مرحلة مفصلية في تاريخ البحرين
ربما تمر البحرين في هذه الأيام بأوقات قد تحتاج منا الوقوف إلى جانبها وألا نحمل الحكومة المزيد من الأعباء، فقد أخذت قضية تعديل قانوني التقاعد جانباً كبيراً من الجدل وحيزاً واسعاً من النقاشات، ثم لاقت من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى استجابة سريعة لنبض الشارع البحريني، وتوجيهات جلالته بسرعة إيجاد حلول لها بما يوازن ما بين مصلحة المواطنين، والتزامات الدولة وحجم الموازنة وموارد الدولة. فما سمعناه بعد التوجيهات السامية بشأن قانون التقاعد، من اجتماع الدول الشقيقة الثلاث «المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت» لدعم البحرين، لم يكن في حسبان الكثيرين ممن تحدثوا وعبروا عن رفضهم لتعديلات قانون التقاعد، ولم نكن وإياهم نعلم ما تعاني منه مملكة البحرين من أزمة مالية، حتى ظهرت الحقيقة في الصحافة بالدول الشقيقة الثلاث ثم صحفنا المحلية. وعلى الرغم من عدم اطلاع المواطنين على واقع هذه الأزمة المالية واستيعاب الشارع البحريني لمدى تأثيرها الكبير، إلا أن شعوراً غامرًا بالارتياح ملأ أرجاء الوطن بالتدخل السامي في الأمر، وهكذا هو الوالد الذي يعمل في صمت للمحافظة على رفاهية أبنائه وتلبية كل متطلباتهم دون أن يشعرهم بأي قصور في موارده المادية. ولقد ذكرني هذا الموقف الملكي السامي بتلبية جلالته لمناشدة المواطنين بالتدخل فيما يمكن أن يؤثر على مستقبل المتقاعدين ومكتسباتهم، والتحركات التي ربما حدثت في أروقة السياسة الخليجية للوقوف إلى جانب البحرين، بما يفعله الكثير من الآباء استجابة لطلبات الابناء الجامحة والتي تتجاوز ميزانيتهم البسيطة، فلم يكن يوما يرفضون طلبات الابناء أو يقولون «ليس في استطاعتنا ولا في إمكانياتنا»، ولم يكن الابناء على علم ببواطن الأمور فما يهمهم فقط أن يحصلوا على ما يريدون. ما حدث في البحرين خلال الأسابيع الماضية يجب أن يتم تسجيله بأحرف من نور في تاريخ البحرين المعاصر، ويؤكد أننا نعيش ديمقراطية ذات طبيعة ونكهة خليجية خاصة، وملكية دستورية تحافظ على تماسك الوطن رغم الأمواج التي تعصف بدول كثيرة في العالم، وما البحرين ببعيدة عنها، لكن حكمة جلالة الملك المفدى تجعلنا جميعا ننحني احتراماً وتوقيراً لهذه الحكمة العظيمة في التعامل مع تلك المرحلة الحرجة. ولابد أن يعي المواطن هذا الحدث وتلك المرحلة، بأن تتولى مراكز الدراسات المتخصصة، وضع برامج تهدف لتوعية المواطنين بهذا الأمر وكيف أن تلك المرحلة المفصلية أسست لقاعدة سياسية حديثة في البحرين وربما المنطقة بأسرها، وأن توضح الأبحاث الأكاديمية النموذج البحريني في السياسة والتعامل مع الأزمات. ولقد كان لجلالة الملك المفدى العديد من المبادرات الإقليمية والدولية التي لاقت ترحيباً كبيراً في العالم، ولعل أبرزها مؤخراً مبادرة محكمة حقوق الإنسان العربية، ولذلك يجب على الباحثين والأكاديميين الربط بين المبادرات والقرارات السامية التي رفعت اسم مملكة البحرين بين دول العالم، وتوثيقها في كتب وأرشيف تاريخ البحرين. والحمد لله على ما أنعم الله به علينا في هذه الأرض الطيبة من رجال مخلصين، على رأسهم جلالة الملك حفظه الله ورعاه، فقد شعرنا بالخطر من قانون التقاعد، ثم لمسنا الطمأنينة في توجيهات جلالته، دون أن نعلم بحقيقة وبواطن الأمور، وبأن المواطن البحريني ومكتسباته خط أحمر وبأن جلالة الملك حفظه الله ورعاه هو الدرع الواقي والحامي لكل من يحاول النيل من مقدرات ومكتسبات الوطن والمواطن، وعلينا في المستقبل أن نقف ونتريث ونحاور، لأن لدينا من يستمع ويستجيب ويوازن لتسير السفينة وتصل إلى بر الأمان بإذن الله تعالى. * رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون ورئيس منظمة الوحدة العربية الأفريقية لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب