البحرين الحاضرة
10:41 ص - الأربعاء 14 مارس 2018
قلت في جلسة أخوية رداً على تساؤل أحد الجُلساء عند تساؤله، «كيف أنتم والغُربة عن الوطن؟!». قلت إن الوطن عزيز على قلوبنا، ونحن أينما نرحل نحمل هذا الوطن في جوانحنا، نستحضر الذكريات وتشدنا الشخوص، ونأمل أن يُشاركنا الزملاء فيما نشاهد وفيما نأكل، ونشتري، شعوراً منا بأهمية التواصل المجتمعي والاستفادة من الخبرة والمعرفة وإغناء التجربة.. وإذا بأحد الأخوة يقول لنا: «أنا أكره كلمة (الغُربة) التي قد يوصف بها المواطن العربي عندما يزور بلداً عربياً شقيقاً من المحيط إلى الخليج العربي.
فأنتم في وطنكم وبين أهلكم، نتبادل نفس الشعور والأحاسيس والآمال والتمنيات وربما يتعارف بعضنا في مواقف حصلت في الماضي وبقيت ذكرياتها ماثلةً».
فقلت له: «فعلاً نحن في أوطاننا العربية لا نشعر بتلك الغربة التي قد تجدها في بلاد أخرى قلما تجد شخصاً يتحدث إليك، حديث القلب وينتابك شعور الألفة والمودة في حديثه، ويخامرك إحساس التوجس لديه في أن يتبسط في الحديث إليك»...
رغم كل منغصات الحياة في زماننا، والظروف التي تمر بها الأمة، والشعور بالفقد والضياع والمستقبل الغامض، والحاضر الذي لا يسر.
إلا أننا نتشبث بالأمل، وفجر النهار لابد أن يبزغ، وتنير الشمس بالضياء الكون، قد نبالغ في التفاؤل، ويصفنا البعض بعدم الرؤية والنظرة الواقعية، والشعور المتأصل فينا والذي ربما ورثناه من أدباء وشعراء الرومانسية في وطننا العربي، غير أن هذا الشعور متأصل في الذات العربية هل جربتم أن تكونوا في إحدى الدول الغربية فتطرق أسماعكم لهجة عربية من أقطارنا العربية تصادفك في الطريق أو في محل تجاري أو مقهى، وإذا بك تبتسم في وجه من استمعت إلى لهجته تعبيراً منك وإشارة من لغة الجسد لتترجم له شعورك بمعرفتك له بأنه «عربي»؟!. إحساس الانتماء لا يمكن مداراته، والعلاقات بين الشعوب العربية ليست وليدة اللحظة، وإنما هو تاريخ ممتد، عبر عنه بجلاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى حفظه الله ورعاه، وهو يستقبل بعثة الأهرام المصرية في زيارتهم مؤخراً لمملكة البحرين، عندما قال جلالته: «العلاقات بين مصر والبحرين قديمة فهي من عمر حضارتين عريقتين في تاريخ العالم، لذا لم تكن مفاجأة أن توحدت مواقف البلدين في مواجهة ما يُسمى بتبعات (الربيع العربي) والمؤامرات التي تُحاك ضد المنطقة العربية»، ليضيف جلالته: «تربينا على حب مصر منذ أن تفتح وعينا، فمصر هي الدولة الكبيرة ومصدر الثقل والاتزان والثقافة والتاريخ ومهد الحضارة، لذلك نفرح لمصر في الأحداث السعيدة، وإذا حدث لها شيء غير طيب لا نقبل به، لأنه ينعكس علينا جميعاً بالسوء والضرر، فنحن العرب - وأنا في أوائل الصف - هوانا مصري، وفي هذه الأيام منطقتنا العربية تتعرض للكثير من المخاطر التي تتطلب منا الوقوف في خندق واحد، خصوصاً أن قوة مصر مصدر قوة للعرب جميعاً، وأن أمن الخليج من أمن مصر، واستقرارها وعودتها للريادة هي مصدر قوة الأمة العربية ككل».
ويشير جلالة الملك إلى «أهمية الدور الثقافي في مواجهة قوى الظلام والتطرف، فيذكر بما جرى في عام 1927م حين أرسل الجد (سعفة ذهبية) إلى الشاعر أحمد شوقي عندما حاز لقب أمير الشعراء، وليس هذا فحسب، بل إن إحدى سلالات الخيول الأصيلة في مصر بحرينية توارثتها أجيال، من خلال إهداء هذه السلالة إلى الخديوي إسماعيل».
فأمة تمتلك هذا الرصيد الثقافي والحضاري والعلاقات المتأصلة الضاربة في الجذور من الصعب، بل من المستحيل اقتلاعها، خصوصاً إذا ما وجد المؤمنون بذلك والحريصون على أن تبقى شعلة الوفاء والولاء متقدة رغم عوادي الزمن...
وفي موقف آخر مع بعثة الأهرام المصرية في مملكة البحرين، استمع الوفد إلى كلام من القلب من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه، حيث أشاد سموه بالعلاقات المتميزة والوثيقة بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، وبالدور الذي لعبته مصر في المنطقة العربية موضحاً أن مصر مكانتها الكبرى في قلوب العرب ولها دورها التاريخي المؤثر في صياغة حاضر ومستقبل الأمة العربية. وقال سموه: «إن مملكة البحرين، تعتز بإسهامات مصر التي شكلت عنواناً في نهضتها وتقدمها من خلال مساهمة الخبرات المصرية من مختلف التخصصات في مسيرة النهضة والتنمية، وإن الإسهام المصري كان واضحاً عندما شاركت بسخاء في مد البحرين بالخبراء والمستشارين والأساتذة والقضاة الذين أسهموا مع إخوانهم البحرينيين في وضع أسس النهضة والبناء التنموي الذي تنعم به البحرين». (الأحاديث منشورة في الأهرام العربي بالتزامن مع الأهرام والأهرام المسائي).
عندما يكون المرء أمام شهادات وطنية مخلصة لا يملك إلا أن يفخر بهذا الزاد الحضاري والوعي المجتمعي النير الذي ينير الطريق لأجيال تأتي فتجد أمامها الطرق ممهدة، وما نحتاج إليه هو الإصرار والمُضي قُدماً ومواجهة التحديات والصبر على تحمل مشاق المسؤولية، فليست الأمور المصيرية بلوغها مفروش بالورود والرياحين ولكنها تحتاج إلى جهد ومثابرة والفناء في الذات والتجرد من الأنانية والرؤية البعيدة، والنظر في الحاضر بعين واعية ومدركة ترسم المستقبل للوطن والأمة، وكلما حققنا منجزاً بات علينا واجب المضي في تحقيق إنجازات أكبر وأعظم، وهذا يحتاج إلى تكاتف وتعاون من الجميع، والاستفادة من خبرات السابقين أشقاء وأصدقاء مع الإيمان بقدرات شبابنا وأبنائنا فهم بُناة المستقبل.
تعددت في بلادنا العربية الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات والبحوث، ولكننا نعلم أنه في الظروف الحاضرة هناك من حرم من نعمة التحصيل العلمي، وازدادت أعداد غير الملتحقين بالمدارس وهذه مسؤولية قومية لا تقر لنا جفون ما لم نجد الوسائل والسُبل للحل الذي يُعيد الأمور إلى نصابها، وهي من جملة التحديات المحيطة بالأمة، وعلينا أن نهتم بما في أيدينا الآن ونبني عليه، فإن المستقبل يتطلب منا أن نمد يد العون لكل أخ عربي في أي قطر عربي. رحم الله الشاعر علي محمود طه (1901- 1949) في رائعته عن فلسطين وشدا بها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، وهي من ألحانه
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة
مجد الأبوة والسؤددا؟
وليس بغير صليل السيوف
يجيدون صوتاً لنا أو صدى
فجرد حسامك من غمده
فليس له بعد أن يغمدا
أخي أيها العربي الأبي
أرى اليوم موعدنا لا الغدا
نحتاج إلى التواصل على مختلف الأصعدة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً وإعلامياً، ونحتاج لأن نُسمع صوتنا للآخرين، كلمة الحق والصدق يجب أن يسمعها القاصي والداني.
وعلى الخير والمحبة نلتقي