الخان وذاكرة البحرين البصرية
إنه الفنان المبدع، المحترف، عاشق التصوير الضوئي، المرتبط بالوطن ذاكرة وقدرة على اقتناص اللقطة المعبرة عن مخزون الذكريات الجميلة للوطن الأجمل.
تراه متنقلا بين مدن وقرى مملكة البحرين وبين حواريها وفرجانها، لا تبرح الكاميرا صحبته، وأصبحت الأثيرة إلى نفسه، ربما كانت موهبة، ربما كانت حرفة، ربما كان تأثرا بالوالد، إذن هي كل ذلك، لذا فقد جاء عشقه للتسجيل والتوثيق مبني على تعلق بالوطن وبالناس، في هدوء المحترف المخلص لمهنته، الحريص على التجويد والإتقان ونقل تجربته لجيله، والأجيال التي تأتي بعده.
كتاب أو سفر «ليوان» هو من إبداعات عبد الله محمد عبد الرحمن الخان ضمن سلسلة «ذاكرة البحرين البصرية»وهو عبارة عن معجم العمارة التقليدية في البحرين والخليج العربي من تصويره ومن بحث وإعداد المبدع حسين المحروس كاتب وفوتغرافي، وترجمة حسن علوي وهو من أحدث اصدارته 2018م واحتوى على 356 صورة فوتوغرافية.
وقدم للكتاب برسالة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى حفظه الله ورعاه، حيث قال جلالته في رسالته المؤرخة في 29 مارس 2018م «إننا نشيد بقدراتكم الفنية في حقل التصوير الذي يؤكد إبداعكم في اختيار الموضوعات التي تخلد فترات من تاريخ البحرين التراثي والعمراني وتشكل شاهدا حيا على ما بلغته مملكتنا الغالية في ميدان العمران، وما يتشكل داخل ذلك من مشاهد تصور التراث العريق، إننا إذ نقدر فيكم هذه الموهبة الفنية في الاختيار والتصوير وتخليد المشاهد التي تشكل في مجموعها ذاكرة مملكة البحرين التراثية والعمرانية، نتمنى لكم الصحة والعافية ودوام التوفيق في هذا الحقل الفني الجميل». وهي شهادة غالية وسامية يستحقها هذا المبدع من قائد مسيرة هذا الوطن العزيز وباني نهضته ومعزز أركانه.
عبد الله محمد عبد الرحمن الخان في هذا الكتاب المرجع يعود بنا إلى الذاكرة القديمة ومن خلال اللقطات التي اختارها فكل بيت أو عمارة أو سقوف أو جدران أو نوافذ وأبواب نستحضر التاريخ ورجال الحكم من آل خليفة الكرام ونعيش البحرين بتاريخها السياسي والاقتصادي والتجاري والاجتماعي والثقافي والحضاري والتعليمي والتربوي.. ففي المحرق عاش أهل بلادي بكل البساطة والتواضع والذوق الرفيع، والإحساس بالبيئة ومتطلباتها ومقتضياتها، وكذلك كان أهلنا في المنامة وبقية مدن وقرى البحرين، فانعكس ذلك على العمران وعلى البيوت التي سكنوها في تطور حضاري تشهد بذلك السنون وما حملت من ذكريات، وانجازات، ورجال أخلصوا لوطنهم وكانوا يؤمنون بالمهنة والحرفة التي عشقوها وكان رزقهم منها، فالمواطن الحرفي الذي أتقن حرفة البناء والعمران واستفاد من تجارب الدول المجاورة وضع بصمته الواضحة على المهنة التي أبدع فيها وبدليل أن بعض هذه الإبداعات لا تزال تتحدى الزمن وما فيه من تغيرات وجميل أن نسجل كل ذلك.
ونعلم يقينا أن الكثير أيضا عبثت به يد الزمن فحولته أثرا بعد عين.. أسماء وطنية نعتز بها ونعتز بما انتجته وحققته حتى أصبح الوطن الأرض التي نفخر بها ونتمسك بكل ذرة من ترابها.. عقول وتجارب وأيد مخلصة سجلتها عدسة كاميرا «أبو يوسف» كانت لها مواقفها وحرصها على بناء الوطن، والمحافظة على معطيات البيئة والطبيعة ليعيش الإنسان البحريني في أمن وأمان وطمأنينة...
كان الحرفي ولا يزال يحظى بالاحترام والتقدير من أبناء البلاد، أسماء ذكرها المؤلف في كتابه لازالت عالقة في أذهان من خبرهم وعاش بينهم وربما سمع عنهم فهم يستحقون فعلا أن يذكروا وتذكر أفعالهم وإنجازاتهم مفخرة للوطن وأبنائه ومفخرة لأبنائهم هم وأحفادهم.
الكتاب «ليوان» يسجل ذلك التوافق والانسجام والعيش المشترك والانفتاح والتسامح بين الأديان والطوائف والملل والنحل التي شهدتها البحرين على مدى تاريخها القديم والحديث والمعاصر، دليل الرقي الحضاري وعظمة الإسلام القائم على الاحترام المتبادل بين الشعوب والعيش المشترك..
الكتاب ميزته أن بعض اللقطات للمباني القديمة تجاورها في بعض مدننا المباني الحديثة التي فرضت نفسها بحكم التطور العمراني والحضاري، والمرء عندما يقارن لا يستطيع إلا أن يحترم ويقدر تلك المباني القديمة التي ظلت على قدمها في غاية الروعة والجمال، خصوصا وأنها بنيت من مكونات البيئة الطبيعية في البحرين وبأيدي أهل البحرين الذين عشقوا العمارة وتشكيلها وزخرفتها والمواد المستخدمة فيها وألوانها الجذابة التي تتوافق مع صفاء السماء وزرقة البحر وبألوان لازالت تتحدى الزمن..
إنها مسؤولية الأجيال المختصة التي تتصدى للعمران في أن تقتبس من البيئة ما يناسب الذوق العام لأهل الوطن، والمحافظة على ما تبقى من هذه البيوت والصروح بالإضافة إلى الجهد المقدر الذي تقوم به هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة والذي يمثل «طريق اللؤلؤ» الذي حاز على موافقة وتصديق لجنة التراث العالمي في دورتها 36 عام 2012م في مدينة سانت بطرسبرج بروسيا الاتحادية مثالا يحتذى في المحافظة على التراث وترميمه وتطويره في مشروع حضاري رائد شهد له العالم كله.
إن العمران هو هوية الوطن، وكلما تميز الوطن بعمرانه كلما أصبح ذلك هوية للوطن وأهله، ومحاولة المبدع عبدالله محمد عبد الرحمن الخان تسجيل ذاكرة البحرين البصرية من خلال الصور الفوتوغرافية ينهض دليلاً على أن الصورة تغني عن ألف كلمة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي