
محسن عادل
الإصلاح الاقتصادى فى مصر.. آمال وتحديات
إن نجاح الثورة المصرية يسهم فى وضع عملية الإصلاح الاقتصادى على الطريق الحقيقى والصحيح. فقد بذلت جهود على مدى العقدين الماضيين لضمان استقرار الاقتصاد الكلى فى أكثر من ناحية، لكن معدلات النمو المعقولة التى تحققت لم تأت بالفائدة الكاملة على الجميع، ولم يرتفع بالتالى وبشكل كاف عدد الأشخاص المعنيين باستقرار النظام بكونهم شركاء فى استدامته وفى الحفاظ على مزاياه.
يجب ان نجمع جميعا على أهمية تعميم الإصلاح بمفاهيمه الشاملة كنتيجة طبيعية للتحركات الثورية الواسعة التى تتفاعل فى العديد من النواحى. بما يشمل تداول السلطات، والتوزيع العادل للدخل القومى الذى يحقق النمو والتنمية معا، ومحاربة الفساد عبر نهوض المؤسسات وتفعيل القضاء، وإنتاج فرص عمل حقيقية تستقطب معدلات البطالة المرتفعة خصوصا فى أوساط الشباب.
إن العقد الاجتماعى الاقتصادى الجديد المطلوب إبرامه لا يشمل تحقيق النمو ومكافحة التضخم والتقدم على مسارات تحقيق الأهداف المالية والنقدية والتنموية فحسب، إنما ينبغى التأكد من أنه يجرى التقدم اللازم على صعيد الاستثمارات الجديدة فى القطاع الموفرة لفرص العمل الجديدة وكذلك فى إيجاد المساكن الملائمة للشباب بما يسهم فى خلق مستوى أفضل من الطمأنينة بشأن مستقبلهم. من جهة أخرى التأكيد على العمل على تمكين الشباب من خلال مستويات أفضل من التعليم والتدريب التقنى تتلاءم مخرجاته مع حركة الاقتصاد ومجالات نموه وتطوره المستقبلي. كذلك العمل أيضا على إنشاء المؤسسات القادرة على دفع الإصلاحات السياسية والديمقراطية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية قدما، وذلك مع تفعيل قدرة هذه المؤسسات على ممارسة الرقابة وتحقيق التوازن بينها.
أن مشاريع (الخصخصة) لم تمثل تحريرا اقتصاديا حقيقيا وكافيا، إذ إنها وفى حالات كثيرة أدت إلى بيع أصول الدولة لرجال أعمال معينين دون غيرهم، وذلك من دون تحرير القطاعات المباعة بالمعنى الاقتصادى الحقيقى للكلمة، أى التحرير الذى يؤدى فى المحصلة إلى توفير خدمات ممكنة أفضل وبكلفة ممكنة أقل ودون أن تمارس الدولة بالتالى دورها الناظم لتلك القطاعات الاقتصادية بما يحمى مصالح جميع الشركاء المعنيين بها.
إن المشهد السياسى الذى يتكون تباعا مع كل حدث هو مشهد مختلف بكل معنى الكلمة. والنظر فى عمق هذه التحولات يفضى إلى استنتاج منطقى بأن الشأن الاقتصادى يقع فى صلبها، وسيكون حتما فى صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار.
إن التحركات الحاصلة تجتمع على عنوان واحد هو الإصلاح وترفع شعار تعميمه فى كل المجالات، وفى مقدمها إصلاحات سياسية، تؤمن توسيع قاعدة المشاركة والفصل بين السلطات وتداولها، وإصلاحات اقتصادية، تستهدف التركيز على تسريع التحول إلى الاقتصادات الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وتوزيع أكثر عدلا للثروة، ورفع إنتاجية القطاع العام، وتحسين سياسات التشغيل ومكافحة البطالة، وإصلاحات اجتماعية، تخفف من عمق الهوة بين الطبقات الأكثر غنى والأكثر فقرا، وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى كحلقة اتصال وتواصل، وضخ استثمارات مجدية فى إصلاح التعليم والتدريب والتكنولوجيا والرعاية الاجتماعية والصحية، وإصلاحات قضائية، تسهم فى مكافحة الفساد وتصويب مكامن الخلل عبر إحقاق الحق وتعميم سيادة العدالة.
ويجب هنا التركيز على أن هناك قصورا فى إدراك أهمية التعرف إلى مواطن الفساد فى الإدارة والاقتصاد ودورها فى توليد وزيادة مشاعر الإحباط لدى المواطنين، ولا سيما لدى الشباب منهم. وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية إلى الفشل فى تحقيق التوقعات وبالتالى إلى زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق.
على الرغم من التحديات الكبيرة أمامنا، فالجميع يتطلع إلى المرحلة المقبلة بتفاؤل وأمل كبيرين، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتحفيز التنافسية العالمية للاقتصاد من خلال تحديث الاقتصاد وتطوير المناهج التعليمية بحيث يتمكن الشباب من المنافسة محليا وعالميا، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة والفقر. ولعل الإفادة المثلى من المرحلة الراهنة تتطلب التوازن بين تطوير البيئة السياسية من جهة، وبين تطوير آليات ومحركات النمو الاقتصادى المستدام والرفاه الاجتماعى للشعب من جهة أخرى. فنجاح الإصلاحات السياسية مرتبط إلى حد بعيد بنجاح الإصلاحات الاقتصادية، والعكس صحيح أيضا أن الإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامى مثالى لبلوغ الاستقرار الحقيقى وتعميم فوائده، وهذا ما نطمح إليه جميعا دولة وشعبا وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطنى هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل على نحو يضمن التنمية المستدامة.