السوق العربية المشتركة | تحديات التنمية وفرص النمو فى الربيع العربى

السوق العربية المشتركة

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 01:44
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
تحديات التنمية وفرص النمو فى الربيع العربى

تحديات التنمية وفرص النمو فى الربيع العربى

منذ بدء ثورات «الربيع العربي» أو «الصحوة العربية»، تتوالى التساؤلات عن كيفية الانطلاق لرسم خريطة طريق جديدة للمستقبل، فنموذج التنمية الذى ساد لعقود طويلة فى العديد من الدول التى تشهد تغيرات وتحولات عانى كثيراً من العيوب، أولها أن النمو المحقق لم ينعكس تحسيناً لمستويات المعيشة، بل تعمقت فجوات الدخل فى كثير من الدول، وارتفعت نسب البطالة والفقر، خصوصاً فى المناطق الريفية. وفى الوقت ذاته كانت مداخيل بعض الفئات ترتفع وكانت هناك قصص نجاح اقتصرت على البعض القليل. ونتيجة لذلك برز تساؤل مهم يتعلق بكيفية الانتقال إلى المستقبل وتبنى نموذج جديد يقوم على التحول من «الدولة الريعية» إلى «الدولة الإنتاجية» التى تضمن تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين وعدم تجاهل أى فئة من فئات المجتمع.



ورسم تقرير جديد أعدته منظمة العمل العربية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى حمل عنوان «نظرة جديدة إلى النمو الاقتصادي»، ملامح النموذج الجديد الذى يقتضى تبنى عقد اجتماعى جديد بين الدولة والمجتمع يعكس الصيغة الجديدة الناشئة عن التحولات السياسية التى مر بها عدد من الدول العربية. وخلافاً للعديد من التقارير التقليدية التى ظهرت فى أعقاب اندلاع ثورات «الربيع العربي»، يركز التقرير الجديد على بعدى العرض والطلب فى ما يخص الإنتاج وسوق العمل، فالمشكلة فى سوق العمل، مثلاً، لا تتعلق بالدرجة الأولى بنوعية خريجى الجامعات بمقدار تعلقها بطبيعة العملية الإنتاجية ونوعية اليد العاملة التى تحتاج إليها، كذلك يجادل التقرير من خلال البيانات بأن نسبة الشباب من عدد السكان لا تختلف كثيراً عما هو سائد فى مناطق كثيرة أخرى حول العالم، مفنداً بذلك مقولة أن زيادة نسبة الشباب فى المجتمعات العربية هى المسؤولة عن ارتفاع نسبة البطالة فى أوساطهم.

ويقود هذا التحليل إلى طبيعة النموذج التنموى الذى ساد وركز على تحرير التجارة وتجاهل الإنتاج إذ تشير البيانات إلى أن الصادرات السلعية والخدمية ظلت متواضعة إلى درجة كبيرة فلم تتجاوز نسبة خمسة فى المئة من نسبة الصادرات العالمية، كذلك جرى تجاهل قطاعات مهمة، مثل قطاع الزراعة تحت حجج التنافسية فى القطاعات الأخرى والتى لم تحقق نجاحات تذكر.

وفى تحليل لدور الفاعلين الاقتصاديين (الحكومة والقطاع الخاص) تبين أن الحكومات تنفق على المعونات والمساعدات الاجتماعية أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم، ويعانى الإنفاق الاجتماعى من تدنى نسب الكفاءة وارتفاع نسب الهدر، وهذا الواقع أيضاً أثر فى ممارسات القطاع الخاص الذى اهتم بالاستئثار بملكيات القطاع العام التى تحولت إليه لتزيد تركز الثروة، ولم يبادر باستثمارات جديدة مولدة لفرص العمل، وهذا يفسر كيف تزامنت صفقات التخصيص بارتفاع نسب البطالة وعجز الحكومات فى الوقت نفسه عن استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

ولم تخلُ عمليات التخصيص من شبهات الفساد والعلاقات التى سادت بين رجال الأعمال والطبقة البيروقراطية التى أشرفت على العمليات وصاغت القوانين ونفذت الصفقات لخدمة فئات معينة على حساب المبادئ الأساسية التى تستند إليها برامج التخصيص ونقل ملكيات القطاع العام لمصلحة مجموعات لها صلات بأصحاب القرار.

وبالنتيجة أهمِلت نوعية النمو لفترات طويلة وكان الاحتفاء يطاول الأرقام المتحققة بغض النظر عن آثارها على الفئات المختلفة فى المجتمع، فمثلاً وعلى رغم ارتفاع نسب النمو المتحقق فى بعض الدول، نمت حصة الأجور والاستهلاك من الناتج المحلي، والتى تعكس التحسن فى مستويات الرفاهية بوتائر منخفضة جداً. كذلك لم تؤخذ الأبعاد الإقليمية (حضر - ريف) فى الاعتبار.

أما النظرة الجديدة فتتضمن جملة من المبادئ التى تقوم على ما يعرف بالنمو التضمينى الذى يفتح فرصاً متكافئة لشرائح المجتمع المختلفة. ويجب أن تضمن السياسات الجديدة الاتساق على مستوى الاقتصاد الكلى بما فى ذلك سياسات ضريبية أكثر عدالة وتساهم فى تحسين توزيع الدخل. كذلك يجب توسيع نطاق التغطية الاجتماعية واتباع أساليب استهداف أكثر وضوحاً للحد من الهدر فى الإنفاق. ويجب اتباع سياسات صناعية لإعادة الاعتبار لبعض القطاعات مثل الصناعة التحويلية والزراعة. وضرورى التمييز بين تحديات قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد تستدعى إطاراً زمنياً للتعامل معها مثل إصلاح التعليم والقطاع العام.

ولكن، واضح أن النموذج التنموى الذى ساد لعقود بات من مفردات الماضى على رغم تمسك البعض به، فالنموذج التضمينى والذى يؤمّن فرصاً متكافئة يشق طريقه، وتعترضه كثير من الصعوبات، ويواجه كثيراً من المقاومة من بعض أصحاب المصالح الذين يدركون أكثر من غيرهم كيف ستتضرر مصالحهم نتيجة التغيير. ولنجاح النموذج الجديد لا بد من إطار سياسى جامع يتميز بقاعدة اجتماعية واسعة ودرجة عالية من النزاهة وحسن التطبيق والالتزام، فالسياسات الماضية لم تكن كلها خطأ، بل إن من قاموا عليها جيروها لمصالحهم وأخرجوها عن سياقها الصحيح، وهذا يعنى أن النموذج، أو المقاربة التنموية الجديدة، تقوم على ركيزتى الإصلاح الاقتصادى الحقيقى والمنظومة السياسية التى تشرف وتراقب وتضمن تحقيق النتائج. وهذا ما يجعل العملية صعبة وتحتاج إلى وقت لتنفيذها.