
محسن عادل
مستقبل الاقتصاد المصرى فى ظل التحديات
على الرغم من التحديات الكبيرة أمامنا، فالجميع يتطلع إلى المرحلة المقبلة بتفاؤل وأمل كبيرين، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتحفيز التنافسية العالمية للاقتصاد من خلال تحديث الاقتصاد وتطوير المناهج التعليمية بحيث يتمكن الشباب من المنافسة محليا وعالميا، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة والفقر.
ولعل الإفادة المثلى من المرحلة الراهنة تتطلب التوازن بين تطوير البيئة السياسية من جهة، وبين تطوير آليات ومحركات النمو الاقتصادى المستدام والرفاه الاجتماعى للشعب من جهة أخرى. فنجاح الإصلاحات السياسية مرتبط إلى حد بعيد بنجاح الإصلاحات الاقتصادية، والعكس صحيح أيضا.
أن الإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامى مثالى لبلوغ الاستقرار الحقيقى وتعميم فوائده، وهذا ما نطمح إليه جميعا دولة وشعبا وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطنى هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل على نحو يضمن التنمية المستدامة.. فوجود الدستور ومؤسسات الدولة المختلفة يمثل أولى علامات الاستقرار السياسى الذى تحتاجه البلاد، وبالتبعية سينعكس ذلك على الاقتصاد ككل وبصفة خاصة على البورصة على الأقل خلال المرحلة الحالية وحتى وضوح سياسات هذا الرئيس وخططه المستقبلية للنهوض بالاقتصاد المصرى فنجاح الانتقال السلمى للسلطة وتكوين مؤسسات الدولة يسهم فى وضع عملية الإصلاح الاقتصادى على الطريق الحقيقى والصحيح.
الوضع الان يؤكد أن المشهد السياسى الذى يتكون تباعا مع كل حدث هو مشهد مختلف بكل معنى الكلمة. والنظر فى عمق هذه التحولات يفضى إلى استنتاج منطقى بأن الشأن الاقتصادى يقع فى صلبها، وسيكون حتما فى صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار، فالجميع متفق على أهمية تعميم الإصلاح بمفاهيمه الشاملة كنتيجة طبيعية لتحركات ثورة 25 يناير الواسعة التى تتفاعل فى العديد من النواحي. بما يشمل تداول السلطات، والتوزيع العادل للدخل القومى الذى يحقق النمو والتنمية معا، ومحاربة الفساد عبر نهوض المؤسسات وتفعيل القضاء، وإنتاج فرص عمل حقيقية تستقطب معدلات البطالة المرتفعة خصوصا فى أوساط الشباب.
لقد صاغت الثورة المصرية اسس العقد الاجتماعى الاقتصادى الجديد المطلوب إبرامه بحيث لا يشمل تحقيق النمو ومكافحة التضخم والتقدم على مسارات تحقيق الأهداف المالية والنقدية والتنموية فحسب، إنما ينبغى التأكد من أنه يجرى التقدم اللازم على صعيد الاستثمارات الجديدة فى القطاع الموفرة لفرص العمل الجديدة وكذلك فى إيجاد المساكن الملائمة للشباب بما يسهم فى خلق مستوى أفضل من الطمأنينة بشأن مستقبلهم. من جهة أخرى التأكيد على العمل على تمكين الشباب من خلال مستويات أفضل من التعليم والتدريب التقنى تتلاءم مخرجاته مع حركة الاقتصاد ومجالات نموه وتطوره المستقبلي.
ان رئيس الجمهورية اصبح مطالب بالعمل أيضا على إنشاء المؤسسات القادرة على دفع الإصلاحات السياسية والديمقراطية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية قدما، وذلك مع تفعيل قدرة هذه المؤسسات على ممارسة الرقابة وتحقيق التوازن بينها، فهناك ضرورة لزيادة معدلات النمو الى نسبة تتراوح بين 5% و7% سنويا لتوفير 500 ألف فرصة عمل على الاقل سنويا بما يخفض معدل البطالة الى اقل من 8% بالاضافة الى ضرورة الوصول بنصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالى الى ما يتراوح بين 10 الاف و12 ألف دولار سنويا.
التحديات الحالية تؤكد ضرورة العمل على دعم احتياطى النقد الاجنبى ليصل مرة اخرى الى حدود 30 مليار دولار لتخفيف الضغوط على اسعار الصرف المحلية مع دعم البدائل التمويلية الاكثر مرونة حاليا لتخفيض الدين الاجمالى لمستوى امن مع عدم السعى لزيادة نسبة الدين الخارجى لاجمالى الناتج المحلى الاجمالى بما يساهم فى خفض متوسطات اسعار الفائدة الى ما بين 9% و11% ويهبط بعجز الموازنة والعمل على تخفيض العجز فى الميزان التجارى بزيادة الصادرات والحد من الواردات واعادة الفائض من جديد لميزان المدفوعات المصرى.
ان مصر تمتلك بدائل استثمارية عريضة على رأسها القوة الاقتصادية للمصريين فى الخارج الذين يمكن ربط دعمهم للاقتصاد المصرى باستثمارات محددة الى جانب امكانية طرح صكوك تمويل بعملات اجنبية لتمويل مشروعات تنموية مثل تشجيع زراعة القمح محليا بما يعنى زيادة فرص عمل وتنشيط اقتصادى بالاضافة الى زيادة فى النقد الاجنبى، مشيرا الى تحويلات المصريين فى الخارج العام الماضى قد بلغت رقما قياسيا تجاوز 12 مليار دولار.
لقد امتلكت مصر دوما موارد وبدائل تحفز على النمو ومن البدائل الاقتصادية الممكنة حاليا تحصيل الضرائب المتأخرة وترشيد الانفاق الحكومى مع وضع خطة تحفيزية لاستغلال ودائع القطاع المصرفى فى بدائل تنموية امنة واعادة النظر فى الاصول الحكومية غير المستغلة وتشغيل المصانع المعطلة وتحويل قناة السويس الى منطقة اقتصادية للخدمات اللوجستية عالميا بالاضافة الى اعادة النظر فى الحوافز الاقتصادية والضريبية وربطها فى الاساس بمؤشرات العائد الاستثمارى والقيمة المضافة.
ان مصر تحتاج الان الى افكار ابتكارية لمعالجة هذه الازمة الاقتصادية ومن بين هذه الافكار بيع الارضى استثمار للمصريين فى الخارج وتوحيد سياسة المعاملة التعريفية بين السائح المصرى والسائح الاجنبى داخل مصر مطالبا الحكومة المصرية ومجلس الشعب بشن حملة بعنوان اشترى المصرى للحد من الواردات الاجنبيه الاستهلاكية وسد العجز فى ميزان المدفوعات المصرى والميزان التجارى وتوفير فرص عمل وزيادة الناتج المحلى الاجمالى وتوفير المدفوعات من النقد الاجنبى ولايمكن القبول باى شكل من الاشكال بان تمس سيادة الدولة المصرية او كرامتها لاى سبب ما من الاسباب فى مرحلة اعادة البناء التى تجتازها مصر والتى يجب ان تتم تحت شعار «نبنى مصر بايدينا» هو ركيزة النمو القادمة.
يجب هنا التركيز على أن هناك قصورا فى إدراك أهمية التعرف إلى مواطن الفساد فى الإدارة والاقتصاد ودورها فى توليد وزيادة مشاعر الإحباط لدى المواطنين، لا سيما لدى الشباب منهم. وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية إلى الفشل فى تحقيق التوقعات وبالتالى إلى زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق.
اقترح اربع مبادرات منسقة ومبكرة قد تحدث فروقا كبيرة، اقتراحى اليكم يأتى بصفتى مواطنا، وخبيرا اقتصاديا، وأبا، وشخصا قلقا على اكثر قطاعات المجتمع تعرضا للمخاطر.
- اولاً، لتجاوز المرض الاقتصادى الحالى ومعالجة التقلبات الخارجية، يجب استعادة الهيكلة والوظيفة المرنة لسوق العمل، اذ لطالما، اعتمدنا على الانشاء والسكن، والتمويل والتجزئة فى توليد الوظائف، وقد نجحت الخطة، لكن هذه القطاعات تجذرت اكثر فى الفقاعة، عمليا، لم تسعفنا بصيرتنا للنظر الى اهمية التفوق فى القطاعات التنافسية على مستوى العالم، علينا ان نؤهل عمالتنا بشكل افضل، والعاطلين عن العمل بحيث ننافس على المستوى العالمي، وهو ما يتعلق ببذل جهود لسنوات عديدة فى اعادة تنظيم العمالة والتدريب المهني، فإصلاح سوق العمل الناجح فى المانيا فى منتصف العقد الماضى قدم مؤشرات مهمة فى هذا الصدد، وعلينا ان نبذل الكثير فى تبنى طريقة تعليمية قادرة على اعداد شبابنا بطريقة افضل فى ظل هذا العالم المعقد والقلق.
- ثانيا علينا اصلاح قطاع السكن وتمويل هذا القطاع بشكل مناسب، ومن دون ذلك سيستغرق الامر سنوات كى يستعيد هذا القطاع الحساس عافيته، البرامج السابقة كانت محبطة لأنها فشلت فيما يتعلق بالتنويع بالنسبة لشرائح مختلفة من المجتمع، وكلما طالت فترة عبء تحدى المشاركة- نعم إنه تحد معقد- جاءت مخاطر المشكلات غير المنظمة أعلى - وخفضت حركة العمالة، وكانت لها تداعيات سلبية على المجتمع.
- ثالثا، علينا ان نبتكر نظام شراكة ضخما. فالشراكة المصاغة جيدا بين القطاعين العام والخاص والتسهيلات الائتمانية المختارة بعناية يمكنها ان تلعب دوراً مهما فى النمو والتنمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحاجة الشديدة لتحسين بنية البلاد التحتية.
- أخيراً، القضية المالية. عندما تتخلص من التهديد الحالى للعجز المالي، نحتاج الى تنفيذ الموازنة الصحيحة بين الاصلاحات المالية العميقة على المدى المتوسط وبين المحفزات الآنية. ولا شك ان العلوم الاقتصادية والرياضيات واضحة فى هذا الصدد. فالاصلاحات على مر الزمن يجب ان تتمحور حول جوانب الايرادات والانفاق فى الميزانية.