«المناصرة»متحف الأثاث المصرى فى قلب القاهرة
عندما تنظر اليها تجد التاريخ على مبانيها وجدرانها، ترى فيها وجوه مصريه فهى بالقرب من باب الخلق وقصر الملكية، شوارع تكتب تراثا، فالاثاث يتحدث ويعبر عن مصريته، لكن الظروف الاقتصادية التى اجتاحت الوطن بعد ثوره 25 يناير جعلت المكان هادئا ويكاد يخلو من المشترين، فالمحلات تنادى وتقول هل من مشترٍ؟
وتشعر بدخولك إلى منطقة المناصرة انك فى داخل متحف للفن اليدوى مدفون وسط دروب وأزقة قاهرة المعز القديمة، لكنك تستطيع الوصول إليها عبر العديد من المنافذ والدروب التى تخترق قلب قاهرة المعز القديمة، وأيسرها شارع بورسعيد بالقرب من جامع البنات فى منتصف شارع محمد على، أو عن طريق شارع عبدالعزيز الشهير بتجارة أجهزة المحمول بمنطقة العتبة، اول ما يلفت انتباهك فى المنطقة، الطرقات المتعرجة ذات اليمين والشمال كانها متاهة محكومة الاغلاق، حيث ترتفع تلك الطرقات احيانا وتهبط احيانا اخرى.كما تتميز ارضياتها بالشكل الكلاسيكى التقليدى لحوارى وضروب أزقة القاهرة القديمة المرصوفة بالبلاط الحجرى القديم الابيض المقوس لأعلى لمنع التزلج وتصريف المياه، وعلى الرغم من كلمة سكة هى الشق الاول لاسم هذا الحى العريق.الا أن السير فيها مقصور على المشاة وحدهم نظرا لاكتظاظ المكان بالكامل بآلاف اطقم الموبيليا وآلاف العمال وعشرات الورش التى تشغل كل شبر من طرقات المنطقة. تعتبر من اكثر المناطق تأثرا بركود سوق صناعة الاثاث فى مصر رغم انها فى وسط القاهرة الفاطمية حيث عبق التاريخ واصالة الماضى فعندما تقترب منها تجد الحرفة بكل معانيها وتجد ضالتك ايضا فى صناعة الاثاث بكل الطرازات المعروفة، انها منطقة المناصرة التى حاولنا الاقتراب من صناعها ليحكوا لنا هموم ومشاكل صناعة الاثاث منذ ثورة يناير وحتى الان..
فى البداية يروى لنا عم محمد محمود عن ذكرياته مع صناعة الاثاث والمناصرة معا: اعمل منذ 40 سنة فى المنطقة صانع اثاث ولقد مرت علينا مراحل انتعاش كبيرة كما مر علينا مراحل ركود ولكن الوضع الان مختلف فالمرحلة الحالية هى الاسوأ فى تاريخ المنطقة طوال هذه السنوات فمع ارتفاع الاسعار بشكل جنونى شهدت صناعة الاثاث انكسارا قوىا خلال 3 اعوام الاخيرة لعدم اقبال الناس على الشراء بسبب غلاء المواد الخام من اخشاب وابلاكاش لأن هذه المواد تستورد من الصين أو كوريا أو فنلندا بجانب ارتفاع اسعار المواد الخام المستخدمة فى صناعة الاثاث، يقول سيد حلمى كورسجى “سكة المناصرة من أقدم وأعراق الأحياء الصناعية بالقاهرة الفاطمية، ويرجع السبب فى هذه الشهرة لانفرادها وحدها عن سائر الاحياء الاخرى بصناعة الموبيليا اليدوية رخيصة الثمن، كما انها تعتبر المدرسة العليا التى تخرج فيها أمهر وأكبر الحرفيين من (الكورسجية والمنجدين والمدهانتية) ويطلق على سكة المناصرة لقب دمياط القاهره أو “مينى دمياط”نسبة إلى مدينة دمياط المدينة الاشهر فى صناعة الموبيليا فى مصر والعالم العربى.
وحول انماط الموبيليا الشهيرة فى المناصرة، يقول “هلال”: هناك العديد من انواع واشكال اطقم الموبيليا المختلفة والبعض منها انقرض مثل طقم يسمى “الجمهورية“ الذى اشتهر لفترة ثم قل عليه الطلب جدا لتغير الذوق العام للناس واتجاههم نحو الاسهل والمودرن اكثر، وهناك نوعان من اطقم الموبيليا كثر الطلب عليهما فى الوقت الحاضر، وهما “الاسيوطى” و”طقم الارابيسك” والثانى اكثر شهرة.
وحول مستوى الاسعار فى المناصرة يقول الاسطى ابراهيم على “صدفجى”: ان سعر طقم الموبيليا يتحدد بناء على عاملين اثنين هما نوع الخشب وكمية الأويمة والصدف التى تدخل فى تجهيزه، فبالنسبة لنوع الخشب فهو يختلف من نوع لاخر، فهناك خشب الزان وهو اشهر الانواع على الاطلاق ويدخل بنسبة 99% فى صناعة الموبيليا، كما أن هناك اخشاب الارو والماهوجنى والورد وتتدرج الانواع إلى أن نصل إلى اقلها جودة وسعرا وهو خشب الموسكى أو الابيض المعروف باسم خشب الشجر، اما العامل الثانى فهو الأويمة وتعنى باللمسات الجمالية الاساسية والاضافية التى تضعها يد “الأويمجى” التى كلما ذادت ارتفع سعر الطقم، وبسؤاله عن تصدير الاثاث المصرى للخارج قال يتم تصدير الاثاث إلى دول الخليج فهم كانوا سابقاً يعتمدون على الاثاث الاوروبى لكن بعد التغييرات السريعة التى دخلت على الصناعة اصبح الاثاث المصرى يشغل جزءا كبيرا من الاسواق الخليجية بالاضافة إلى ليبيا والمغرب،
وحول مستقبل المهنة يقول ابراهيم: الزمن لم يعد نفس الزمن والمهنة كمعظم المهن اليدوية فى مصر تتدهور نتيجة وجود دخلاء على الصنعة، أو الذين يردون الربح السريع بالغش فالبعض يضع صدفاً مغشوشا مصنوع من بلاستيك ردىء، كما هو الحال فى كل شىء الان، البلاستيك اصبح هو الحاكم فى اغلب الصناعات لذا فهو ينطفئ بعد فترة وجيزة ويتقوس بصوره تفسد الجمال الذى كان عليه لانه ليس اصليا.
أما فن التجنيد وهو الذى يأتى اخيرا فى عملية صنع الموبيليا. ويشير ابراهيم إلى انه يخرج بشكلين اما كتنجيد عادى مستقيم ومستو. او “كابوتينيه” وهو الذى يتميز بتقسيمات وغرز للأسفل والأعلى. ويحدد كل ذلك طبيعة الموبيليا نفسها، ويناشد ابراهيم “الصدفجى” المسئولين بالحكومة لدعم الموبيليا والحفاظ على فنها العريق بالمناصرة، وعن اشهر العائلات بمنطقة المناصرة يقول حلمى السيد: تعتبر عائلات المناديلى، وحنفى اليهودى، وسعدالكوبس من اكبر واشهر ملوك الصناعة فى سكة المناصرة حتى اليوم، الا أن تاريخ سكة المناصرة لايزال يذكر بالفضل اصحاب الخبرات من الاجانب خاصة الايطاليين والفرنسيين واليونانيين الذين تركوا بصمات واضحة على مصنوعات السكة من موبيليا مختلفة والذين تعلم منهم اباؤنا.. ويقول عم «على السنى» صاحب معرض اثاث بدأت تجارة الاثاث فى منطقة المناصرة فى اواخر السبعينيات، فكانت عبارة عن 4 ورش لتصنيع الاثاث لكن بسبب مكاسبها السريعة انتشرت تجارتها فى منطقة المناصرة إلى أن تحولت منطقة المناصرة باكملها إلى تجارة الاثاث.لكن لسنا كما كنا قبل 25 يناير، الان نحن ننتظر الزبائن فالمعارض أصبحت شبه خالية، فصناعة الاثاث المصرية تشهد ارتفاع الاسعار بسبب ارتفاع سعر الاخشاب مثل خشب الزان الرومانى ويعتبر من اغلى انواع الاخشاب ويليه فى السعر والجودة الخشب الروسى والفلندى، وبسؤاله عن الصناعات الصينية وانتشارها فى السوق المصرية، قال أن صناعة الأثاث الصينية لم تسيطر على السوق المصرية، فهى أقل جودة من الصناعة المصرية رغم أسعارها الرخيصة، لكن يحتاج السوق المصرى إلى الانتيكات الصينية، واضاف أن منطقة المناصرة تعتمد اعتمادا كلىا على سوق محافظة دمياط بسبب جودة صناعتها التى تشتهر بها، لكن تبقى منطقة المناصرة هى المنطقة الاولى فى القاهرة لتجارة الاثاث وذلك بسبب اسعارها التى تناسب جميع فئات المجتمع.