السوق العربية المشتركة | حــبيبــــي

السوق العربية المشتركة

الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 11:30
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
حــبيبــــي

حــبيبــــي

 
أكيد صادفك عزيزي القارئ موقف وجدت نفسك وجهاً لوجه مع شخص طرح عليك سؤالاً: تعرفني؟ فتقول طبعاً مجاملاً: «نعم وهل يخفى القمر!» لتجد نفسك أمام سؤال أصعب: «إذن من أنا وما اسمي؟».
هنا حصحص الحق، فلا تملك إلا أن تعترف بأن الأسماء تغيب عن الذاكرة أحياناً لكنك تعرف هذا الشخص الذي أمامك فإن كان رؤوفاً بك فسيبوح لك باسمه الثلاثي، وإن كان يريد أن يجعلك في حيص بيص فلن يعطيك الجواب الشافي في التو والحال.
وستظل في حيرتك، عبثاً تبحث في دفتر الذكريات علك تصيب كبد الحقيقة.. لا عليك فقد تفتقت قريحة مجتمعنا وأصبحنا ننادي بعضنا بعضاً أهلاً أخي، أو أهلاً حبيبي، حتى أن الأغراب بدأوا يستخدمون كلمة حبيبي ولا عليك إن نطقوها «هبيبي» فالمقصود واضح وبين.
كنت في إحدى ديوانيات أهلنا وأصدقائنا في دولة الكويت، وفي الكويت يرحبون بك بكنيتك: «أهلاً بو فلان» فسألت الجالس بالقرب مني وقد رحب أيما ترحيب بالداخل علينا «بوعبد الله» ولما جلس في مكانه في الديوانية سألت جاري: «من هو بوعبد الله هذا وما اسمه؟». فقال لي وهو صادق «حقيقة غاب عني اسمه، واصبحت أسميه بوعبد الله وكفى» فعلاً تغيب الأسماء ولكن تبقى الكنية لصيقة بصاحبها.
استحسنت في الواقع ما لجأ إليه مجتمعنا في الوقت الحاضر باستخدام كلمة «حبيبي» أو يا «الحبيب»، وستكون في حل من الإحراج إذا كان من تعرفه اسمه «حبيب» فقد ضربت عصفورين بحجر.
طبعاً هناك من يستخدم كلمة «أخي» وهي أيضاً محبذة، فكلنا أخوة في الوطن وأخوة في الدين والمعتقد، وأخوة في تعاوننا وتكاتفنا المجتمعي.
ما أحوجنا اليوم للتلاقي واستخدام العبارات التي تدخل السرور إلى النفس ويشعر المرء بقيمته لدى مجتمعه والناس الذين يعرفهم.
قيل في أمثالنا وحكمنا «مالك لك وطيبك للناس» أي أن لا أحد سيأخذ شيئاً من مالك إلا عن طيبة نفس منك أو مقابل خدمة قدمت لك، أما طيبتك فأنت تشع بها على من حولك من الناس ولا تنقص منك شيئاً... ولذلك فقد كان الأجداد والآباء يقيمون الأشخاص في مجتمعهم بقدرتهم على اجتذاب محبة الناس لهم، وبقدرتهم على الانسجام والتوافق والوئام. فقدروا للناس أقدارهم ومنزلتهم بكل احترام وإكبار ومكانة اجتماعية رفيعة تليق بهم.
قد يعتقد البعض أن البساطة مطلوبة ورفع الكلفة بين الناس ضرورية فيبالغون في التبسط بحيث بدأت بعض القيم تختفي، طبعاً نحن لا ندعو للتفخيم والتعظيم في غير موقعه، ولكن البساطة أو التبسيط لا تتعارض مع إنزال الناس منازلهم التي يستحقونها، فأهلنا المصريون يستخدمون كلمة ترضي الجميع هي «أفندم» وميزتها أنها تطلق على المرأة والرجل على حد سواء وهي رغم بساطتها إلا أن لها قيمة في نفس المتلقي وتحفظ للناس أقدارهم..
قد يتأثر جيلنا والأجيال التي ستأتي بعدنا بقيم تصدرها لهم وسائل الإعلام المختلفة أو وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة بدواعي الاختزال وبحجة التسارع المعرفي الذي يفرض بعض القيم التي لم نألفها ولم تكن في قواميسنا المجتمعية، وسيقول لنا البعض أنكم لا تستطيعون أن تقفوا ضد هذا النيار الجارف الذي بالضرورة سيفرض قيماً جديدة ومصطلحات لم تألفها الأذن العربية أو تلقَ هوى في نفس المتلقي. وهذا القول رغم شعورنا بإمكانية تحقيقه إلا أن المجتمع بمفكريه ومبدعيه ومنظريه والقائمين على مؤسسات التوعية والتربية والتعليم والثقافة فيه يستطيعون باستخدام وسائلهم المتاحة أن يؤسسوا لقيم تحفظ لنا أقدار رجالنا ونسائنا وتصون مجتمعاتنا وتحفظ لنا قيمنا وكينونتنا، وتؤسس لقيم التسامح والمحبة والألفة والوئام بين الناس، وهي أمور ليست بالطبع سهلة المنال ولكن الحياة علمتنا بأنه ليست كل الأمور تأتي بالساهل فلا بد من البذل والعطاء وشحذ الهمم وإعمال الفكر والعقل وتهيئة المجتمعات للمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
عموماً سنظل بفطرتنا وبالسليقة التي تربينا عليها بحاجة إلى عبارات ترفع معنوياتنا وتشحذ هممنا وتنزلنا بالمكانة التي نستحقها، وتغرس فينا الأمل والرجاء وتبعد عنا اليأس والقنوط والإحباط.. سواء وصفتني بحبيبي أو بأخي أو بأبي فلان؛ فأنا سأحفظ لك الود وأنزلك بالمنزلة التي تليق بك وتحفظ لك كرامتك وتصون جانبك، وليظل الحب والأخوة قائمة بيننا ما دمنا نتنفس هواء هذا الوطن ونلتحف بسمائه، ونأمل له الخير في حاضره ومستقبله ونتطلع إلى بلوغه مراقي العز والتقدم والحضارة وبما يشيع عليه وعلى المواطنين الأمن والأمان والاستقرار.
وعلى الخير والمحبة نلتقي