السوق العربية المشتركة | من أين ستأتى الاستثمارات

السوق العربية المشتركة

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 00:47
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
من أين ستأتى الاستثمارات

من أين ستأتى الاستثمارات

كثيرة هى المبادرات التى تطلَق منذ اندلاع الثورات فى العديد من الدول العربية والتى تعهدت بتقديم الدعم لعملية التحول الاقتصادى. ويمكن الحديث عن مبادرتين بالتحديد، الأولى التى قادتها الدول الصناعية، وعرفت بمبادرة دوفيل، وتعهدت فيها 22 دولة (الأعضاء الثمانية الأساسيون بالإضافة إلى العديد من الدول الصاعدة والسعودية) بتقديم مبالغ وقروض وتسهيلات للدول فى طور التحول لدعم مشاريع تهدف إلى تعزيز الإدارة الاقتصادية وتنمية القدرة التنافسية للدول الأربع فى مجالات متعددة منها التجارة، والبنية التحتية، والنقل، وإدارة الموارد المالية إضافة إلى تنمية القطاع الخاص.



المبادرة الثانية جاءت من دول الخليج التى مازالت تتمتع بفوائض مالية كبيرة، رغم الأزمة العالمية، وتعهدت دول بتقديم مساعدات مالية وتوجيه بعض استثمارات الصناديق السيادية إلى الدول التى تمر بمراحل تحوُّل للمساعدة فى إنجاح تجاربها. وعلى ضوء تلك المبادرات شاعت أجواء من التفاؤل فى دول مثل مصر وتونس والمغرب والأردن، لكن أياً من تلك الاستثمارات لم يتحقق فاقتصرت على المساعدات فقط، فمبادرة دوفيل بقيت حبراً على ورق، وفضلت دول الفوائض المالية العربية الانتظار لرصد التطورات السياسية فى دول «الربيع العربى» قبل أن تبدأ بتخصيص موارد مالية فى شكل صريح، وإن كانت العلاقة بين قطر وتونس تتطور فى شكل لافت، فهناك العديد من البعثات الاستكشافية القطرية التى زارت تونس ووافقت على تنفيذ عدد من المشاريع.

وفى ظل إحجام الاستثمارات الأجنبية يبقى هناك مصدران آخران لتحريك عجلة الاستثمارات واستعادة زخم النمو، هما القطاع الخاص داخل تلك الدول، والقطاع العام. ولا يزال القطاع الخاص المحلى فى العديد من الدول العربية متردداً كثيراً بسبب غياب حال الاستقرار والانطباعات السلبية السائدة حول القطاع الذى يربَط بالأنظمة السياسية المستبدة، على رغم ضرورة التفريق ما بين قطاع خاص مبادر ومستقل وبين قطاع خاص راكم ثرواته من خلال علاقاته السياسية وليس مبادراته الذاتية الخلاقة.

لكن الوضع السائد لا يشجع القطاع الخاص على الاستثمار والدخول كلاعب فى المرحلة الغامضة المقبلة. وهذا يعنى أن على القطاع العام تحمل مسئوليات كبيرة خلال فترات التحول، وفى دول «الربيع العربى» بدءاً من تونس مروراً بمصر والأردن فالمغرب وغيرها، تعانى الحكومات عجزاً فى الموازنات وحاجة ماسة للموارد المالية لتلبية المطالب الشعبية المتنامية. وبرصد سلوك الحكومات فى دول «الربيع العربى» يتضح أن التركيز حتى الآن كان على تعزيز الإنفاق الجارى استجابة لمطالب المواطنين وليس التركيز على تعزيز النفقات الرأسمالية التى من شأنها توليد فرص عمل والمساعدة فى استعادة زخم النمو.

هذه الاستثمارات يجب أن تركز على قطاعات تولد فرص عمل خلال فترة قصيرة، تعتمد بدرجة كبيرة على مدخلات إنتاج محلية ما أمكن لتوليد روابط أمامية وخلفية مع بقية القطاعات، ويفضل صياغة نوع من المصفوفة التى تشير إلى الأوزان النسبية التى يمكن أن تعطَى لكل هدف وكيف يمكن للاستثمارات العامة المساهمة فى تحقيقه.

كذلك يبرز موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذى يجب أن يتجاوز مرحلة الشعارات، فوجود الطرفين الحكومى والقطاع الخاص يعنى تأمين الطمأنينة للقطاع الخاص، وتشجيعه على الانخراط فى مشاريع تهم الدولة بالدرجة الأولى، لكن هنا يجب التحذير من عدم تكرار أخطاء الماضى التى ساهمت فى تشويه صورة القطاع الخاص، فيكون الإطار الذى ستنفَّذ الاستثمارات الجديدة على أساسه واضحاً وشفافاً ويتيح فرصاً متكافئة لكل الراغبين القادرين على الدخول فى هذا النوع من الشراكات. وهناك حاجة إلى الخروج من الإطار التقليدى لدى التفكير بسبل حفز القطاع الخاص، فتشمل الترتيبات الجديدة سبل إشراك الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى المشاريع الجديدة التى يمكن طرحها.

وفى ما يخص القطاع الخاص، هناك عدد من الشروط الواجب توفيرها حتى تُستعاد ثقة القطاع الخاص وتشجيعه على البدء بالاستثمار. أولى هذه المسائل استعادة الاستقرار الأمنى والتشريعى، فغياب الاستقرار لا يتعلق بالأمن فقط، بل إن التشريعات الناظمة لعمل القطاع الخاص لم تعد واضحة، ويرافق ذلك غياب رؤية اقتصادية تحدد العلاقة بين القطاعين العام والخاص وما هو المستقبل الاقتصادى المنشود.

كذلك وخلال المرحلة الانتقالية، لوحظ فى العديد من الدول ميل الحكومات إلى الاقتراض من المصارف المحلية، ما أدى إلى خفض نسبة الائتمان المتاح للقطاع الخاص بكل أحجامه ورفع كلف الاقتراض، وهذا اتجاه يجب وقفه لدفع المصارف إلى التفكير بالسوق المحلية وكيفية تسهيل منح الائتمان والقروض إلى المشاريع المحلية. وفى هذا الإطار يمكن التفكير بعدد من المبادرات التى يمكن أن تؤمّن سيولة للمشاريع ذات المردود الاقتصادى العالى.

وفى ما يخص الاستثمارات الأجنبية، على الحكومات التفكير بنوع الضمانات التى يمكن تأمينها بما فى ذلك القبول بمبدأ التحكيم الدولى لإنهاء النزاعات التجارية، ورغم الأخطار المصاحبة لهذا النوع من السياسات بالنسبة للحكومات من ناحية الكلف المتوقعة حال وقوع خلافات، تحتم المرحلة الصعبة التى تمر بها تلك الدول البحث عن حلول استثنائية حتى استقرار الأوضاع. وبغير هذا النوع من السياسات ستبقى مؤشرات الاقتصاد فى تراجع، وعدم توليد فرص عمل من شأنه عرقلة التحولات السياسية وإطالة أمدها وربما إزاحتها عن مسارها المفترض.