كل عام رقابي وأنتم بخير
كل عام رقابي وأنتم بخير، فهذا موسم ينتظره العامة منا بفارغ الصبر ليبدأوا في طرح التساؤلات التي لا تجد إجابات، ومن ثم الصراخ والعويل على ما ضاع من أموال الوطن والاستنكار والتنديد والتهديد والوعيد بالمتجاوزين ممن صرفوا المال العام جهارًا نهارًا من دون وجه حق، وتقوم الدنيا في مملكتنا الصغيرة ولا تقعد لمدة أسبوعين أو ثلاثة على أكثر تقدير، ثم لا شيء يحدث. هذا حالنا في موسم تقرير الرقابة المالية والإدارية، وأكاد أشفق في هذا الموسم على جهود معدي التقرير الضائعة هباءً منثورًا، وجهود الصحافة في كشف ما فيه للرأي العام، ولكل من الطائفتين موسمهما في العمل. ثم يأتي الدور على المسؤولين بإطلاق التصريحات النارية بأن ما ورد بالتقرير «عارٍ تمامًا عن الصحة»، بينما يذهب بعضهم لتحميل إدارات سابقة بما حدث من مخالفات، وآخرين يلتزمون الصمت حتى تمر العاصفة، لأنهم على يقين بأنها زوبعة في فنجان لن تؤذي أحدًا، فكثيرًا ما سمعوا عن إحالة المخالفات للنيابة العامة، وبعد فترة يتبين أنها مخالفات إدارية وليست جنائية. نفس السيناريو يتكرر عامًا بعد آخر، ولكن لنا بعض الملاحظات على هذا التقرير، فقد نشرت بعض الوزارات على مواقعها الرسمية تصريحات تفاخر فيها بأن التقرير لم يورد أية مخالفات في إداراتها، وكأن الطبيعي هو الفساد، بينما التميز أن تكون عادياً، وربما سنجدهم يقيمون احتفالات بإفلات الوزارة من التقرير، وهنا أود الإشارة إلى أنه يتم تقسيم الوزارات والجهات الخاضعة للرقابة على عامين نظراً لحجم العمل الكبير، ولذلك لا تظهر مخالفات تلك الوزارات إلا في التقرير القادم.. فنحن بانتظارهم. ومن المؤسف في هذا التقرير أن ترد مخالفات شنيعة في مؤسسات المفترض أنها دينية، وتقوم على أموال المسلمين بهدف الحفاظ عليها، ويشرف على تلك المؤسسات رجال دين نحترمهم ونوقرهم، إلا أن التقرير يأتي ليضع علامات استفهام حول هؤلاء الذين يأمروننا بالمعروف وينسون أنفسهم، ويصدعون رؤوسنا ليل نهار بالتقوى والإيمان، والعمل الصالح. ومن المآخذ على هذا التقرير أنه يتطرق إلى فساد متراكم منذ سنوات، في شركات ووزارات دون أن يتم اكتشافه قبل مرور تلك السنين الطويلة، فأين كان معدو التقرير من هذا الفساد المتواصل، وهل يقوم ديوان الرقابة المالية بوظيفته على أحسن وجه، أم أن هناك تقصيرًا لديهم، أم أنهم في حاجة إلى مضاعفة الكوادر ليتسنى لهم تغطية كم الفساد الكبير الذي لا يستوعبه ديوان الرقابة بكامل إدارييه. ومن الغريب أيضًا في التقرير هو تأخر صرف مستحقات مؤسسة حكومية لأخرى نظيرة لها، فتظهر في التقرير أنها مدينة لتلك المؤسسة منذ سنوات ولا تجد ميزانية لدفع ما عليها، بينما تظهر المؤسسة الأخرى في خانة التقصير في تحصيل متأخرات لصالح الدولة، وفي المنتصف بين الاثنين نجد الكثير من متأخرات على شركات خاصة ومنذ سنوات وبملايين، ولو تثنى البحث العميق والتدقيق سنجد علاقات خاصة «وأحياناً عائلية» بين المسؤولين وأصحاب تلك الشركات. التقصير لا ينتهي وهذه ديمومية الحياة، ولكن الفساد هو أن تترك الفساد يستمر ويعيد الظهور بأشكال مختلفة وفي مواقع متعددة دون محاسبة الفاسدين.. نعم لدينا ديوان للرقابة لكن بدون نتائج ملموسة لسبب إنشائه.. فهل نحن بحاجة لديوان آخر يتابع ما حدث مع تلك المخالفات.