تذكرني يوم القيامة واجعلني من صحبتك
02:47 م - الأحد 3 يونيو 2018
كان لي الشرف أن أكون ضيفًا متواجدًا مع مجموعة من الملائكة الأسبوع الماضي، رأيتهم رأي العين وشعرت بهم ولامستهم وتمنيت أن أبقى معهم ولا أغادرهم... إنهم أطهر قلوب تحمل صفحات بيضاء لا شائبة سيئة فيها، بل إن صحائفهم بيضاء دون كل البشر.. رغم ما أكده الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في حديثه الشريف «كل ابن آدم خطاء»... إلا هؤلاء.
فقد أقام مركز عائشة للتدخل المبكر مهرجانًا كبيرًا للأطفال من ذوي الاحتياجات والتربية الذهنية الخاصة، ممن منحهم الله عفوًا وكرامة من عنده بأن يتغيب وعيهم عن حياتنا البائسة الفانية، حتى يلاقوا الله كما ولدتهم أمهاتهم يوم تشخص أبصارنا باحثين عن أي حسنة تدرأ سيئاتنا، وكنت من المدعوين في هذا المهرجان الذي يحاول دمج هؤلاء الملائكة في حياتنا الطبيعية، وجلب المشرفين على الحفل نخبة من الفنانين المحبوبين لدى الأطفال فامتلأت قاعة المهرجان بالبسمات والضحكات البريئة التي لم أراها بهذا الصفاء والنقاء من قبل.
وبالطبع تطرق الحديث عن حقوق هؤلاء المرضى وكيفية التعامل معهم من أسرهم وإلى ما تقدمه مملكة البحرين لهم من خدمات تتسع يومًا بعد آخر لتشملهم برعاية خاصة، وتحدثت عن تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتها وتعزيز احترام كرامتهم وضمان تمتعهم الكامل بتلك الحقوق على قدم المساواة مع كافة أفراد المجتمع، بصفته مبدأً أساسيًا من مبادئ حقوق الإنسان العالمية.. لكن وللأمانة شعرت أن هذا الكلام لا يتناسب مع ما رأيته.
فهؤلاء الأطفال من وجهة نظر غالبية البشر هم عبء على أسرهم، ويرى الناس أن أي عائلة تضم في أبنائها طفلا يحمل إعاقة ذهنية، تعتبر عائلة منكوبة أو مبتلاة.. وأنا في الحقيقة لا أوافقهم هذا الرأي، بل إني أجد أن الأسرة التي لديها هذه «النعمة» لهي أسرة ضمنت الجنة دون تعب او عناء، ولك أن تتخيل يوم الحساب أن يأتي والد هذا الطفل المعاق ويحاسب بما فعل من ذنوب في دنياه، ويجد نفسه أقرب إلى النار منه إلى الجنة والعياذ بالله... ثم يأتي طفله المعاق بصحيفته البيضاء الناصعة الخالية من الذنوب فيأخذ بيد أبيه وأمه إلى الجنة.
وبالفعل هذا ما رأيته في هذا المهرجان.. مجموعة من الصحائف البيضاء الخالية من الذنوب، تمشي بيننا نحن أهل الخطايا ولا نشعر بقيمتهم العالية في حياتنا، وأردت وقتها أن أتشبث بأحدهم وأهمس في أذنه... «تذكرني يوم القيامة واجعلني من صحبتك»، ثم سألت نفسي.. هل سيدرك هؤلاء الأبرياء فحوى رسالتي إليهم وهل ستبقى في ذاكرتهم التي لا نعلم آلية عملها؟.
نعم إن في بعض البيوت من يحملون مفاتيح الجنان، دون أن يعلم بقية أهلها، ولو علموا بهذا الأمر ما تركوهم لحظة يغيبون عن أعينهم، ولرفعوهم إلى أعلى مقام ومنزلة، ولعاملوهم معاملة الأسياد والوجهاء، رغم أن العكس هو ما يحدث، فكثيرون يشعرون بالخجل والخزي من أن يرى ضيوفهم الطفل المعاق ذهنيًا، ويحاولون إخفاءه حتى لا ينزعج الضيوف منه، ويبلغ المدى بآخرين أن يتخلوا عنهم ويتركوهم لخادمة أو مشفى أو مركز متخصص ليتخلصوا من أعبائهم.
وما يقوم به العاملون في المراكز والعيادات المتخصصة من رعاية لهؤلاء الملائكة يدفعنا للمطالبة بدعمهم وتذليل كل المعوقات والصعوبات أمامهم وتسهيل وتيسير احتياجاتهم وفوق هذا وذاك يجعلنا نرفع لهم أسمى آيات الشكر والتقدير والامتنان، لأنه جهد كبير يحتاج إلى صبر وحنان وإلى قلوب رحيمة وعطوفة ومخلصة قبل الخبرة، وهو عمل أدعو الله أن يكون فاتحًا لأبواب الخير والجنة لهم.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون ورئيس منظمة الوحدة العربية الأفريقية لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب