءة الرصينة في خطاب صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس؛ تجعلنا نعيد قراءته أكثر من مرة ونفكر في العديد من الإضاءات التي انبعثت منه، وتحتاج لمزيد من الدراسة والتحليل، لأن في كل فقرة منه يمكن أن نخرج بمعلومات وأفكار - لا تتسم بالمحلية والتركيز على حلول المعضلات البحرينية فقط - بل تحمل بعدًا دوليًا يحتاج منا التأني في رصده.
- تحدث جلالة الملك المفدى عن الانطلاقة التحديثية الكبرى للمملكة، مؤكدًا أنها دليل على عراقة تأسيس الدولة البحرينية قبل أكثر من قرنين، مثمنا لرواد النهضة انجازاتهم بكل تقدير وإجلال واحترام، وهو ما يرسخ مبدأ نسب الأمور لأصحابها، والذي ربما يفتقده بعض المسؤولين عند الحديث عن الإنجازات.
- تطرق جلالته إلى المتغيرات المتسارعة في العالم من حولنا والتحديات الطارئة، ودعا لإيجاد صيغة مناسبة من التعامل المرن، والتفكير المتجدد، للحفاظ على تقدمنا المستمر في ميادين العمل والإنتاج، وهذه الحالة التي وضع لها جلالة الملك توصيفا دقيقا وهو «التعامل المرن – التفكير المتجدد»، يحفز أصحاب القرار للابتعاد عن جمود القرارات، ومنحها القدرة على تعديل المسار، وكذلك اعتماد الأفكار المتجددة والتي لا تأتي إلا من بعض الشباب.
- استطرد جلالته في هذا النسق مشددًا على المساعي الجادة نحو اقتصاد المعرفة باتجاهاته الحديثة، ووجه بوضع خطة وطنية شاملة تُؤمّن الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الانتاجية والخدمية، وهذا الحديث ربما لن تسمعه من رؤساء وملوك دول أخرى، ليخرج جلالته عن الإطار الطبيعي لمثل تلك الخطابات ويتوغل في منطقة باتت معيارًا لتقدم الدول.
- ثم تحدث جلالته عن القطاعات الإنتاجية ومصادر الدخل للمملكة مطمئنا الشعب بما تحقق، والحرص والعناية المبذولة في تعزيز قطاع النفط والغاز في ضوء الاكتشافات التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، وحزمة المشروعات التنموية الكبرى بتوسعة مصفاة بابكو، وشركة بناغاز، وافتتاح مرفأ الغاز المسال، ومشروع خط الانتاج السادس بشركة ألبا، وتشغيل خط الأنابيب الجديد مع المملكة العربية السعودية، وأرى أن في هذا الحديث نظرة شاملة على محركات اقتصادنا الفاعلة وهي الصناعة.. ثم الصناعة.. ثم الصناعة التي لطالما ناديت بها في مقالات سابقة.
- وحمل خطاب جلالته المزيد من التفاؤل والطمأنينة للمواطن، حين أكد جدية تبني الحلول المناسبة لتطوير مجالات الاكتفاء الذاتي، وتحقيق الأمن الغذائي بتنفيذ «مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء»، عبر مشروعات للاستزراع السمكي والإنتاج النباتي، وهو أيضا هاجس كنت قد ذكرته في أكثر من مقال، ليأتي جلالته ويطمئن بأن أمن الغذاء هو أمن استراتيجي لا يمكن الالتفات عنه، ونتمنى من المسؤولين عن هذا الملف أن يعملوا بجدية أكثر على تنفيذه؛ نظرًا للتحديات الإقليمية التي تستدعينا للاستعجال في تنفيذ توجيهات جلالة الملك في هذا الشأن.
- وفي سياق الأمن لم يترك جلالته الشأن الملاحي دون أن يحذر من تداعيات تهديد حرية الملاحة في مياه الخليج التي تحمل خُمس إنتاج العالم من النفط وأثره في تعطيل التجارة العالمية.
أخيرًا وليس آخر.. لا أنكر أن الخطاب السامي يحمل الكثير من الرسائل والإضاءات التي لا يستوعبها مقال واحد، لكن عسى أن نرى مما ذكرناه فعلاً ملموسًا على أرض الواقع ليهنأ كل بحريني بمملكته ومليكه وقيادته التي تضع تطلعاته في مقدمة أولوياتها.