عــودة الحجيـج
07:44 م - الخميس 22 أغسطس 2019
كانت لحظات الفرح لا تعادلها فرحة عندما ينوي المسلم الحج إلى البيت المعمور، فتعم الفرحة أهل بيته وأقرباءه وجيرانه، ويشيع الخبر بأن فلانًا قد كتبت له حجة هذا العام، فيتلقى التهاني من المصلين بالمسجد القريب من بيته وهو بعد لم يجهز نفسه للحج، ولكن النية عنده والعزم والتصميم والتوكل على الله جعله في وضع الاستعداد عندما تُشد الرحال إلى الأراضي المقدسة.
اتفق مع مقاول الحج وأعطيت له النصائح اللازمة وأعد زاده ليتوجه في اليوم الموعود إلى فرضة المنامة، حيث يتم تجهيز سفينة الحج للإبحار إلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وميناء الخُبر تحديدًا، مُعدًا أغراضه الشخصية والإحرام في صندوق معدني لكي يتلاءم مع إمكانية عدم التعرض لأمواج البحر ورذاذه، وإذا دموع الفراق تختلط بدموع فرح أداء الفريضة الخامسة من أركان الإسلام الخمسة، ويتم توديع الحجيج من أهليهم وأصدقائهم وجيرانهم داعين لهم بالتوفيق والعودة سالمين، محملين الحجاج الدعاء لهم بالتوفيق عند أداء المشاعر المقدسة..
ومن ميناء الخُبر تقلهم الحافلات عن طريق البر إلى الأراضي المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، إنها رحلة إيمانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. الطريق طويل لكن العزيمة والفرحة بلقاء الكعبة المشرفة والبيت الحرام تجعل الدرب سهلاً ومُيسرًا، وشعور الحاج بأنه سيؤدي فريضته وهو -والحمدلله- بكامل صحته، ليعود راضيًا قانعًا كيوم ولدته أمه، وعندما يتذكر ذلك تهون عليه مشاق السفر بالبر.. كان هذا الشعور ينتاب أولئك الذين قطعوا الفيافي يوم لم تكن الأمور كما نراها اليوم سهلة ومُيسرة وبُذلت جهود كبيرة ومضنية في التسهيل والتيسير على حجاج بيت الله الحرام، فالمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، ساروا على نهج المؤسس الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في التيسير والتسهيل على قاصدي البيت الحرام، حتى جاء أبناؤه الكرام وطوروا أساليب وطرق التسهيل على الحجاج وأداء مناسكهم بيسر وسهولة، وتوفير كل اللوازم والحاجيات التي تجعل الحجاج في راحة وطمأنينة من وسائل مواصلات متطورة جوية وبرية وبحرية، وأماكن سكنى وإقامة في المشاعر المقدسة، إلى توفير الخدمات الصحية على أعلى مستوى، والاستعانة برجال الجيش والشرطة والأمن في توفير الطمأنينة والسلام ومساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة، مع الاستعانة برجال ونساء متطوعين نذروا أنفسهم لخدمة حجاج بيت الله الحرام على أعلى مستوى من الوعي والخدمة والتدريب المكثف، ما أضفى على حج هذا العام الطمأنينة واليُسر والسهولة، وتابعنا على الهواء مباشرة الحجاج وهم يؤدون فريضتهم في المشاعر المقدسة والابتسامة تعلو شفاههم والفرحة تغمرهم بما وجدوا من عون ومساعدة، وكانت حملات الحجيج من كل الدول تتعاون مع الجهات الرسمية بالمملكة العربية السعودية وبُذلت جهود في التنسيق والمتابعة بحيث وجدنا هذا النموذج الطيب من التعاون والتنسيق الذي يجعل المرء يشعر بالفخر والاعتزاز، فالهدف كان واحدًا والغايات كانت مجتمعة في أن يكون موسم حج هذا العام مثالاً للأمن والاستقرار والدعة وراحة البال والطمأنينة التي شعر بها كل حاج أتى من كل بقاع العالم الإسلامي والعالم، وكان صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ورئيس اللجنة المركزية للحج حاضرًا في كل المشاعر المقدسة يقوم بنفسه بالاطمئنان على حجاج بيت الله، وكان متواصلاً مع وسائل الإعلام ويطمئن الجميع بأن كل الوسائل والسُبل مهيأة لحجاج بيت الله الحرام لأداء فريضتهم، والحمدلله أن حج هذا العام كغيره في الأعوام السابقة كان مُيسرًا وآمنًا وأدى الحجاج فريضتهم بيُسر وسهولة، ونجحت المملكة العربية السعودية -كما هو العهد بها- في التنظيم والإشراف والمتابعة، فكان الموسم ناجحًا وموفقًا إلى أبعد الحدود. جزى الله خيرًا كل من ساهم في التيسير والتسهيل على حجاج بيت الله الحرام وأداء فريضتهم وهم في أمن ودعة وراحة بال عائدين إلى أوطانهم غانمين مستبشرين فرحين.
كان أهل البحرين عندما يعود الحاج إلى قريته أو مدينته يجلس في مجلسه في بيته، وإذا لم يوجد عنده مجلس فيتم اختيار مجلس جيرانه أو كبير أهل القرية أو المدينة فيستقبل الحاج المهنئين له بأداء فريضة الحج، وكانت العادة أن يقوم بتقديم وليمة للمهنئين حسب استطاعته، وإذا لم يتسنَ له ذلك فيتبرع أهل الحي بعمل وليمة تبركًا وتهنئة لابن قريتهم أو مدينتهم أو حيهم؛ فرحًا وابتهاجًا بما أفاء الله عليه من نعمة أداء فريضة الحج، وكانت هدايا الحج التي يقدمها الحاج توزع على أهل المدينة أو القرية أو الحي، وهي وإن كانت بسيطة في قيمتها المادية فلها مكانتها وقيمتها المعنوية الكبيرة؛ لأنها من الأراضي المقدسة ولأن البركة فيها ومن يقتنيها يتبرك بها، فيفرح الكبار بماء زمزم وتمر الحجاز والسبح وسجادة الصلاة، ويفرح الصغار «بالمراري» و«الخواتم» و«الأساور» وصور الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف من خلال تلفزيون بلاستيكي يتم عرض الصور من خلاله.
عودة سالمة لحجاج بيت الله الحرام ولساننا يلهج لهم بالدعاء «حج مبرور وذنب مغفور». روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
وعلى الخير والمحبة نلتقي