«السوق العربية» تفتح ملف الصناديق الخاصة.. الاقتصاد السرى فى مصر
تحقيق:سوزان جعفرـمحمد عبدالغني
قضية الصناديق الخاصة هى قضية قديمة متجددة، فمن وقت لآخر يدلى خبراء الاقتصاد وتتحدث برامج التوك شو عن ضرورة ضم حصيلة الصناديق الخاصة لخزينة الدولة لسد عجز الموازنة، ثم ما تلبث ان تهدأ العاصفة وتنطوى تلك القضية مرة أخرى لتدخل مرحلة النوم العميق وطى الكتمان، فى البداية نود أن نعرف القارئ أن الصناديق الخاصة هى عبارة عن أوعية موازية فى الوزارات أو الهيئات العامة، وتحتوى على حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد لتحسين الخدمات التى تقدمها الهيئات العامة، ومن المؤسف أن حصيلة تلك الصناديق لا تدخل خزينة الدولة ولا يناقشها مجلس الشعب، وفى نفس الوقت تخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، ولقد نشأت فكرة الصناديق الخاصة بعد نكسة 1967 لتخفيف العبء عن الحكومة نتيجة عدم قدرتها على سد بعض الاحتياجات من الموازنة العامة للدولة، لكن النشأة الرسمية لـ"الصناديق الخاصة" كانت فى عهد الرئيس الأسبق أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة، هذا القانون قرر إنشاء "صناديق خاصة" و"وحدات ذات طابع خاص" فى مادته رقم (20)، التى تقضى بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد معينة لاستخدامات محددة يوضحها القانون، ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإدارى، الإدارة المحلية، المحافظات، الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وفى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك تفشت تلك الصناديق الخاصة فى كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة حتى وصلت لقطاعات التعليم والصحة وجميع القطاعات والهيئات، وبعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى وتوجهه لمحاربة الفساد، طالب بضرورة حصر أموال الصناديق الخاصة لاسيما أن هناك صناديق وحسابات خاصة لا تعلم الدولة عنها شيئاً وغير خاضعة للوائح وزارة المالية، فى الوقت الذى تعانى فيه الدولة وضع اقتصادى استثنائى يتطلب تضافر جميع الجهود للعبور من تلك المرحلة الحرجة.
وبالفعل تم تشكيل لجنة عليا لحصر اموال الصناديق الخاصة وحساباتها وتحديد سبل إنفاقها، وعلى الرغم من تبعية هذه الصناديق للدولة إلا أن الدولة تحصل 10% فقط من إجمالى ما يتم تحصيله من هذه الصناديق، وخلال عام 2013 تم رفع هذه النسبة إلى 15% بغرض زيادة إيرادات الدولة ونجحت الدولة من تحصيل 2.5 مليار جنيه من خلال تلك النسبة 15%، بيد أن هناك مقترحا مقدما من اللجنة الاقتصادية بالبرلمان لخصم نسبة 25% من إجمالى ما يتم تحصيله لسد عجز الموازنة ودعم البطاقات التموينية.
يوم السبت 23/12/2017 تم تقديم مقترح لمجلس النواب بمشروع قانون لتعديل القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة يطالب بإلغاء الصناديق الخاصة وتوجيه كل أموالها إلى خزانة الدولة، حيث طالب عدد من النواب بضرورة ضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2018، وأن تكون تابعة لوزارة المالية لكى يكون لها الحق فى الصرف، موضحين أن عدد الحسابات المفتوحة فى البنك المركزى المصرى للصناديق والحسابات الخاصة التى تم حصرها ليبلغ 7306 حسابات ويعمل بها أكثر من 260 ألف موظف متعاقدين على الصناديق الخاصة، بواقع 1021 حسابا بالعملة الأجنبية و6285 حسابا بالعملة المحلية، واعترض بعض النواب على ضم تلك الصناديق، ومبررهم أنه سيكون من الصعب لأن الأمر يحتاج إلى دراسة جيدة ومتعمقة، ومراجعة ملفات الموازنة ومتابعة الأرقام بدقة حتى لا يحدث مشاكل لآلاف الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من تلك الصناديق، مما يرهق كاهل الدولة وتزداد معها نسبة البطالة
خبراء الاقتصاد
"السوق العربية" طرحت تلك القضية على خبراء الاقتصاد، فقال د.صلاح الدين فهمى الاستاذ بقسم الاقتصاد بكلية التجارة أن الصناديق الخاصة هى نوع من أنواع الفساد المقنن حيث إن الغرض من إنشاء تلك الصناديق كان بهدف تخفيف الأعباء عن موازنة الدولة، والآن أصبح يتم صرفها بشكل عشوائى وبلا حساب ولا رادع، وأكد أنه كان يؤيد وبشدة دعوة الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق لغلق تلك الصناديق الخاصة تماما أو ضمها إلى وزارة المالية ردعا للفساد، وناشد وزير المالية الحالى الدكتور عمرو الجارحى والجهاز المركزى للمحاسبات بأن يحذو حذو بطرس غالى، فضلا عن ضرورة مراقبة ومحاسبة المسئولين عن تلك الصناديق وضرورة معرفة أوجه صرفها؟ واستطرد قائلا أن هناك العديد من الصناديق تحقق فائضا كبيرا فى الميزانية فلماذا لا يتم التبرع لمستشفى 57357 ومستشفيات الغسيل الكلوى أو المشروعات القومية التى تحتاج إلى دعم مادى ضخم، واختتم حديثه بضرورة أن يكون كافة أوجه الاقتصاد فى العلن وأن يكون تحت نظر الدولة بدلا من هذا الاقتصاد السرى الذى يعمل فى الخفاء المتمثل فى الصناديق الخاصة.
فى حين ذهب الدكتور محمد أحمد الشيمى الخبير الاقتصادى إلى انه من الصعب ضم كافة الصناديق الخاصة داخل موازنة الدولة، مبررا ذلك بأن الصناديق الخاصة هى مورد من موارد الدخل للجهة التى أنشأته لتقديم خدمة ما أو تحسين الخدمة القائمة بالفعل وذلك بهدف أيجاد مصدر دخل للانفاق على بعض الجهات أو الهيئات أو العاملين دون تحميل الدولة لهذا العبء، ففى حالة ضم تلك الصناديق لموازنة الدولة قد يؤثر على أداء تقديم تلك الخدمة، فمثلا اذا كان هناك صندوق تم إنشاؤه لخدمة طريق القاهرة- إسكندرية الصحراوى فإن دخل هذا الصندوق ينفق فى رصف الطريق ورواتب العمال وتحسين أدائه وغيره من أوجه الانفاق، فإذا تم ضم ذلك الصندوق لموازنة الدولة فإن الدولة بطبيعة الحال عند دخول هذه الصناديق للموازنة سوف تستخدم هذه الموارد فى أعباء أخرى غير التى خصصت لها وبالتالى سيفشل المشروع الذى من أجله تم إنشاء الصندوق، لاسيما أن مصر بها أكثر من 7306 صناديق خاصة معلنة ومعروفة لوزارة المالية فضلا عن الصناديق الغير معلن عنها، واقترح الشيمى أنه فى حالة وجود فائض فى الصناديق الخاصة فإن الدولة تستطيع تحصيل 20% سنويا، وطالب الشيمى أن يكون لكل صندوق "نتائج أعمال" فى نهاية كل عام وتعتمد ميزانيته من الجهاز المركزى للمحاسبات وتعلن تلك النتائج فى الصحف للرأى العام لكى يشعر المواطن بجدية الصندوق ويرضى عن الخدمة المقدمة له وليكون هناك شفافية فى عمل تلك الصناديق.
برلمانيون
قال النائب مدحت الشريف وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب إن اللجنة طالبت الحكومة بإنشاء قاعدة بيانات لكافة الصناديق والحسابات الخاصة الموجودة فى ربوع مصر وتم تشكيل لجنة فنية من وزارة المالية لرصد أرصدة الحسابات والصناديق الخاصة، وأضاف أنه تم إرسال خطابات موقعة باسم رئيس مجلس الوزراء إلى كافة الهيئات والشركات الحكومية لحصر الصناديق الخاصة بها، مشيرا إلى أن هناك 123 جهة من إجمالى 655 جهة ردت على تلك الخطابات، وأكد أن اللجنة الاقتصادية سوف تستدعى الوزراء الذين لديهم صناديق خاصة مسجلة لديهم فى وزارتهم والتى لم يتم الإعلان عنها وذلك بغية الكشف عنها، والتعرف على لوائح الصرف والإنفاق الخاصة بتلك الصناديق، وقد يصل الأمر إلى وقف الصرف من هذه الصناديق نهائيا، وأكد أنه لا يمكن ضم الصناديق الخاصة للموازنة قبل حصرها أولا، ليكون هناك بيان واضح بعدد الصناديق والحسابات الخاصة، وأوجه الصرف والإنفاق بها، مضيفا أن هناك مقترح مقدم من اللجنة بخصم نسبة 25% من أموال الحسابات والصناديق الخاصة لصالح سد عجز الموازنة، وتوجيهها إلى دعم البطاقات التموينية وغيرها من أشكال الدعم المختلفة لاسيما أن حصيلة الصناديق الخاصة بلغت حسب آخر تقارير 107 مليارات جنيه فى 7306 حسابات خاصة للصناديق فى البنك المركزى المصرى.
بينما قال النائب حسنى حافظ أن الصناديق الخاصة تعتبر مشكلة مزمنة فى جسد الاقتصاد المصرى ولغزا كبيرا للمواطن المصرى، موضحا أن الصناديق الخاصة تم إنشاؤها فى المحافظات لاستخدامها فى مشروعات البنية التحتية وإنشاء الطرق والكبارى ومختلف الخدمات الأخرى، ويعتمد عليها المحافظون بشكل كلى فى تحقيق التنمية لأبناء محافظاتهم، ولكنه طالب بضرورة أن يكون هناك رقابة عليها فضلا عن وجود مكاشفة وشفافية فى معرفة أوجه الانفاق والدخل بخصوص تلك الصناديق، وأكد أن ضم الصناديق الخاصة يأتى فى إطار القضاء على باب من أبواب الفساد، موضحا أن ضمها للموازنة لم يعد خيارا بل هو شىء ضرورى جدا لانعاش الاقتصاد المصرى بدلا من الاعتماد على الاقتراض من الخارج، مشيرا إلى أن أموال تلك الصناديق يمكن أن تحل مشاكل كالبطالة وعجز الموازنة والاسكان وغيره، وأضاف أنه إذا استطاعت الحكومة ان تتخذ إجراءات سريعة فى ملف الصناديق الخاصة سيحدث انفراجة كبيرة فى الدخل القومى المصرى.
فى حين قال النائب محمد عطا سليم، أن الصناديق الخاصة تنقسم إلى 3 أقسام منها معلن ومدقق وهذا النوع معروف للدولة ونوع معلن وغير مدقق ونوع غير معلن وغير مدقق، مضيفا أن حجم الأموال فى الصناديق الخاصة يقدر بما يفوق تريليون و200 مليار جنيه مصرى، وأضاف أن تلك الصناديق يُساء استخدمها فى مكافآت ومنح ولا يتم استخدامها على الوجه الأمثل، وأكد أن الاقتصاد المصرى فى حاجة ماسة إلى أموال تلك الصناديق الخاصة لكى يغلق باب الفساد فى جميع أروقة الجهاز الإدارى للدولة وحل مشكلة الديون التى نعانى منها الآن.