وقف سحب الرمال.. مرحلة محورية في مستقبل البحرين
01:43 م - الإثنين 9 سبتمبر 2019
لا شك أن قرار صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه الخاص بوقف سحب الرمال ومنع العمليات التي تجري بالمناطق البحرية في شمال المحرق وقطعة جرادة حفاظًا على البيئة البحرية والفطرية وضمان عدم تضررها، يمثل مرحلة محورية في مستقبل مملكة البحرين بشكل عام.
فقد ينظر البعض للقرار وأثره على الثروة البحرية، ولكن لهذا القرار أبعادًا أخرى جيواستراتيجية، ستظهر آثارها في المستقبل، وربما سيقف أبناؤنا وأحفادنا في يوم من الأيام ليفخروا بمثل هذا القرار الذي تم اتخاذه، رغم التحديات الكثيرة التي كانت تقف ضده في فترة زمنية امتدت لأكثر من عقدين.
فالجميع يعلم أن الدفان الذي أصاب مملكتنا الغالية ما هو إلا مرض عضال، اعتبره البعض شر لابد منه، وكان يجري هذا الدفان بطرق مختلفة سواء باستيراد الرمال أو عن طريق سحبها (شفطها) من البحر، وهي الطريقة التي اعتبرها المستثمرين «الأرخص»، ومع توفر التكنولوجيا والآلات الضخمة التي توفر كميات مهولة من الرمال عبر سحبها، أصبح السباق محموما لدفن المزيد من السواحل واستخراج الرمال.
وللأسف الشديد لدينا دراسات قديمة منشورة تتحدث عن تأثير عمليات الحفر وسحب الرمال على البيئة البحرية من جميع الجوانب وبالمخالفة لقانون البيئة، ورغم ذلك صدر قانون رقم (37) لسنة 2014 بشأن تنظيم عملية استخراج الرمال البحرية وبيعها، وهو القانون الذي يسمح باستنزاف ثروة لا تعوض، وأعتقد أنه بات من اللازم إعادة النظر في هذا القانون، الذي لا يحافظ على البيئة البحرية بل يقنن تجريفها وقتل الكائنات البحرية.
فمن عجائب هذا القانون أنه يحظر استخراج الرمال البحرية إلا بترخيص من الوزير المسؤول عن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، وبعد أخذ موافقة الجهات ذات العلاقة وأخذ رأي البلدية المعنية، بينما استبعد المجلس الأعلى للبيئة من إبداء رأيه في تلك التراخيص.
لكنه ألمح في مادة أخرى إلى تشكيل لجنة برئاسة وكيل الوزارة المعنية وعضوية ممثلين عن وزارات الداخلية والأشغال والإسكان وإدارة الموانئ، والمجلس الأعلى للبيئة، وادارة التخطيط العمراني، رغم ضرورة أن تكون للبيئة السلطة العليا في تلك اللجنة.
القرار الذي اتخذه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه رئيس الوزراء الموقر، يعتبر بارقة أمل في فتح ملفات بيئية كثيرة، ويعطي زخمًا ودفعة للمجلس الأعلى للبيئة أن يتحرك بقوة ليلقي الضوء على أبرز التأثيرات السلبية على بيئتنا في الوقت الراهن، والمتمثلة في المخلفات الصلبة والسائلة التي ترمى في البحر، وما ينتج أيضا من محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك الردم وجرف الرمال ومخلفات مصانع غسيل الرمال التي تعتبر السبب الرئيسي في تدمير الموائل البحرين والشعاب المرجانية.
كما أن ظاهرة نفوق الأسماك التي نراها بين حين وآخر تعتبر نداءً صامتاً من الأحياء البحرية لنا بأن نتوقف عن قتلها بطرق وحشية دون الاستفادة منها أو العمل على تنميتها كمورد غذائي المفترض أننا نعتمد عليه في معيشتنا.
ولقد أرسل لي أحد الأصدقاء فيديو لمجموعة من الصيادين في سلطنة عمان يصطادون كميات وفيرة من الأسماك بإحدى المناطق البحرية الطبيعية هناك، والتي لم تتأثر كما حدث في البحرين، وأرسل تعليقًا على هذا الفيديو يتساءل: لماذا لا نستورد الفائض من تلك الأسماك، والواضح أنها تتجاوز الكميات المطروحة في أسواق مسقط والمدن والقرى الأخرى بالسلطنة، لكن يا عزيزي اللوم ليس على الصيادين أو المصدرين، بل اللوم علينا أننا التهمنا بيئتنا البحرية المماثلة بمشروعات صناعية وإسكانية كانت السبب في الفقر السمكي الذي نعيشه والجميع يعلم بذلك.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية