«السوق العربية» تكشف هدم فيلا مؤسسى جريدة الأهرام بالإسكندرية وطمس هوية المدينة
08:29 م - الأربعاء 29 أغسطس 2018
خبراء: رجال الأعمال يستغلون ثغرات القانون لمحو تاريخ الإسكندرية
تزخر مدينة الاسكندرية بمبانٍ تراثية وتاريخية ذات طراز معمارى فريد من نوعه، طراز يضرب فى أعماق التاريخ، فلو كان لجدران تلك المبانى القدرة على أن تحكى قصصا، لكانت القصة الواحدة تستعرض شريطا طويلا من الرويات الخالدة والذكريات الرائعة لأشخاص رحلوا عن عالمنا، ولو كان لجنبات تلك المبانى أن تتكلم لحكت صفحات جميلة من عبق التاريخ ورسمت لوحاتٍ ناطقة بالحقائق التاريخية والمثيرة عن ذاكرة المدينة وتراثها، لكنها لو تكلمت لانسكب من بينها جرح كبير نتيجة لما تتعرض له من هدم بشكل ممنهج، مما يفقد المدينة العريقة الطابع المعمارى المميز لها مقارنة بباقى المدن، ويجعلها أشبه بمدينة ليس لها تاريخ ولا ماضى، وما يثير القلق أن الهدم يتم بصورة قانونية، حيث يحصل المالك على حكم قضائى برفع المبنى من مجلد التراث ليصبح المبنى التاريخى ملكا حر التصرف بها، ويتفاجأ المواطنون مع كل صباح بهدم فيلا أو قصر كان جزءا من ماضى المدينة العريق وشاهدا على ذكرياتها.
حصلت "السوق العربية" على مستندات هامة، تبين كيف تم هدم مبنى "آل تقلا" التاريخى وهو ملك مؤسسى جريدة الأهرام (بشارة وسليم تقلا) بالإسكندرية لصالح أحد رجال الأعمال نتيجة ثغرات فى القانون يستغلها المستثمرون ليكونوا معاول هدم لتاريخ المدينة العريق، وتجدر الإشارة أن القانون رقم 144 لسنة 2006 بشأن الحفاظ على التراث المعمارى للمدينة قد حصر المبانى النادرة فى قوائم واعتمادها فى مجلد التراث وينص القانون على أنه لا يجوز هدم اى مبنى إذا توافر فيه شرطان أولهما أن يكون المبنى ذات طراز معمارى مميز وثانيهما أن يكون المبنى مرتبط بشخصية تاريخية أو حقبة تاريخية أو يعد مزارا سياحيا وهما شرطان متوافران فى مبنى "آل تقلا" ولكن فوجئ أهالى منطقة بولكلى بالمعدات الثقيلة تهدم الفيلا.
فى البداية حصل رجل الأعمال الشهير بحكم محكمة رقم 3484 لسنة 63 ق إدارى الإسكندرية بتاريخ 30 مارس 2013 برفع المبنى من المجلد وتم نشره فى الجريدة الرسمية بعدد 8 لسنة 2014، وحمل ترخيص الهدم 17-42- 277 لسنة 2017، وعلى الرغم من ان العقار ينتمى إلى الطراز المعمارى الأوروبى الكلاسيكى ومرتبط بشخصيتين تاريخيتين إلا أن حكم المحكمة أغفل ذلك وتضمنت حيثيات الحكم أن عقار المدعى من المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، وان العقار مرتبط بشخصية تاريخية دون تحديد لهذه الشخصية، وهنا بيت القصيد فكيف لا يذكر الحكم ذلك على الرغم من أن بشارة وسليم تكلا شخصيتان مهمتان فى تاريخ الصحافة المصرية وهما مؤسسا جريدة الأهرام وصدر أول عدد للجريدة من الإسكندرية، وبالتالى حصل رجل الأعمال بحكم يشمل إلغاء قرار رئيس مجلس رقم 278 لسنة 2008 بإدارج العقار رقم 510 شارع جمال عبدالناصر برقم 612 فى سجلات المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز.
وتم الاستشكال على الحكم الصادر لصالح رجل الاعمال من جانب هيئة قضايا الدولة برقم 3484 وأنذرته بالآتى (يمتلك المنذر كامل أرض ومبانى العقار 510 جمال عبدالناصر فلمنج -الاسكندرية بموجب العقدين المسجلين رقم 2112 لسنة 2006 و62 لسنة 2010 شهر عقارى الاسكندرية، وبموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 278 لسنة 2008 تم ادررج العقار سالف الذكر ضمن مجلد حصر العقارات والمبانى المحظور هدمها بمحافظة الاسكندرية، أقام المنذر الدعوة 3484 لسنة 63ق قضاء ادارى الاسكندرية طعنا على قرار ادراج العقار ملكه بمجلد حصر العقارات والمبانى المحظور هدمها بمحافظة الاسكندرية، بتاريخ 30/3/2013 صدر الحكم فى الدعوى سالفة الذكر بما نصه (حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من أثار على الوجه المبين بالاسباب وألزمت جهة الادارة المصروفات)، ولكون أحكام القضاء الادارى بطبيعتها مشمولة بالنفاذ بنص القانون فقد تحصل المنذر على الصيغة التنفيذية لذلك الحكم وتم اعلانها للصادر ضدهم الحكم بتاريخ 3/4/2013، وبتاريخ 26/12/2013 أصدر السيد وزير الاسكان والمرافق بناء على تفويض من رئيس الوزراء القرار رقم 717 لسنة 2013 بحذف العقار 510 جمال عبدالناصر الممول برقم 612 شياخة فلمنج حى شرق من سجل المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز بمحافظة الاسكندرية الصادر بها قرار رئيس الوزراء رقم 278 لسنة 2008، وتم نشر ذلك القرار بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 8 بتاريخ 11/1/2014، وبمرور 60 يوما على تاريخ نشر القرار بالجريدة الرسمية فقد تحصن ضد السحب والالغاء كنص القانون، وقد تقدم الطالب إلى المركز الذكى بحى شرق الاسكندرية بملف ترخيص الهدم بتاريخ 9/3/2014 وذلك للحصول على ترخيص لهدم العقار ملكه وهذا من الاثار المترتبة على حكم الصادر بحذف العقار من سجل المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز الذى قضى به الجكم المراد تنفيذه.
وبعد ذلك تم عمل إشكال على الحكم الصادر بالرفع من المجلد برقم 4896 لسنة 70 ق وتم رفضه من قبل هيئة القضاء الادارى، وتم رفض إعطائه الهدم من المركز الذكى، فرفع قضية أخرى فى القضاء الادارى بإعطاؤه ترخيص بهدم المبنى وتم الفصل فيها لصالح رجل الاعمال وإلا يعتبر ذلك عدم تنفيذ حكم محكمة، وما يدعو للدهشة أن القانون ينص على أنه يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومى امتنع عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر ذكر بعد مضى 8 ايام من انذاره على يد محضر اذا كان تنفيذ الحكم داخلا فى اختصاص الموظف، بل ويجوز حبس المحافظ ورئيس الحى أيضا فى حالة الامتناع عن الهدم، ومن تلك الثغرة تم هدم المبنى التاريخى ومحو آثار مدينة الاسكندرية بمباركة الدولة وعوار فى القانون.
فى هذا السياق يقول الدكتور محمد على سعيد مدير عام اثار الاسكندرية أن هناك ثغرة كبيرة بين اللائحة التنفيذية وقانون رقم144 لسنة2006 بشأن الحفاظ على التراث المعمارى، حيث يستغلها المحامون فى الحصول على أحكام برفع المبانى التاريخية من المجلد أو عدم ذكر الشخصيات التاريخية المرتبطة به، وهو ما تم فى فيلا "آل تقلا"، وأضاف كيف يتم هدم هذا المبنى العريق الذى شهد انطلاق واحدة من أعرق المؤسسات الصحفية، وطالب مجلس الوزراء بضرورة تعديل اللائحة التنفيذية للقانون وعرضها على مجلس الشعب لإقرارها حفاظا على رونق المدينة وتراثها المعمارى المتميز، وأضاف أن من أهم عوامل تلك المشكلة هو وجود العديد من الجهات المشاركة فى الموضوع كوزارة الاسكان ووزارة الاثار والأحياء مما يتسبب فى حدوث إرتباك فى إتخاذ القرار، وبالتالى يستغل المستثمرون ذلك الارتباك والحصول على حكم سريع وواجب النفاذ فى هدم المبانى التراثية، واستطرد أن ذلك يحدث فى مدينة الاسكندرية بالتحديد نظرا لان بها المئات من العقارات التاريخية لذا لابد من وقف تلك العمليات الممنهجة بشكل فورى وسريع.
بينما يقول الدكتور محمد عبدالحميد رئيس لجنة حماية التراث بالإسكندرية إن هذه الفيلا كانت مسجلة ضمن مجلد المبانى التراثية بالمدينة والتى يجب حمايتها من الهدم والحفاظ عليها، وهى مملوكة لآل تقلا (بشارة وسليم تقلا مؤسسى جريدة الأهرام) وقامت ابنتهما ببيعها منذ فترة، وكانت هناك فكرة لتحويلها إلى متحف لتاريخ الصحافة بالإسكندرية، ولكن هذه الفكرة لم تتم، وأن الفيلا تم إخراجها من مجلد التراث، وتساءل: إلى متى سيتم تخريب المدينة وتفريغها من المبانى الجميلة التى تميزها عن غيرها من المدن نتيجة لثغرات قانونية تهدر على الدولة الملايين اذا تم استخدام تلك المبانى الاستخدام السياحى الأمثل.